أنقرة (الزمان التركية) – عاش الجميع صدمة أثناء حديث سيد غولن نجل شقيق الداعية فتح الله غولن عن التعذيب الذي تعرض له داخل مديرية الأمن على مدار ثلاثين يوما وتهديده باغتصاب زوجته في حال تجنبه التوقيع على الإفادة التي وضعوها أمامه حتى إن الرجال داخل قاعة المحاكمة عجزوا عن حبس دموعهم.
وتناول الكاتب الصحفي علي أمير بكّان هذه الحادثة اللاإنسانية التي تعرض لها نجل شقيق فتح الله غولن، ضمن آلاف الناس الذين تعرضوا للشيء ذاته، وأكد أن الدم تجمد في عروقه لما عرف ما حدث لغولن، واصفًا عمليات التعذيب والتهديد في ظل حكومة مدنية و”إسلاموية” بأنه اسوأ مما حدث في أثناء الانقلاب العسكري الرهيب عام 1971.
وفيما يلي الجزء المتعلق بالحادثة من المقال:
سيد غولن رفض الادعاءات القائمة بحقه خلال الجلسة الأولى وطالب بالإدلاء بإفادته مرة أخرى نظرًا لأن الإفادة السابقة أخذت منه تحت التعذيب والتهديد. كما أوضح المشتبه بهم الآخرون المتهمون بحصولهم على أسئلة امتحان اختيار الموظفين للخدمة العامة (KPSS) أكدوا أيضا أنه تم الحصول على إفادتهم بالتعذيب.
كانت جلسة صادمة بشأن ما يحدث داخل السجون ومديريات الأمن في تركيا. عاد التعذيب مرة أخرى وباتت عجلة محاكم التفتيش تسحق آلاف الأبرياء. ما تحدث عنه سيد كولن والمشتبه بهم الآخرون الذين تم الحصول على إفادتهم بالتعذيب يشبه ما عايشه إلهان سلجوق داخل فيلا زفرباي – مقر التعذيب عقب الانقلاب العسكري في الثاني عشر من مارس/آذار عام 1971.
في عام 1971 تقدم العسكر بمذكرة تم على أثرها إسقاط حكومة العدالة وتم تشكيل حكومة نظام انتقالي في ظل رئاسة نهاد أريم. كما تم إعلان الأحكام العرفية وانطلقت حملات أمنية استهدفت الحركات اليمينية واليسارية وشملت حالات الاعتقال جميع أرجاء البلاد والعديد من المؤسسات.
في أحد الأيام قُرع باب منزل الصحفي إلهان سلجوق وكان الكاتب متهما بالمشاركة في المجلس العسكري لانقلاب التاسع من مارس/آذار. ونحج الاستخباراتي السابق ماهر كايناك في التسلل داخل هذا المجلس العسكري (الذي كشفه جهاز المخابرات فيما بعد) وحصل على الكثير من المعلومات. وتبين أن مجموعة بقيادة جمال ماندل أوغلو كانت تخطط لانقلاب.
سلجوق أيضا كان متهما بالمشاركة في المجلس العسكري لكن لم يكن هناك دليل مادي على هذا. تم الزج بـ”سلجوق” في سيارة ما وتم اصطحابه إلى فيلا زفراباي معصوب العينين. وخلال الأحكام العرفية تم مد فترة الاحتجاز إلى 30 يوما. تم استجوابه على مدار 30 يوما بالليل والنهار وتعرض خلالها للتعذيب. كما كان يتم سؤاله عن كتاباته في صحيفة حريت.
يروى سلجوق ذلك الرعب والساعات الصادمة في كتابه بعنوان “فيلا زفرباي” قائلا: “لم أكن أرى أي شئ نظرا لأنهم وضعوا غمامة على عيني. تم إدخال آلة في دعامات قدمي. كنت أشعر أنه يتم سحقي جسديا ومعنويا. شعرت في لحظة أنني أصبحت عاجزا عن تحريك ساقي. لا أدرى ما إن كان ما يصبونه على مشط قدمي سائل أم زيت ثم بعدها بدأوا يضربونها بالعصا. كنت أعتقد أنني سأتحمل الألم. لكن الألم الناجم عن السوط لا يمكن قياسه بأي ألم آخر. هناك جانب معنوي للواقعة يفوق الألم الجسدي. ترى الأمر وكأنه تحقير لك”. (فيلا زفرباي، دار نشر شاغداي، 1987)
سلجوق كان يخشي أن يشتد التعذيب ويتم قتله. فوردت على باله فكرة وقرر أن يُدلي بإفادته كتابية وبناء عليه طلب ورقة وقلمًا.
“أدليت بإفادتي تحت وطأة التعذيب”
في بعض القصائد يقوم الشعراء بتشكيل كلمات ذات معنى من الحروف الأولى لكل مصراع ويُطلق على هذا الأمر في الأدب “تتويج”. والكاتب سلجوق كان سيشرح الحقيقة داخل إفادته في صورة تتويج. لكن من الممكن أن يلاحظوا اشتقاق كلمات بالحروف الأولى لكل جملة لهذا لجأ إلى أسلوب آخر وهو التتويج باستخدام الحرف الأولى لثاني كلمة من نهاية كل مصراع.
كتب إفادة طويلة واقتنع من قاموا باستجوابه بالأجوبة التي حصلوا عليها. وعقب انتهاء ثلاثين يوما عُرض على محكمة عسكرية حيث رفض خلال الجلسة الأولى جميع الادعاءات، معلنا إدلائه بإفادته تحت وطأة التعذيب. وخلال التتويج الذي أوجده داخل إفادته كانت تُقرأ عبارة “أنا أتعرض للتعذيب”.
قرأ القاضي كلمتي “التعذيب” و”الضغط” وعقب استراحة قصيرة قضى بإخلاء سبيله. وبعد فترة تم تبرئته كما نشر سلجوق محاضر إفادته في صحيفة “مترجم” بصورة مطوّلة. وكشف أيضا صيغة التتويج بصورة مفصّلة بعدما تم اتهامه بأنه “انقلابي” و”معترف” و”بأنه باع أصدقاءه وخانهم”.
وبعد مرور 46 عاما نشهد مرة أخرى اعتقالات في منتصف الليل وعدم تضمن مذكرة الاتهام أية أدلة سوى إفادات تم الحصول عليها تحت وطأة التعذيب. ويتم إصدار قرارات اعتقال توضح أن حتى المحاكم الانقلابية أكثر عدلا منها. ويتم استغلال هذه الإفادات بزعم أن المعتقلين اعترفوا بالتهم الموجهة إليهم.
سيذكر التاريخ أن ما يحدث الآن أسوأ من انقلاب الثاني عشر من مارس/آذار وانقلاب الثاني عشر من سبتمبر/ آيلول.