أنقرة (الزمان التركية) بات للجميع واضحا أن هناك صداما بين تركيا وألمانيا، بعد سلسلة طويلة من التراشق السياسي والدبلوماسي بل والاستخباراتي أيضا، فبعد أن ألغت السلطات الأمنية الألمانية المهرجان الانتخابي الخاص بوزراء الحكومة التركية وقت أن كانوا في طريقهم لألمانيا للترويج للنظام الرئاسي، تفجر الخلاف بين البلدين مجددا، ولكن في تلك المرة كان قد ظهر الخلاف على سطح الأحداث، ومانشيتات الصحف والجرائد بكلا البلدين، وهنا كان يجب علينا أن نتوقف قليلا، ونتأمل بداية الصدام بين برلين وأنقرة ونعرف أسبابه كي نعرف إلى أي محطة سيصل الخلاف بينهم.
فعلى مدار عام كامل كان هنا 12 صداما بين برلين وأنقرة، أي بعدد أشهر العام، وكانت كالأتي.
أولا: نشر قناة “أن دي أر” الألمانية بأحد برامجها الكوميدية فيديو مسيئا لشخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مما أجبر أنقرة على استدعاء السفير الألماني ببلادها، للتعبير عن غضبها من تلك التصرفات.
ثانيا: سبب حضور السفير الألماني بتركيا لجلسة محاكمة الصحفي المعارض، ورئيس تحرير جريدة جمهوريت جان دوندار يوم 25 مارس الماضي، الكثير من الغضب للنظام التركي، حتى علقت الحكومة التركية وقتها بأن مثل تلك الواقعة تعد انتهاكا لمصلحة الامن بالبلاد، قبل أن يعلق أردوغان نفسه موجها كلامه للسفير الألماني قائلا: “تلك بلدنا وليست بلدك، ولبلدنا قانون يجب احترامه، ولأي تحرك خارج حدودك الدبلوماسية يجب استئذان السلطات الأمنية المختصة”، وبعدها تكرر استدعاء أنقرة للسفير الألماني مرة أخرى.
ثالثا: جاء الرد الألماني سريعا على أردوغان بعد النقطة السابقة، بهروب الصحفي جان دوندار الذي أصدرت المحكمة التركية عليه حكما بالسجن 5 سنوات و10 أشهر إلى برلين بمايو الماضي، وبعد وصول دوندار إلى برلين، أرسل الرئيس الألماني يواخيم غاوك دعوة لدوندار للاجتماع به، قبل أن يمنح دوندار فرصة للحديث عما يدور من أفعال استبدادية من قبل النظام التركي، وقبل أن يتولى إدارة أحد المواقع الإخبارية الألمانية.
رابعا: تصويت البرلمان الألماني في الأول من يونيو الماضي على اعتبار جرائم العثمانيين ضد الأرمن “إبادة جماعية”، وليس إبادة بحق الأرمن فقط، بل بحق كافة الأقليات المسيحية التي كانت مقيمة تحت لواء السلطة العثمانية وقتها، وبعدها اتجهت أنقرة للخطوة المعتادة، ألا وهى استدعاء السفير الألماني، ولكن لعدم تواجده وقتها فتم استدعاء القنصل.
خامسا: جاء الرد من تركيا على البرلمان الألماني برفض أنقرة لطلب زيارة ظباط من الجيش الألماني إلى قاعدة إنجيرليك العسكرية، قبل أن تتدخل وزيرة الدفاع الألمانية أورسولا فون دار لتخفيف التوتر.
سادسا: بعد محاولة الانقلاب بمنتصف تموز الماضي، سعى الرئيس التركي جاهدا للرد على الحكومات الغربية التي تخلت عنه كما يزعم، وكان في مقدمة هولاء ألمانيا، وهنا تحركت بعض الجمعيات التركية لعمل مهرجان داعم للحزب الحاكم بين أبناء الجالية التركية في ألمانيا بنهاية يوليو الماضي، والاتفاق على أن يوجه الرئيس التركي حديثا عبر الهاتف لأبناء الجالية التركية المحتشدة، إلا أن السلطات الأمنية بألمانيا رفضت تنفيذ ذلك، بالرغم من إصدار المحكمة الألمانية الدستورية قرارا بمنح أردوغان إذنا للحديث مع المواطنين عبر الهاتف، وهنا استدعت أنقرة مجددا السفير الألماني كي تعرب عن غضبها.
سابعا: طالبت تركيا السلطات الأمنية ببرلين بتسليم بعض العناصر التابعة لحركة الخدمة، قبل أن تتهمها الحكومة التركية، بصلة تلك العناصر بالمحاولة الانقلابية (كما زعمت الحكومة التركية) ولكن برلين رفضت تنفيذ طلب الحكومة التركية.
ثامنا: دخول برلين على خط الأحداث الداخلي بتركيا بعد إدانتها لاعتقال نواب من حزب الشعوب الديمقراطي، حتى أن برلين استدعت السفير التركي لديها.
تاسعا: إيقاف النائبة عن حزب العدالة والتنمية ورئيسة الكتلة البرلمانية للحزب عائشة نور باهتشا كابيلي في مطار كولن الألماني لساعات طويلة ببداية ديسمبر الماضي، لعدم وجود ختم دخول على جواز سفرها، الأمر الذي جعل أردوغان يطالب سلطات بلاده بالتعامل بالمثل قبل أن تستدعي أنقرة السفير الألماني مجددا.
عاشرا: صدور قرار من الاستخبارات الألمانية باعتقال عدد من الأئمة الأتراك التابعين لرئاسة الشؤون الدينية التركية التي تعمل داخل الأراضي الألمانية، بعد أن تم الكشف عن نشاطهم التجسسي، وقيامهم بحصر أسماء الأتراك التابعيين لحركة الخدمة والمقيمين داخل ألمانيا.
الحادي عشر: اعتقال السلطات التركية المراسل الصحفي الألماني من أصل تركي والذي يعمل بصحيفة دي فيليت الألمانية، حتى استدعت برلين السفير التركي ببلادها علي كمال أيدين لتسجيل أعتراضها.
الثاني عشر: وأخيرا وليس أخرا ما قامت به برلين من منع وزراء أتراك للترويج للنظام الرئاسي داخل ألمانيا، قبل أن يتجه كل من وزيري خارجية البلدين لمحاولة تلطيف الأجواء المشحونة بينهم.
تركيا، ألمانيا، علاقات، صدام
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بقضايا الشرق الاوسط