أنقرة (الزمان التركية) – نشرت صحيفة “ذي اندبندنت” البريطانية، مقالًا للكاتب الصحفي الشهير “باتريك كوكبورن”، بعنوان ” تشابهات مخيفة بين ترامب وأردوغان”.
أوضح كوكبورن في معرض مقاله أن كلًا من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والرئيس الأمريكي الجديد “دونالد ترامب” يظهران “حساسية جنونية” تجاه الانتقادات الموجه إليهما، قائلًا: “إن كلاهما يستغل الانقسامات الداخلية في بلده، ويعمل على تأجيجها، من أجل الحصول على قوة مطلقة غير مراقبة، لإرضاء رغباته الجامحة”. كما علَّق على سياساتهما قائلًا: “كلاهما يجر نفسه والآخرين إلى حافة الهاوية”.
إذ ينشغل دونالد ترامب، أثناء توليه مهام رئاسة الجمهورية، بالجدال مع الإعلام الأمريكي، والهيئات الاستخباراتية، ومؤسسات الحكومة، وبعض الأقسام من الحزب الجمهورية، بالإضافة إلى طبقة واسعة من الشعب الأمريكي. وتبدو في الأفق وكأن هناك عوائق مؤثرة تحول بين استخدام سلطاته وقوته الرئاسية بشكلٍ هوائي مزاجي.
وأضاف أن ما يتعرض له ترامب من هجوم إعلامي، يماثل الهجمة التي تعرض لها أردوغان في بداية تسلمه السلطة، وكان الرئيس التركي قال الخميس الماضي، إن ترامب كان على حق لإغلاق استجواب الصحفي أكوستا، لأن المؤسسات الإعلامية العالمية مثل “سي أن أن” الأمريكية “تقوض الوحدة الوطنية”، بحسب تعبيره.
أردوغان يقصي البرلمان
بالتزمان مع اقتناص ترامب مقعد الرئاسة داخل “البيت الأبيض”، يضع حزب العدالة والتنمية والحزب القومي في تركيا لمساته الأخيرة على التعديلات الدستورية الجديدة، في خطوة نحو سلب البرلمان صلاحياته وقوته، ومنحها لرئيس الجمهورية. يتحول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بموجب هذه التعديلات إلى “دكتاتور منتخب” يحق له حل البرلمان، ورفض مشاريع التشريعات، والتصديق على الميزانية، وتعيين الوزراء دون أن يكونوا نواب برلمانيين، بالإضافة إلى تعيين كبار مسئولي الدولة ورؤساء الجامعات.
لم يكتف أردوغان بكل هذه الصلاحيات، فقرر السيطرة على ما تبقى من قوى في البلاد، من خلال الاستحواذ على صلاحيات رئيس الوزراء، لمدة ثلاث فترات رئاسية كلٌ منها خمس سنوات، يحق له خلالها الاطلاع على تقارير أجهزة الاستخبارات بشكلٍ مباشر. أمَّا القضاء، لم يكن في منئًا عن تطفل أردوغان، إذ تنص التعديلات على أن تكون في يده صلاحية تعيين رؤساء المؤسسات القضائية.
استمرار سياسات التصفية في جميع مجالات الحياة
تعتبر هذه التعديلات الدستورية، امتدادًا طبيعيًا لعمليات التصفية التي تشهدها جميع مجالات الحياة في تركيا، بعد تعرض 100 موظف حكومي للاعتقال أو الفصل من العمل، بتهمة الضلوع في الانقلاب الفاشل. كما يبدو أن هذه الممارسات ستمتد من الصحفيين حتى رجال الأعمال والمستثمرين الذين تم مصادرة أموالهم وأصولهم بقيمة 100 مليار دولار.
حتى المشاهير والقوميين…
بالرغم من الاختلاف الكبير في الأعراف السياسية في كلٍ من أمريكا وتركيا، إلا أن التشابهات بين أردوغان وترامب أكثر بكثير مما تبدو عليه من الوهلة الأولى؛ كلاهما لديه أحلام الوصول للسلطة وزيادة الصلاحيات والقوة. وكلاهما يحيط نفسه بسياج من المشاهير والقادة القوميين الذين يُشيطنون خصومهم ويرون أنهم مهددون بالمؤامرات.
بدأ ترامب استخدام حملة عدائية شرسة ضد معارضيه عقب اختياره في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، إلا أن الشهرين الماضيين فقدت أي إشارات حول وجود بصيص أمل على اتخاذه أساليب أكثر تصالحًا. وكشف موقفه الصريح تجاه مراسل “سي إن إن” خلال مؤتمر صحفي، عند عدائه المتزايد تجاه وسائل الإعلام.
لاطاقة له لتحمل الانتقادات
يظهر أردوغان وترامب “حساسية جنونية” تجاه الانتقادات الموجه إليهما؛ فقد ظهر ذلك من خلال التغريدات النارية التي نشرها ترامب على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” ضد معارضيه، وبالأخص “ماريل ستريب”. أمَّا عن تركيا فقد رفعت دعاوى قضائية ضد أكثر من ألفين مواطن بتهمة إهانة رئيس الجمهورية، ومحاكمة مواطن آخر بسبب نشره صور “غولوم” –شخصية مسخ من فيلم مملكة الخواتم- وبجانبها صورة لأردوغان يحمل وجه التعبيرات نفسها. تحتوي السجون التركية على 81 صحفي، من بين 259 صحفي معتقل حول العالم. بالتأكيد لا يتعرض الصحفيون الأمريكان لهذا القدر من الهجوم، ولكنهم يتعرضون لضغوطٍ قوية من قبل المؤسسات التي يعملون بها، من أجل وقف الانتقادات.
نابليون الثالث، وموسوليني، وهتلر…
هذه الأنواع والأطياف من القيادة السياسية لا تعتبر جديدة؛ فقد وصف المؤرخ البريطاني الكبير “سير لويس نامير”، في كتاباته قبل 70 عامًا، أي عام 1947، نابليون الثالث في فرنسا، وموسوليني في إيطاليا، وهتلر في ألمانيا، ضمن ما أسماه “ديمقراطية القيصر”. لم تنس هذه الظاهرة ضمن صفحات التاريخ، إذ تستمر حتى الآن نظرًا لأن موادها تسري أيضًا على أردوغان وترامب.
تحدث الكوارث بأشكالٍ مختلفة… إذ ينتج فشل وإخفاق الديكتاتوريين المنتخبين والشخصيات ذات النفوذ من الفكر المبالغ فيه حول الطاقات الاستيعابية لأنظمتهم؛ قد تكون من خلال دخولهم في حروبٍ ضد قوى عسكرية تتخطى قواهم. من الممكن أن يبتعد ترامب عن هذه الأنواع من المستنقعات، بسبب شخصيته الانعزالية؛ إلا أن أغلب الخطوات التي يتخذها في مجالات الأمن تشيير إلى أنه سيتَّبع خطوات أكثر هجويمة وتدخلًا.
كان الرئيس الأمريكي باراك أوباما، يتمتع بعدد من جوانب القوى، من أهمها نظرته الواقعية حول الخطوات التي من الممكن اتباعها لتنفيذ سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، دون توريطها في المزيد من الحروب غير المجدية في الشرق الأوسط، تصحيحًا لما فعله الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش في العراق وأفغانستان. فقد حرص ترامب خلال حملته الانتخابية، على إرسال إشارات أنه لا يرغب في إرسال قوات أمريكية إلى أي مكان حول العالم، أو حتى الشرق الأوسط (عكس تصريحات هنري كلينتون). يعتبر هذا طبيعيًا نتيجة انحسار نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية حول العالم في الآونة الأخيرة.
لا يمكن الوقوف أمام رغباتهما الجامحة…!
وقال الكاتب البريطاني تمتع أردوغان وترامب بصفة أخرى مميزة لهما: كلاهما يستغل الانقسامات الداخلية في بلده، ويعمل على تأجيجها، من أجل الحصول على قوة مطلقة غير مراقبة، لإرضاء رغباته الجامحة. يستخدمون شعارات أنهم سيعلون عظمة بلادهما، ولكنهما يفعلون عكس ذلك. فكلاهما يجر نفسه والآخرين إلى حافة الهاوية.