أنقرة (الزمان التركية) – سلَّط الكاتب الصحفي عبد الله بوزكورت، في مقاله نشر على موقع TR724.com الإخباري الضوءَ على انتهاكات السفراء الأتراك حول العالم للقوانين والأعراف الدولية من خلال التفريق في المعاملة بين المواطنين الأتراك في الخارج وتقديم خدماتهم لمن يشاءوون دون غيرهم.
وقال: “يبدو أن نظام أردوغان بدأ يتَّخذ نظام حزب البعث في سوريا ونظام الملا في إيران، أسوة وقدوة له، في التعامل مع المعارضين والمنتقدين له في الخارج بطريقة عنصرية من خلال التفريق بين مواطنيهم في الخارج، والتعنت في التعامل معهم في تقديم الخدمات القنصلية التي تتصف بالروتينية عامة، إذ أنهم يقدمون خدماتهم لمن يشاءوون دون غيرهم، وبذلك يرتكبون انتهاكاتٍ للقوانين والأعراف وكذلك للمعاهدات الدولية التي وقعوا عليها.
بدأ سفراء تركيا يقدمون خدماتهم القنصلية مثل: إصدار جوازات السفر، وتجديدها، وإصدار بطاقة الهوية أو شهادة الميلاد، أو التوثيق، إلى المواطنين الموالين للحكومة، والتي تراهم مؤيدين لها، وتتعنت في تقديم تلك الخدمات إلى المواطنين المعارضين والمنتقدين لسياسات الحكومة. الأمر الذي لا يعد انتهاكًا للقوانين والدستور التركي فقط؛ وإنما انتهاكًا للاتفاقيات والمعاهدات الدولية الملزمة لتركيا والتي تحمل الأهمية نفسها كالدستور. ولم تقتصر هذه الإجراءات التعسفية على دولة بعينها وإنما تتوالى الشكاوى من العديد من الدول بشكلٍ مطرد، ولكنها تختلف من قنصلية أو سفارة إلى أخرى.
وبحسب الوقائع التي تم تسجيلها في تقرير مفصل عن الإجراءات التعسفية للسفارات والقنصليات التركية ضد المعارضين الأتراك في الخارج، فإنها تنوعت بين مصادرة جوازات السفر، والتعنت في التجديد، أو الإبطال أو التوثيق أو رفض تسجيل المواليد، لأسبابٍ وحجج واهية. في بعض القنصليات يفضِّل العاملون فيها التحجّج بمكشلات تقنية في نظام الشبكات المستخدم لتجنب تقديم الخدمات، بينما يقولها بعض العاملين في سفارات أخرى صراحة، أنهم لن يقدموا لهم هذه الخدمات القنصلية.
وتوضح مصادر مطلعة أن الحجج والادعاءات قد تختلف إلا أن حقيقتها واحدة وهي وجود منشور سري مرسل إلى السفارات والقنصليات، مدعومًا بتعليمات شفهية واضحة، تؤكد على عدم استفادة أي فرد من أفراد المعارضة من هذه الخدمات بأي شكلٍ من الأشكال.
انتهاك صريح للاتفاقيات الدولية:
هذه الإجراءات التعسفية التي تشرع فيها السفارات والقنصليات التركية تعتبر انتهاكًا صريحًا لأحكام المادة الخامسة من اتفاقية فيينا الخاصة بالعلاقات القنصلية بتاريخ 1963، الموقع عليها من قبل تركيا. تنص هذه المادة في بنودها (ه)، و(و)، و(ز) على أن القنصليات والبعثات الدبلوماسية مسؤولة عن تنظيم الإجراءات الخاصة بجوازات السفر والوثائق الخاصة بالسفر المتعلقة بمواطنيها، وكذلك مساعدة الشخصيات الحقيقية والاعتبارية، وخدمات التوثيق.
وكذلك تعتبر انتهاكًا لبعض مواد “الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم” الخاصة بمنظمة الأمم المتحدة لعام 1990، من خلال إجراءاتها الظالمة والعنصرية. وبموافقة البرلمان التركي على هذه الاتفاقية عام 2004، أصبحت جزءًا من القوانين الداخلية، مسؤولة عن تقديم الخدمات لصالح المواطنين الأتراك في الخارج. والجانب الأهم من هذه الاتفاقية هو مراقبة الأمم المتحدة لكيفية التطبيق من قبل الحكومة التركية في أنقرة، وإعدادها تقارير حول ذلك. وتقوم لجنة العمالة المهاجرة التابعة لمفوضية حقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة في جنيف، بمتابعة سبل تطبيق الاتفاقية، والانتهاكات والشكاوى.
وآخر هذه التقارير وأبرزها، الصادر في 31 مايو/ أيار 2016، والذي يشير إلى وجود تقصير وانتهاكات متعددة من قبل الحكومة التركية في عدة مجالات.
إلا أن الحكومة التركية، أصرَّت على إنكار سياساتها، في ردها على الأسئلة المكتوبة التي أرسلت إليها في 8 أبريل/ نيسان 2016، قائلة “إن المواطنين الأتراك المقينين في الخارج سواء عاملين أو مستثمرين، أو حتى لاجئين، يحصلون على خدماتهم القنصلية من توثيق وتجديد جوازات السفر وجميع الخدمات بشكلٍ طبيعي في القنصليات والسفارات، دون النظر إلى الحالة المدنية لهم”.
لم يكف لإقناع الأمم المتحدة
تحاول حكومة أردوغان بذلك التستر على سياساتها وإجراءاتها التعسفية، وانتهاكاتها غير القانونية لحقوق المواطنين، من خلال محاولة إيهام الرأي العام العالمي والأمم المتحدة أنها تقدم خدماتها القنصلية لجميع مواطنيها في الخارج دون التمييز بينهم لأسباب سياسية أو أيديولوجية.
إلا أن إجابات الحكومة التركية لم تكن مقنعة بالنسبة للأمم المتحدة، فقررت الاجتماع في 15 أبريل/ نيسان 2016، برئاسة المستشار السابق لوزير الخارجية الفلبيني جوس س. برليانتش، واستمعت للسفير التركي لدى الأمم المتحدة محمد فاردان جاركتشي، وجهًا لوجه.
حاول السفير التركي الدائم لدى الأمم المتحدة محمد فاردان جاركتشي إقناع خبراء الأمم المتحدة من خلال إجاباته الشفهية أيضًا، زاعمًا أن الحكومة التركية تصب اهتمامها على مشكلات وأوضاع مواطنيها في الخارج عن قرب. نشرت الأمم المتحدة تقريرها النهائي بعد أسبوعين من الاجتماع، موضحة عدم كفاية المعلومات التي حصلت عليها من الحكومة التركية، وأنها طلبت منها المزيد من المعلومات حول القنصليات والسفارات التركية في الخارج. وطالبت الحكومة بتقديم إحصائية بالمساعدات التي قدمتها لمواطنيها بالأمثلة على كل واقعة. وهنا تظهر فضيحة الظلم الواقع على المواطنين الأتراك في الخارج وتعرضهم للإجراءات التعسفية والسياسات العنصرية. إذ طلبت الأمم المتحدة، من المواطنين الذين تعرضوا للظلم بإرسال ما حدث معهم بالتفصيل، إبلاغ لجنة العمالة المهاجرة ومفوضية حقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة، مشيرة إلى أنها تتلقى الطلبات والشكاوى في مركزها الرئيسي في مدينة جنيف ومن قبل ممثليها في الدول المختلفة.
فضلًا عن كل هذه الانتهاكات والمخالفات التي ترتكبها تركيا في القوانين والاتفاقيات الدولية يضاف لها أيضًا انتهاكاتها ضد المرأة والأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة؛ على سبيل المثال الإخلال ببنود ومواد اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، بالإضافة إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل. وبالإضافة إلى كل ذلك الاتفاقيات الخاصة بالعنصرية والتمييز، والاتفاقيات التي وقعت عليها تركيا بموجب عضويتها الكاملة في المجلس الأوروبي، نجد أنه من غير الممكن وصف تركيا بالدولة الديمقراطية.
كواليس قرارات إسقاط الجنسية
لذلك أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قرارا بإمكانية إسقاط الجنسية عن معارضيه ضمن أحد المراسيم الصادرة بموجب قانون الطوارئ، إمَّا لتخويف وترهيب معارضيه وكل من يفكر الوقوف أمامه، أو للمتلّص من المشكلات التي تظهر أمامه.
يعتبر قرار إسقاط الجنسية من الأمور المثيرة بالنسبة للقانون الدولي، فضلًا عن أنه يفتح الباب أمام المزيد من التعقيدات التي تفتح موجة كبيرة من الانتقادات ضد تركيا. وعلى كل حال، فإن تركيا يبدو وكأن الضغط الذي تتعرض له من قبل المجتمع الدولي، سيستمر ما دامت مستمرة في سياساتها البعيدة عن سيادة القانون ومبادئ الديمقراطية.
وبحسب رأيّي فإن أكثر المنزعجين من ذلك هم هؤلاء الدبلوماسيون الأتراك والعاملون ضمن البعثات الدبلوماسية التركية، الذين يعانون من التعصب والعمى الأيديولوجي. فإقدام أردوغان على فصل ما يقرب من 500 من العاملين في وزارة الخارجية التركية دون الاستناد لنتائج تحقيقات وكذلك اعتقال السفراء الذين عملوا مستشارين لرئيس الجمهورية أو رؤساء الوزراء دون وجود قرار من النيابة العامة أو من المحكمة، يكشف أنه يخّوفهم ويرهبهم حتى لا يفكروا في معارضته. ولا يبقى لديهم حيلة إلا الصمت والمشاهدة فقط، عاجزين حتى عن فعل ما يفعله زملائهم في البعثات الخارجية من الاعتراض ونيل شرف وشجاعة الاستقالة. سيذكر التاريخ هذه الفترة في التاريخ الدبلوماسي على أنها اختبار للدبلوماسيين كغيرهم ممن عاصروا هذه الفترة.
وفي النهاية اعتقد أن هذه النقطة هي نهاية حكاية النجاح التركي، وكذلك الدبلوماسيين الأتراك الذين كنا نفتخر بهم وبمواقفهم في السابق.