بقلم: أبو زيد عبد الرحيم
إعادة لقراءة شهادة أربكان في حق أروغان ليس دفاعًا عن الخدمة ولا تخوينًا لأردوغان ومشروع العدالة والتنمية؛ بل محاولة لفهم ما يجري حولنا، ودعوة لتحرير عقولنا من سلطان الإعلام الموجه، الذي أصبح أداة لتشكيل وعي الأمة. لقد كنا أول السعداء بتجربة العدالة والتنمية في بدايتها؛ ولكن هذه التقلبات في المواقف، وعدم الثبات على المبادئ، والظلم والاستبداد ومصادرة الفكر الذي نراه كل يوم يدعونا إلى إعادة النظر في أصل الفكرة وسبب نشأتها.
إذا عدنا إلى الوراء وتحديدًا عندما انشق أردوغان عن حزب الفضيلة متهما أستاذه أربكان بالديكتاتورية وأنه محب للسلطة، وأن قيادته فردية لا تحتمل المناقشة، وأنه لا يستطيع أحد أن يقول كلمة غير كلمته ( بحسب ما جاء في كتاب قصة زعيم لعمر أوزباي وحسين بسلي صـ295)، كانت هذه الأسباب هي الحاسمة من وجهة نظر أردوغان ومجموعته في الانفصال عن أربكان. فماذا كانت شهادة أربكان في حق أردوغان ومجموعته الانفصالية؟ اتَّهم أربكان أردوغان ومجموعته بتقسيم الحزب، وإشعال نار الفتنة به؛ بل وصل الأمر إلى حَدِّ اتهامهم بالخيانة وأنهم عملاء للصهيونية، فهل كان للاتهام هذا من أصل استند عليه أربكان؟
حملت لنا الأيام فيما بعد الإجابة عن هذا السؤال، ففي برنامج تلفزيوني أذيع على قناة (+1) التركية، كان الضيف الدكتور “عبد الرحيم قارصلي ” زعيم حزب الوسط التركي، الذي أدلى بتصريحات صادمة عن نشأة حزب العدالة والتنمية، نقلًا عن السيد ” عبد الرحمن ديليباك” الكاتب الصحفي المعروف والمقرَّب من الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، حيث قال:” إن حزب العدالة والتنمية أسَّسَته الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل كمشروع سياسي. كما أكَّد علي بولاج ( وهو كاتب صحفي تركي مشهور) أنه في آخر لقاء جَمَعَه بأربكان قبيل وفاته، قد تحدَّث أربكان إليه عن مراحل تأسيس حزب العدالة والتنمية، وأطْلَعَه على بعض الوثائق التي تُثْبت أن هذا الحزب تمَّ تأسيسه من أجل تنفيذ المشروع الأمريكي الكبير في الشرق الأوسط، وذكر بولاج أن السيد” أرتان يوليك” نائب رئيس حزب السعادة والذي يُعتبر من الشخصيات المُقرَّبة من الزعيم السياسي الراحل ” أربكان” كان حاضرًا لتلك المقابلة.
رئيس حزب السعادة يؤكد تلك الأقوال صَرَّح مصطفى كمالاك، (زعيم حزب السعادة، الذي يعتبر استمرارًا لحزب الفضيلة المنحل، الذي كان يقوده أربكان) أن الإسرائيليين عرضوا على أربكان عروضًا لو قبلها أربكان لما تأسس حزب العدالة والتنمية، ومضى كمالاك، الذي صاحب أربكان منذ عام 1969، في حديثه قائلاً: «زار ذات مرة عدد من أصحاب التمويل وبناة الخطط الأستاذ أربكان. وقالوا له: “الإسلام هو خط يرتفع، ونحن نريد التعاون معكم».. وكانت لهم ثلاثة مقترحات؛ أولاً: سنصعد بكم إلى الحكم؛ ثانياً: سنؤمن لكم التمويل الكافي؛ ثالثاً: سنزيح من يعارضونكم”، وعن شروط المجموعة فعددها كمالاك كالتالي: «أولاً: سيضمن أمن إسرائيل؛ ثانياً: ستعاونوننا في الصياغة الجديدة للإسلام؛ ثالثاً: ستدعمون مشروعنا للشرق الأوسط الكبير»، وأضاف أن أربكان رفضها دون أن يناقش فيها حتى، وأضاف كمالاك أن نفس العرض قُدِّم لرئيس حزب الوحدة الكبرى الراحل محسن يازيجي أوغلو، فرفضه بدوره، فقامت المجموعة بالتقاء حكام اليوم، وساومتهم، وبناءً عليه تأسس حزب العدالة والتنمية الحاكم. ولو أن أربكان ويازيجي أوغلو قَبِلا بما عرض عليهما لما تأسس حزب العدالة.
وأشار كمالاك، في حواره مع صحيفة «بوغون» إلى أن أردوغان ورفاقه قبلوا بالشروط، مُذَكِّرًا بتصريح لأردوغان يعلن فيه أنه رئيس موازٍ ضمن إطار مشروع الشرق الأوسط الكبير. إذا أعدنا قراءة تلك الوقائع في إطار ما يحدث في تركيا الآن لقادنا ذلك إلى سؤال ما الهدف من كل تلك الإجراءات التي تحدث في تركيا؟ يجيبنا على ذلك السؤال مجلس الأمن القومي التركي، حيث انتشرت أقاويل تقول إن مجلس الأمن القومي التركي اتَّخذ قرارًا باعتبار كل الجماعات الدينية في تركيا “كيانات موازية”، ومن ثمَّ بدأ الإعداد لمخطط لتصفيتها جميعًا. لقد صَرَّح وزير الداخلية السابق، رفيق درب السيد رجب طيب أردوغان” أن أردوغان محاط بدائرة ضّيِّقة من مستشاريه، تمسك بزمام الأمور في كل ما يتعلق بالدولة وهي تعادي الجماعات الإسلامية، وقد بدأت هذه المعادة بنصب الفخاخ لحركة الخدمة. إن هذه المجموعة التي تتحكم الآن في مفاصل الدولة وبالتعاون مع من أٌفْرج عنهم في القضايا المعروفة إعلاميُّا بقضيتي ” أرجنكون” و” المطرقة”، تضع الآن الحركات الإسلامية بأكملها في قائمة الاستهداف، والهدف الأول لها هو ” الخدمة”، ثم يليها حزب العدالة والتنمية الحاكم نفسه، ثم يعقب ذلك الحركات الإسلامية الأخرى.
* أقدم رابط برنامج الدكتور “عبد الرحيم قارصلي ” زعيم حزب الوسط التركي لمجيدي اللغة التركية:
https://youtu.be/aUYizxBfnxo