نيويورك (الزمان التركية) – قالت صحيفة هافنجتون بوست في تقرير لها إنه كان من الممكن بسهولة أن تختفي قضية وفاة عبدول، أحد سائقي شاحنات النقل في سوريا، والذي لم يكن يرتبط بأي جماعاتٍ سياسية معروفة، وسط الغموض الذي يكتنفها.
وأضافت لكن، ووفقاً لوكالة الأنباء الفرنسية، فإن قبول قاضي تحقيق في مدريد دعوى تقدمت بها إسبانية من أصل سوري تتهم فيها نظام بشار الاسد باعتقال شقيقها وتعذيبه وقتله، دفع القضية للسطح من جديد حسبما أعلنت المحكمة الوطنية المتخصصة في القضايا الدولية.
كما أن الصور التي تُظهِر أنَّه حُرِق، وضُرِب، وجُوِّع داخل أحد سجون دمشق دفعت القضية إلى صدارة المشهد، في إطار تحرُّكٍ قانوني بارز يستهدف مسؤولين سوريين مُقرَّبين من رئيس النظام السوري بشار الأسد، حسبما نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية.
وفي قرار حمل تاريخ أمس الإثنين، أعلن القاضي إيلوي فيلاسكو قبول الدعوى ضد 9 مسؤولين سوريين كبار بقوات الأمن السورية على خلفية مقتل السائق عبدول، وهي الجريمة التي وقعت عام 2013.
وتتهم الشكوى التي قدَّمتها أمل، شقيقة عبدول، والتي تُدير صالوناً للتجميل في مدريد، 9 من كبار قادة الأمن التابعين للأسد بتهم إرهاب الدولة، مُدَّعيةً أنَّهم استخدموا المؤسسات الحكومية لارتكاب جرائم العنف المُفرِط بهدف إرهاب السكان المدنيين وإسكات المعارضة، في أعقاب احتجاجات الربيع العربي عام 2011.
الدعوى تستهدف كلاً من رئيس الاستخبارات السورية علي مملوك، وعدداً من كبار مسؤولي الاستخبارات؛ من بينهم مدير مكتب الأمن القومي عبد الفتاح قدسية، ومحمد ديب زيتون، واللواء جميل حسن.
كما تشمل الدعوى نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع، والأمين القُطري المساعد لحزب البعث الحاكم محمد السيد بخيتان، بالإضافة إلى اللواء محمد الحاج علي، والعميد جلال الحايك، والعقيد سليمان اليوسف.
وفي حين قد ترفض سوريا الدعوى باعتبارها عديمة الأهمية، قال قانونيون دوليون إنَّها قد تتحول إلى مساءلةٍ قانونية للمسؤولين السوريين، الذين ارتكبوا الجرائم بمأمنٍ من العقاب خلال 6 سنوات من الحرب.
وقد يجد المُدَّعَى عليهم أنفسهم رهن الاحتجاز في حال سافروا إلى خارج سوريا. ويمكن أن تُصادر أصولهم في البلدان الأخرى.
ووفقاً للصحيفة الأميركية، فقد قال ستيفن راب، السفير الأميركي السابق لشؤون العدالة الجنائية الدولية، والزميل غير المقيم في معهد لاهاي للعدالة الدولية حالياً، والذي ساعد في تقديم القضية، إنَّ هذه القضية “تُعَدُ بدايةً لعملية المحاسبة والمساءلة. وقد نستصدر مذكرات توقيف دولية خلال شهرٍ أو شهرين بحق هولاء الأفراد”.
وبحسب محامين في لندن ومدريد تابعين لمؤسسة هيئة العدالة الدولية (غرنيكا 37)، وهي عبارة عن مجموعة دفاع قانونية تتولَّى تمثيل شقيقة عبدول، فإنَّ القضية “ستسمح بصورةٍ خاصة للمحاكم بالتحقيق في تعذيب وإعدام آلاف المدنيين بمراكز الاعتقال غير الشرعية” التي تديرها حكومة الأسد.
وقالت ألمودينا برنابيو، وهي عضو في مؤسسة “غرنيكا 37″، والتي قاضت ضُبَّاطاً سلفادوريين كباراً سابقاً، وغيرهم من المسؤولين المتورِّطين في جرائم، إنَّ “القليل للغاية من حجج الدفاع تنطبق” على تهمة إرهاب الدولة. وأضافت أنَّ “هناك قرينة كبيرة على ارتكاب الجُرم”.
وتعكس هذه القضية الجهود المتسارعة في أوروبا لتجاوز العقبات السياسية التي أعاقت اللجوء إلى سبل العدالة الدولية الأخرى بشأن الجرائم المُرتكَبة في الحرب السورية.
لكن روسيا، الحليف الرئيسي للأسد، أوضحت أنَّها ستستخدم حق النقض في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة؛ من أجل منع إحالة سوريا إلى محكمة الجنايات الدولية. وتعهَّدت الصين بأن تحذو حذوها.
وبدأ المُدَّعون العموميون الأوروبيون في العمل على أكثر من 20 قضية ضد أفراد بسبب جرائم الحرب، لكنَّ جميعها ركَّزت على مُرتكبي الجرائم من مجموعات المعارضة المسلحة أو القوى الجهادية. أمَّا القضية في إسبانيا، فهي تستهدف مسؤولين رفيعي المستوى في الحكومة السورية.
وحَكَمَ القاضي إلوي فيلاسكو بأنَّ المحكمة الوطنية الإسبانية لها الحق في النظر في القضية؛ لأنَّ المُدَّعِية مواطنة إسبانية، وأنَّ أقارب الأشخاص الذين اختفوا أو ماتوا نتيجة جرائم ارتُكِبَت في مكانٍ آخر هم أيضاً ضحايا بموجب القانون الدولي.
ووصفت ألمودينا حُكم القاضي بأنَّه “قرارٌ تاريخي، ليس فقط بالنسبة لمعركة الضحايا من أجل العدالة، لكن أيضاً لمتطلَّبات التحقيق ورفع الدعاوى القضائية المُتعلِّقة بالجرائم الدولية أمام المحاكم الوطنية، في الوقت الذي أثبتت فيه المؤسسات الدولية الأخرى، مثل المحكمة الجنائية الدولية، أنَّها عاجزة عن القيام بذلك”.
ووافق المُدَّعي العام الاتحادي الألماني على الاستماع إلى شهادة الشهود في قضيةٍ رفعها المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان في برلين، إلى جانب محامييْن سوريين، هما أنور البُنّي ومازن درويش، في مارس/آذار، تتهم 6 من كبار المسؤولين السوريين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. ولم يُحدِّد المركز المسؤولين علناً، وليس من الواضح متى، أو ما إذا كانت القضية ستُقدَّم إلى إحدى المحاكم.
ويُجهِّز محامو مؤسسة غرنيكا أيضاً قضيةً تتعلَّق بموت عباس خان، وهو طبيبٌ بريطاني يبلغ 32 عاماً، كان قد سافر إلى سوريا ليعالج ضحايا الحرب، ومات داخل أحد سجون دمشق في ديسمبر/كانون الأول 2013. وقال المسؤولون السوريون إنَّه قد أقدم على شنق نفسه داخل زنزانته قبل أيامٍ من وعد الحكومة بالإفراج عنه.
وقالت ألمودينا إنَّ القضية الجارية في إسبانيا قد بدأت عندما وصلت رسالة على تطبيق “واتساب” إلى هاتف أمل خلال استراحة غدائها، وأظهرت الرسالة صورةً لوجه عبدول التُقِطت بعد موته.
وكانت صورة عبدول من بين 55 ألف صورة أخرى سربها مُصوِّر شرطة سابق معروف باسم مستعار “قيصر” إلى خارج سوريا عام 2014، وهي صور تُوثِّق موت أكثر من 6700 شخص داخل سجون الأسد.
ونشرت الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي، وهي إحدى المجموعات الناشِطة، نحو 3 آلاف من صور قيصر على موقع فيسبوك في مارس 2015. ولاحظ نجل عبدول، الذي فَرَّ إلى تركيا، بين الصور ما اعتقد أنَّه كان وجه والده، وأرسله إلى عمته في مدريد.
وقالت ألمودينا إنَّ عملية التأكُّد من أنَّ عبدول كان هو الرجل الموجود في الصورة لم تكن سهلة؛ إذ كان وجهه وجسده هزيلين، ومليئين بعلامات حروق. كما بدا أنَّ أطرافه كانت مكسورة.
وأكَّدت أرملة عبدول هُويته خلال محادثةٍ مُثيرة للعواطف باستخدام تطبيق سكايب، أظهرت خلالها ألمودينا الصور التي لديها من ملف قيصر، ولاحظت وجود ندوب ناتجة عن عمليةٍ جراحية.
ورحَّب النشطاء السوريون بقضية إسبانيا، لكنَّهم لا يزالون يشعرون بالإحباط من عدم مثول الأسد وتابعيه بعدُ أمام أي محكمةٍ دولية.
وقال محمد العبد الله، المُعتَقل السابق، والذي يشغل الآن منصب المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمساءلة في لاهاي، إنَّ “الفرصة الواقعية للقبض على أيٍ منهم وتقديمه للمحاكمة ضئيلة للغاية”.
ومع ذلك، يرى آخرون أنَّ الخطوة تُمثِّل تقدُّماً.
إذ قال كاميرون هادسون، مدير مركز “سايمون سكجوت” لمنع الإبادة الجماعية في واشنطن، إنَّ قضية إسبانيا “ليست حلاً سحرياً بأي وسيلةٍ من الوسائل، لكن في صراعٍ ظلَّ يخلو من أي إشارةٍ إيجابية، ربما يكون ذلك أمراً إيجابياً”.
وقال إنَّ القضية ربما تُظهِر أنَّ “هناك نهاية يمكن الوصول إليها تنطوي على بعض القدر من العدالة والمساءلة”.