سؤال :العلاقة بين الإسلام والإرهاب من المسائل التي حولها نقاش كبير في وقتنا الحاضر، هل يمكن أن نعد الإرهاب طريقة من طرق الكفاح؟ وما هو البديل الإسلامي للإرهاب في الكفاح؟
لا يُعرف الإسلام اليوم حق المعرفة، ينبغي للمسلمين أن يصرحوا دائمًا: “لا إرهاب في الإسلام”. فلا يجوز أن يقوم أي شخص بقتل إنسان آخر، ولا أن يمس أي شخص إنسانًا بريئًا، حتى في وقت الحرب، ولا يمكن لأحد أن يجوّز هذا الأمر. ولا يجوز لأحد أن يكون انتحاريًّا يندفع وسط الحشود وقد ربط متفجرات حول جسمه؛ فهذا غير مسموح به في ديننا بغضّ النظر عن دين هؤلاء المستهدفين. وحتى في حالة الحرب -والتي يصعب فيها الحفاظ على التوازنات- لا يسمح الإسلام بهذا؛ فالإسلام يقول: “لا تقتلوا الولدان ولا الشيوخ ولا النساء، وستجدون أقوامًا حبسوا أنفسهم في الصوامع فدعوهم وما حبسوا أنفسهم له”.
لم يقل هذا الكلام مرة واحدة فقط ولكنه تكرر مرات ومرات عبر التاريخ، فما قاله سيدنا النبي محمد r، وما قاله سيدنا أبو بكر، وما قاله سيدنا عمر هو نفس ما قاله بعد ذلك بِقرونٍ صلاح الدين الأيوبي وآلْب أرسلان وقِليج أرسلان. وبعدها قال السلطان محمد الفاتح نفس الكلام مرة أخرى، وبذلك أصبحت مدينة القسطنطينية -التي كانت تحكمها الفوضى- إسطنبول، فلم يتعرض اليونانيون بعد ذلك للأرمن بأذًى، ولم يتعرض الأرمن لليونانيين بأذًى، ولم يؤذِ المسلمون أيًّا من الملل الأخرى. وكانت في البطريركية صورة لمحمد الفاتح علقوها على الحائط طواعية. يروي التاريخ لنا أن السلطان استدعى البطريرك وأعطاه المفاتيح، فاحترموه. إن الإسلام لا يُفهم اليوم على الوجه الصحيح؛ فهو يحترم دائمًا الأفكار المختلفة.
إن الإسلام دين حق ينبغي أن يُمارس بصدق، ولا يجوز في سبيله استخدامُ طُرق باطلة، فكما يجب أن تكون الغاية شرعية يجب كذلك أن تكون جميع الوسائل المستخدمة للوصول إليها أيضًا شرعية. فلا يستطيع الإنسان الوصول للجنة عن طريق قتل إنسان، فالمسلم لا يستطيع أن يقول: “لِأقتُلْ هذا الشخص فأدخُل الجنة”. إن رضا الله لا يُنال بقتل الناس، إن الهدف الرئيس للمسلم هو الفوز برضا الله I، وتبليغ دين الله إلى جميع أنحاء العالم.
لقد فقد بعض الشباب المحبَطون قيمهم الروحية، والبعض يستغل هؤلاء الشباب ويعطونهم حفنة من الدولارات أو يزيفون وعيهم فيحولونهم إلى إنسان آليّ، بعد القيام بتخدير عقولهم. لقد أصبح هذا أحد موضوعات الساعة هذه الأيام والذي يمكن قراءته في الصحافة العامة، فقد أوذي هؤلاء الشباب إيذاءً شديدًا لدرجة أنه يمكن استغلالهم، لقد تم استخدامهم كقَتَلة تحت دعوى بعض المثُل أو الأهداف المجنونة وأُجبروا على قتل الناس. إن بعض الأشخاص من ذوي العقول المليئة بالشر يريدون تحقيق أهداف معينة من خلال استغلال هؤلاء الشباب.
نعم، إن قتل إنسان شيء في منتهى الفظاعة، قال الله تعالى: ﴿مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا﴾ (سورة المائدة: 5/32) وبما أن هذا مبدأ أساسي في الدين فينبغي إذًا أن يُدرّس في المدارس.
المؤمن الحق لا يرهب الناس متعمدًا. فمن المستحيل أن يكون المسلم الحق إرهابيًّا. والإرهاب الذي يُعزى إلى المسلمين حتى اليوم نُفّذ أحيانًا بتزعم بعض الأنفس الغرة -وعددهم قليل جدًّا- التي لم تهضم الإسلام هضمًا جيدًا بكل دقائقه، وأحيانًا بواسطة إثارة مشاعر الشباب إثارة مفرطة، وأحيانًا بواسطة عناصر ورجال القوى العظمى الذين يَظهرون بمظهر المسلمين، وأحيانًا أخرى بواسطة الجموع الدموية التي تعرضت مشاعرها الإنسانية ومشاعر الخوف لديها للكبت والضغط باستخدام أنواع مختلفة من الأدوية والمخدرات.
والواقع أن الإرهاب عملية معقدة، ولذلك فإن تحليله يبدو أمرًا صعبًا ليس سهلًا. ومهما كان الأمر صعبًا فلا بد من الوقوف عليه بسبب قبح ماهيته، وبسبب عزوه إلى المسلمين أيضًا، ولا بد أن تتحرك الأجهزة الإدارية، والمخابراتية، ولا بد من تحديد المتسببين فيه، والنضال ضده بواسطة استراتيجيات عالمية.
وإلا فإن الأمر سيتحول إلى دُوامة لا يمكن الخروج منها خروجًا كاملًا بسبب بعض الأمور كالمعلومة الناقصة، والتقييم الخاطئ، وخلق بعض الأجهزة الاستخبارية الإرهابَ بصورة مخططة كما أشرنا إليه سابقًا، وسوف تتعرض بعض الحضارات، وبعض الأمم، وبعض التنظيمات المدنية للتهديد الدائم. وقد قُيّمت القضايا بعد 11 سبتمبر هكذا. وفي هذه الفترة التي عاشت فيها جموعٌ جنونَ العظمة، جُعل تحريكُ وإثارةُ بعض بؤر الإرهاب والتلاعبُ بالمشاعر والحس العام وسيلةً للإرهاب وبشكل يزداد تدريجيًّا كل يوم.
لو كان ثمة إخلاص في مقاومة الإرهاب لوُضع تشخيص له تحت مظلة حلف الناتو والأمم المتحدة، ولجرى البحث بعد التشخيص
عن سبل العلاج. لكن الأمر لم يتم على هذا النحو وأُظهرَ جميع المسلمين -تصريحًا وتلميحًا- على أنهم إرهابيون، والواقع أن بعض المسلمين المخدوعين أو ممن تزيّوا بملابس المسلمين الذين يعملون لصالح بعض الأجهزة الاستخباراتية شاركوا في الأعمال الإرهابية؛ شاركوا ولكن القضية لم تكن على الإطلاق كما زعمها من يهاجمون المسلمين هجومًا شديدًا. فمعظم الادعاءات ملفقة، ونتاج خيال، وأجزاء في صورة مقدمة للعبة كبيرة يُراد تنفيذها في جميع أنحاء العالم.
وإنني أرى أن المسلمين، حتى وإن كانوا متأخرين من ناحية العلم والتقنية، إلا أنهم ليسوا سافلين وسفهاء لدرجة أنهم يشتغلون بأمور دنيئة على هذا النحو. فمعظمهم أنقياء لدرجة أن عقولهم لن تعي مخططات تلك الأجهزة الكبرى التي تلعب في الساحة الدولية. والسبب الأصلي وراء الإرهاب هو المصالح والمنافع الدنيوية، ودائمًا ما كانت تلك الأسباب هي التي تقف وراء لعبة الشطرنج الكبرى الموجودة في العالم. وكان الأمر يتكثف على الدين حين يتم تجاهل تلك الأسباب الأصلية.
لقد تشكل العديد من المجموعات الساخطة في الجغرافية الإسلامية بسبب مشاكل مثل صراعات المصالح والاحتكاكات الحزبية والممارسات غير الديمقراطية، وانتهاك حقوق الإنسان… ومعظمُهم من أولئك الناس عديمي الخبرة، والمعرفة، الأغرار الذين يقعون بسهولة في ألاعيب الأجهزة الاستخباراتية. إذ يمضي بعضُ تلك الأجهزة قُدُمًا نحو هدفه باستخدامهم.
هذا بالإضافة إلى أن منظمات فوق الدول، سرية منها وعلنية، تثير الاضطرابات في العالم دائمًا نظرًا لأنها بَنَتْ خُططها على التخريب، فتشغل الجميع بشيء ما، وبهذا تتمكن من توسيع مجالات تحركاتها وفعالياتها.
كما أن تأثير الكيل بمكيالين في لعبة الإرهاب كبير جدًّا؛ إذ يبدو الأمر على هذا النحو في بعض الدول، إذ اللاعبون الرئيسون في السياسة العالمية يتحدثون عن الديمقراطية وحقوق الإنسان والعيش بحرية؛ إلا أنهم بكل أريحية يعارضون هذه القيم التي يدافعون عنها إذا ما كانت مصالحهم تقتضي تصرفهم على هذا النحو، كما أنهم يرفعون قدر من يريدون رفعه ويحطّون قدر من يريدون حطّه حتى وإن استلزم ذلك استخدام القوة الغاشمة. ومواقف السياسيين العالميين التي لا تأبه بشيء في كثير من قضايا العالم التي نعتبرها نحن جرحًا يدمي كل يوم؛ كقضية كشمير وفلسطين على سبيل المثال، دليل واضح على هذا.
وإذا لم يتم النظر في هذه القضايا، فإن تم القضاء على بعض الأمور التي تُقدَّم وكأنها أسباب الإرهاب، سوف يبقى وجود ذلك الفعل الملعون باسم ولقب آخرَين، حتى وإن قضي عليها بعناية ودراية غير عادية. بيد أن من يستغلون فرصة تحميل كل هذه السلبيات للدين، ولا سيما للدين الإسلامي، ومن يتصرفون بهذه النوعية من التصرفات التي تقتضيها مصالحهم مع أنهم يبدون مرتبطين بالدين لم يروا هذا الأمر البدهي في أي وقت قط، ولن يروه أبدًا.
ولا شك أنه من المفيد هنا أن نتحدث عن الخوف من الإسلام (إسلاموفوبيا) الموجود منذ زمن قديم ويراد له أن يعيش ويدوم. فهذا المرض النفسي الذي يعود في أحد جذوره إلى وقت قديم جدًّا في قطاع من العالم، والذي يصرَّح به أحيانًا ويشار إليه أخرى قد تجدد مرة ثانية في ظل بعض الحوادث الإرهابية الكبيرة، وجُعل مشكلة كبيرة للإنسانية. فهذا المرض الذي كان يسود قديمًا في المنطقة الواقعة شمال العالم الإسلامي أو كان يُراد له أن يسود حُوِّل إلى”جنون العظمة العالمي” من الشرق إلى الغرب. والأغرب من هذا أيضًا أن هناك بعضًا من حكام العالم الإسلامي بدوا في الوقت الراهن وكأنهم يصدقون هذه الكذبة العظمى.
والواقع أن هذا الأمر ليس إلا مِن صنع عالَم حاقد على الإسلام يقوم بتقديم آرائه واعتباراته القديمة في ثوب جديد. فكثير من الأمم التي انقطع صوتها منذ زمن بعيد عندما بدأت تسعى، بعد تفكك الاتحاد الشيوعي، كي تعمل لنفسها بعض الأشياء تعود بها إلى أصلها من جديد، كفاها أن تنفخ الرماد الذي كان يستر فكر الشمال الغادر هذا الذي قد غطي بالرماد مؤقتًا. ومهما اختلفت الخطابات إلا أن النيات واحدة. وأظن أن ثمة مجموعة من الخطابات الحديثة التي ظهرت تخدع البعض، مثل: “النظام العالمي الجديد” و”الحرية” و”الديمقراطية”. تبوأت هذه الخطابات الجديدة مكان الخطابات التحريضية التي كانت تمارس في العصور الوسطى، يبدو أنها لن تتتوقف إلى أن يقول العالَمُ لها “قفي”.
المصدر “جريدة muslim world” الأمريكية 2008