إيلهان طانير
وصلت العلاقات التركية الأمريكية إلى مرحلة يكاد الحديث عن الثقة فيها يكون مستحيلا إذ لا نستطيع إحصاء عدد المسؤولين الأتراك الذين تم تكذيبهم في الأسبوع الواحد من قبل واشنطن. وصارت اجتماعات المتحدثين باسم وزارة الخارجية الأمريكية أشبه بحفلة مقامة للإجابة على تصريحات أردوغان وإظهار الفروق بين وجهة نظر نظام أردوغان والولايات المتحدة. ويبدو أن الأمريكيين تعبوا وملّوا من تكذيب أردوغان ومسؤولي الحكومة التركية.
ولاتزال أنقرة تنتهج سياسات مخالفة لطبيعة أوباما وتحاول فرضها على إدارة واشنطن، وكأنها لم تستخلص أية دروس من الكابوس السوري الذي بدأ في 2011. فالمسؤولون في أنقرة يريدون التدخل في اللعبة بادعاء قلب التطورات إلى ما فيها مصلحة تركيا، وكلما تحمسوا ودفنوا رؤوسهم في الرمال، أضاعوا الفرص السانحة للبلد من خلال الخلاف مع أقوى حليف في العالم. وبالتالي تخسر البلاد حاضرها ومستقبلها. فنظام أردوغان هو المسؤول عن هذه الدائرة الفاسدة التي يديرها حتى الآن، وقد صم أذنيه بيديه، وأخذ يصيح كطفل صغير مشاغب، محاولا بذلك إقناع العالم كله بأن أقوى المجموعات الكردية في شمال سوريا هي منظمة إرهابية، مثيرا بذلك سخرية العالم الذي يبدو أنه لا يقتنع ولن يقتنع بذلك أبدا.
فأردوغان الذي يخطئ في فهم واشنطن منذ 2011 حتى الآن، ويطالب أوباما بما لايمكن له تلبيته؛ أصبح الآن يخطئ في فهم الناتو، وبات يبدو أنه مصر على فهمه على ذلك النحو الخاطئ.
وينبغي التنويه إلى أن الناتو وحسب المادة الخامسة من مواده دستوره، لا يمكنه إجراء عمليات عسكرية في حال اعتراض عضو واحد على ذلك، وبالتالي لا يمكنه اتخاذ قرار لحماية واحد من أعضائه ضد عضو آخر.
ومن الواضح أن الناتو لا يمكنه الدفاع عن تركيا ضد روسيا إذا ما دخلت سوريا لتنفيذ عمليات عسكرية برية. فسوريا أصلا ليست من أراضي الناتو.
ولذلك فحين ادعى أردوغان بأنه يحق له التدخل في شمال سوريا متذرعا بالعملية الإرهابية التي شهدتها أنقرة في 17 فبراير الجاري؛ أصر أوباما والإدارة الأمريكية بأن الدفاع المشروع يجب أن يكون ضمن أراضي الدولة فقط.
كما أن أمريكا تقول لأردوغان بالفم الملآن: “لا تخض صراعا مع روسيا، وإن فعلت ذلك فلا تعتمد عليَّ”.
وقد أورد مجلس الأطلسي (Atlantic Council) وهو من أهم المؤسسات الفكرية في واشنطن، خبرا حرجا للغاية. حيث أفادت في أخبار آخر الأسبوع بأن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أعربت عن قلقها إزاء محاولة بوتين لاختبار الناتو من خلال تحريضه لتركيا.
علما بأن بوتين الذين أبدى نجاحا في إدراك الخلافات والمشاكل المختلفة بين أعضاء الناتو، وتحريض بعضهم على بعض، وإضعاف تحالفاتهم؛ يدرك بأنه ثمة عداء يناصبه بعض أعضاء الناتو لتركيا.
وثمة كثير من زعماء الدول الغربية يؤكدون أنه لاتوجد قيم مشتركة بينهم وبين أردوغان الذي ساءت علاقتهم به بسبب تصرفاته القمعية والاستبدادية. علما بأن الرأي العام الغربي يحمل الكثير من الكراهية لأردوغان. صحيح أن تركيا ليست عبارة عن أردوغان. ولكن الكل يعلم بأن الدفاع بقوة عن تركيا سينصب في مصالح أردوغان السياسية.
وقد يؤدي استهداف تركيا لمواقع قوات حماية الشعب في سوريا، والنظام السوري إلى إيجاد ذرائع لرد الروس بالمثل. فيمكن للروس أن يدعوا بأن قذائف المدفعية التركية قد قتلت من الجنود الروس، ليردوا بالمثل.
وثمة نقاشات كثيرة في الوضع الراهن حول ما إذا كان الناتو سيسعى لمساعدة تركيا في حال إرادته الرد على روسيا. كما أنه من الواضح أن أمريكا لا تساند تركيا في موقفها هذا.
وإذا امتنع الناتو عن مساعدة تركيا فإنها ستغدو في مواجهة روسيا بمفردها. لذا فليست لدينا حجج لنقول إن تركيا لا يمكن أن تقدم على هذه الخطوة الجنونية. لأن أنقرة محرومة من عقل دولة يشتغل بشكل طبيعي سليم.
يدق ناقوس الخطر وصوته يكاد يصم الآذان. ويجب على من لا يريد أن يُذكر اسمه في صفحات الخزي عبر التاريخ، أن يحكّم العقل، وأن يتحلى بالشجاعة لمحاسبة نفسه. ويجب عليهم أن يفعلوا ذلك اليوم قبل الغد.