أنقرة (الزمان التركية) قدَّم الكاتب الصحفي المخضرم، أرمان يالاظ، تحليلًا مفصلًا، على موقع “Tr724.com” الإخباري التركي، حول سر توجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للمملكة العربية السعودية وأداء مناسك العمرة، وكذلك استخدامه للمصطلحات والخطابات الدينية، قبيل الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي تحول البلاد إلى النظام الرئاسي.
وندرج أدناه المقال كاملاً:
إن مصطلح “ممارسة السياسة” يحمل معنيين في لغتنا، الأول حل أمر ما بطريقة سياسية، ومزاولة العمل السياسي، أمَّا المعنى الثاني وهو المستخدم بين عامة الشعب فهو تظاهر المرء بخلاف ما عليه في الحقيقة وحديثه بعكس ما يكنَّهُ في صدره.
وكان رئيس الوزراء السابق نجم الدين أربكان، يطلق صفة “ممارسة التقية” على من يمارسون تلك السياسة بمعناها الثاني، وعند تسليطنا الضوء على زيارة الرئيس أردوغان والوفد المرافق له إلى المدينة المنورة ومكة المكرمة خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، نجد أن كلمة السياسة بمعنى التقية هي أفضل كلمة تلخص المشهد.
قصب السبق لأردوغان في هذا المجال!
بدأت على الفور الصحف ووسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية لأردوغان في نشر صور أردوغان أثناء أداء مناسك العمرة، وخلفه رئيس أركان الجيش خلوصي أكار ورئيس جهاز الاستخبارات هاكان فيدان وصهره وزير الطاقة برات ألبيراق ومجموعة من الوزراء والنواب، ليكون بذلك قد أطلق صافرة البداية لانطلاق الاستفتاء في البلاد من خلال هذه الصور، لم تكن هذه الصور الأخيرة من نوعها، وكذلك لن تكون العمرة هي الأدوات المقدسة التي يستخدمها أردوغان في لعبته السياسية. في السباق كان الرئيس التاسع سليمان ديميريل يتعرض لانتقادات واسعة من التيار المحافظ، بسبب استخدامه للمصطلحات الدينية في خطاباته وسياساته.
حتى إن أربكان أيضًا تعرض لانتقادات واسعة عندما ذهب لأداء مناسك الحج والعمرة إبان فترة رئاسته للحكومة، أمَّا الرئيس تورجوت أوزال فقد كان سياسيا ينأى بنفسه عن مثل هذه الممارسات والدعايات؛ فقد كان يصلي الصلوات الخمس في إحدى الزوايا ولكنه لم يثر هالة إعلامية وصحفية حول نفسه، حتى إنه كان يصلي الجمعة في مساجد العامة في العاصمة أنقرة، ولا يروج لهذا على أنه دعاية سياسية، ولا يستثمر ذلك من أجل مكاسب سياسية.
إلا أن الرئيس رجب طيب أردوغان تمكن من أن يسجل اسمه في صفحات التاريخ على أنه أكثر الشخصيات السياسية التركية استغلالًا للشعارات والرموز الدينية كأداة في السياسة، حتى إن بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي، عندما صدموا بصور أردوغان والوفد المرافق له أثناء أداء مناسك العمرة خلال زيارته للمملكة العربية السعودية، وضعوا صورة الرئيس الأسبق كنعان أفرين أثناء أدائه مناسك العمرة أيضًا قبيل استفتاء 1981، وقارنوا بين كليهما.
ولكن أفرين لم تقتصر دعايته المتأسلمة على العمرة فقط، ولكنه كان يستخدم الأحاديث والآيات القرآنية في خطاباته الجماهيرية.
أداء العمرة للحصول على الدعم لا رضا الله تعالى
لم تكن هذه المرة الأولى التي يستخدم فيها أردوغان العمرة وزيارة بيت الله الحرام كأداة ضمن ألاعيبه السياسية، إذ خرج أردوغان لأداء العمرة مرتين قبل ذلك خلال عام 2015، الأولى مارس 2015، أي قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 7 يونيو من العام نفسه، أمَّا الثانية فقد كانت خلال شهر ديسمبر 2015 أي قبل وضع المجلس الأعلى للانتخابات الأجندة الخاصة بالاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية، كما يجدر الإشارة إلى العمرة التي أجراها أردوغان كذلك خلال عامي 2011 و2014.
وكان من المثير في مقاطع الفيديو التي نشرت عن عمرة أردوغان قبل أيام، وجود أصوات لم تخشع للرحمن في بيت الله الحرام حيث نادت قائلة “يا رئيس، يا رئيس”؛ أمَّا عمرة عام 2015 فقد نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية تحت عنوان “أبواب الكعبة فتحت في وجه أردوغان”.
مؤتمر جماهيري لأحمد داود أوغلو في حرم الكعبة!
كان رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، الاسم الوحيد الذي ينافس أردوغان في سباق العمرة؛ فالتاريخ يشهد على تحيته لجماهيره من الطابق الثاني في الحرم الشريف، وكأنه يخطب في مؤتمر جماهيري، فضلًا عن الشعارات التي رفعت داخل الحرم الشريف، والتي تسببت في موجة كبيرة من الانتقادات، وتعالت الأصوات ليس في تركيا فقط، وإنما في العالم العربي والعالم الإسلامي، مؤكدة أن هذه الخطوة خاطئة تمامًا.
وبهذا يمكننا تلخيص برامج أردوغان الانتخابية في كل مرة في: الحجاب، والشهداء، والعمرة، وتلاوة القرآن الكريم، والقرآن الكريم باللغة الكردية، ورفع الأذان، والنشيد الوطني، والعلم التركي، ومدارس الأئمة والخطباء، وسفينة المساعدات مافي مرمرة، وإشارة رابعة، والقدس، والقدس المحتلة، وفلسطين، ورسائل النور، وأشعار الشاعر الوطني محمد عاطف أرصوي ونجيب فاضل كيصا كوراك، وبناء جامعين في ميدان تقسيم تشامليجا تبه، وغيرها جميعها قضايا شائكة استغلها أردوغان من أجل تحقيق مكاسب انتخابية وسياسية، ويستمر في استخدامها على النهج نفسه.
أكذوبة الاعتداء على سيدة محجبة في منطقة كاباتاش
ظهرت واقعة الاعتداء على سيدة محجبة وروج لها في الإعلام والصحف الموالية لحزب العدالة والتنمية، خاصة أنها كانت في أعقاب أحداث منتزه جيزي الشهيرة التي أشعلت الأجواء في تركيا، وعرفت إعلاميًا باسم “واقعة كاباتاش”، أول من أجج وأشعل الواقعة بخطاباته وأحاديثه كان أردوغان وحزب العدالة والتنمية قبل أن يتضح أنها مجرد فبركة من قبل الإعلام الموالي له ولحزبه، من أجل تعبئة الرأي العام وإظهار الرافضين لهدم منتزه جيزي بميدان تقسيم على أنهم “خونة الوطن”.
الشهداء وعلم الدولة التركية
حتى الشهداء لم يسلموا من ألاعيب أردوغان السياسية وكانوا مضغة في فمه على الساحة السياسية عامة، وفي الانتخابات خاصة، فقد استغل الحوادث الإرهابية التي أدت إلى سقوط شهداء في الاشتباكات مع التنظيمات الإرهابية، بعد أن تحول 180 درجة في تعامله مع الأزمة الكردية وإفساد عملية السلام قبل أغسطس 2014، بالإضافة إلى خطابه السياسي الشهير، الذي ألقاه واضعًا يده على جثمان شهيد الشرطة في مدينة طرابزون المكفَّن بعلم الدولة التركية، وكذلك زيارته لأسرة الشهيد النائب العام سليم كيراز وعدد من الشهداء الآخرين وتلاوة القرآن الكريم أمام أسرهم ووسائل الإعلام.
استغلال القرآن باللغة الكردية وتأميم رسائل النور
كما أن أردوغان ظهر قبيل الاستحقاقات الانتخابية ماسكًا في يده بعضًا من كتب التفسير والقرآن الكريم، إذ ظهر خلال مؤتمراته الجماهيرية في مايو 2015 بمدن دياربكر وباتمان وسعيرت وماردين (المدن ذات الأغلبية الكردية) وفي يده تفسير للقرآن الكريم باللغة الكردية للمرة الأولى، ليكون مجرد وسيلة ودعاية لحصد الأصوات الكردية في الانتخابات البرلمانية في 7 يونيو.
وكذلك استخدم مؤلفات رسائل النور للعلامة بديع الزمان سعيد النورسي كدعاية انتخابية لنفسه، معلنًا أنه سيتم طبعها وتوزيعها في مؤسسات الدولة، وحظر طبعها على دور النشر المقربة سواء من حركة الخدمة أو من جماعة النور، حتى أنه وصل به الأمر إلى سلب الورثة الرسميين للأستاذ بديع الزمان النورسي حقوق التأليف المشروعة لهم.
وقد تسببت واقعة ظهور أردوغان بنسخة من القرآن الكريم باللغة الكردية في دعايته الانتخابية، في انتقادات واسعة من قبل سياسيين وأكاديميين. فقال تارخان أردام، الخبير في العلوم السياسية: “لم يسبق لي أن رأيت أحدًا يجرؤ على هذه الخطوة، حتى أربكان نفسه”.
كما قالت نائبة حزب الشعوب الديمقراطية، هدى كايا: “لا يمكن ممارسة السياسة عن طريق عمل دعاية باستخدام القرآن الكريم، لا يجب أن تكون الدولة أو حتى أي قائد محتاجًا لفعل ذلك، فسيدنا علي رضي الله عنه يقول: إن دين الدولة العدل، فلننظر اليوم إلى الدولة التركية هل تتمتع بالعدل أم لا؟”.