القاهرة ( الزمان التركية ) ألقى الباحث المصري والمحلل السياسي بشؤون الشرق الأوسط فادى عيد، الضوء على الدلالات التي تكمن وراء التصريحات الأخيرة التي أطلقها الرئيس اللبناني العماد ميشال، ولفت إلى تداعيات الخلافات العربية العربية، على المنطقة .. وإلى نص التحليل.
بعد أن صرح قبل زيارته للقاهرة قائلا: “سلاح المقاومة جزء أساسي من الدفاع عن لبنان، وتدخل حزب الله في سوريا جاء بعد أن تدخل الإرهاب في لبنان”، اليوم يطلق الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أول إنذار لدولة الاحتلال قائلا: ” أي اعتداء إسرائيلي على لبنان سيلقى الرد المناسب، وأن زمن الاعتداء وخرق السيادة قد ولى”، وإذا كانت الجملة الثانية بنهايتها ذكّرت تل أبيب بتصريحات الأمين العام لحزب الله بعد حرب تموز 2006 (زمن الهزائم قد ولى)، فتصريح العماد جاء متطابقا في التوجه والرؤية مع تصريحات حسن نصر الله الأخيرة التي هدد فيها بقصف مفاعل ديمونة، فتهديدات نصر الله جاءت متشابهة تماما في المضمون من تصريحاته بالعام الماضي، والذي طالت فيه التهديدات خزانات الأمونيا بحيفا، وهنا وبعد تلك التصريحات كان يجب علينا أن نتوقف قليلا ونقرأ ما يدور بلبنان سواء بجنوبه أو بقصر بعبدا، فبتأكيد تلك التصريحات من العماد أو نصر الله لم تصدر صدفه أو دون قصد.
فتهديدات حزب الله بضرب خزانات الأمونيا منذ عام أجلت حرب كانت ستشنها إسرائيل على جنوب لبنان، بعد أن حاولت استغلال انخراط حزب الله في الحرب السورية واستنزافه فيها، والتصريحات الحالية من العماد ونصر الله تؤكد بأن إسرائيل التي استطاعت أن تكون هي المتحكم الفعلي لدونالد ترامب في سياسته الخارجية، بعد أن استطاعت تحويل أنظار العالم عن القضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب بالمنطقة إلى محاربة إيران عبر محور تقوده إسرائيل، وهو الأمر الذي سار في فلكه أردوغان خلال جولته الخليجية بالسعودية وقطر والبحرين، بعد الاستدارة من موسكو لواشنطن، والتي جاءت بعدها زيارة روحاني للكويت وسلطنة عمان، فبرغم محاولات تخفيف التوتر بين طهران والرياض بالفترة الأخيرة، إلا أن الفرصة جاءت للرياض على طبق من ذهب للقضاء على إيران كما هو الحال لتل أبيب بعد تحكم إسرائيل في سياسات أمريكا الخارجية.
وإذا كانت أجواء الحرب أعدت منذ عام وتأجلت بفعل تصريحات نصر الله، فاليوم كل الظروف باتت متاحة وربما أكثر من السابق لشن إسرائيل لحرب ضد جنوب لبنان، خاصة بعد أن حذرت واشنطن رعاياها ببيروت من عدم التوجه نحو جنوب لبنان، ولم يكن حزب الله متأخرا في قراءة تلك المشاهد سواء سابقا أو حاليا، وهو أمر يفسر لنا لماذا سعى حزب الله بكل قوة للتخلص من النازحين السوريين بعرسال قبل أن يكون عبئا إضافيا عليه في حالة نشوب حرب بالجنوب مما ينتج عنه نازحين لبنانيين.
لذلك لم يتردد العماد ميشال عون في إنذار إسرائيل، وحسن نصر الله في كشف ورقة جديدة للضرب بها غير خزانات الأمونيا وهى مفاعل ديمونة، ولا ننسى أن بالفترة الماضية سحب الحزب بعض القيادات من سوريا إلى حدود لبنان الجنوبية، قبل أن يقوم الحزب بفصل العمليات العسكرية بين سوريا ولبنان.
وبسبب كل ما ذكرت أرجح أن تكون زيارة العماد ميشيل عون الخارجية القادمة قد تكون لطهران.
حقيقة الأمر أن إسرائيل وجدت فرصة سانحة لتحقيق أطماعها في باقي فلسطين وغور الأردن وهضبة الجولان، وقبل كل ذلك تلجيم إيران، أما الأمر مع المملكة السعودية فتغير بعض الشيء بعد التوتر مع مصر، فلم تعود طهران هي المعضلة الأولى أمام الرياض، وبات أي فشل للسعودية بالملف العراقي أو السوري أو اللبناني (لا تسمح الرياض بأن تدخل دولة عربية بتلك الملفات الثلاث دون علمها) هزيمة أمام مصر وليس أمام إيران، ولذلك لم أتعجب عندما رأيت الرئيس السوداني عمر البشير يدعي أن حلايب وشلاتين سودانية من الرياض، أو أن السعودية تعود من جديد للملف الليبي من بوابة الجزائر نكاية في مصر، بعد ما كان لبندر بن سلطان مدير الاستخبارات السعودية الأسبق الفضل الكبير في تدمير الدولة الليبية وفتح أبوابها أمام مقاتلات الناتو، قبل أن يقوم بتحييد الصين عن القذافي، حتى جاءت التهديدات علنية ومباشرة من مدير الاستخبارات السعودية العامة الحالي خالد بن علي الحميدان ضد مصر والأردن، فما دار برؤوس الأشقاء بالسعودية بعد انهيار العراق واستنزاف سوريا وما مرت به مصر من 2011 حتى 2013 والأزمات التي تعصف بالأردن حاليا جعل السعودية تحلم بالزعامة العربية المطلقة، ولكن شيئا فشيئا تحول الحلم لكابوس، ونحن لسنا ضد طموحات أحد خاصة لو كان الهدف هو الزعامة الوهمية عفوا العربية.
المشهد بالعالم كله وليس بمنطقتنا فقط بات ملئ بالأحداث الهامة التي لا نستطيع إغفالها، فخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كدولة كي تعود للعالم كإمبراطورية، وسعى ترامب لإضعاف أوروبا، والاستدارة التركية نحو واشنطن، مما يعنى وضع الآستانة بنفس تابوت جنيف، ثم عودة ضخ الدعم للمليشيات المسلحة بسوريا، وتحضير إصدار شهادة ميلاد الدولة الكردية عبر المناطق الآمنة والدستور الروسي، ووضع شمال سوريا بعد استقباله لاعب جديد كدولة الإمارات المنافسة والحليفة في نفس الوقت للسعودية في كلا من سوريا واليمن، وعودة الحرب اليمنية مجددا لذروتها سياسيا وعسكريا، ثم أخيرا وليس أخرا تصدر أشخاصا كيحيي السنوار، وروحي مشتهي وخليل الحية حركة حماس في ذلك التوقيت، بالتزامن مع ما وصل له حزب الله، في ضوء استعداد إسرائيل لشن حرب شمالا جنوب لبنان) وجنوبا (قطاع غزة)، فكل تلك المشاهد وأكثر تضعنا أمام عالم ينتظر ما لم يراه من قبل.