إسطنبول (الزمان التركية) – تقرير: محمد عبيد الله – قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحاته للصحفيين خلال رحلة عودته من جولته الأفريقية التي شملت كلا من تنزانيا وموزمبيق ومدغشقر فجر الجمعة أن الإدارة السياسية في تركيا لا ترغب في الدخول أكثر في العمق السوري بعد مدينة “الباب” خلال عملية درع الفرات.
وجاءت هذه التصريحات متناقضة تماما مع التصريحات السابقة لأردوغان في 27 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، التي أكد فيها أن القوات التركية المشاركة في عملية درع الفرات في مدينة الباب في شمال سوريا، ستتجه بعد الباب إلى منتج ثم الرقة حتى إنه قال ذلك للرئيس الأمريكي باراك أوباما في ذلك الوقت، مؤكدًا له أن القوات التركية ستنجح في المهمة دون الحاجة إلى حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي “PYD”.
ولكن ما الذي حدث حتى غيَّر أردوغان خطته بشأن عملية درع الفرات، في مثل هذه الفترة القصيرة، وإعلانه اقتصارها على مدينة الباب فقط؟
كشف الكاتب الصحفي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، بصحيفة إندبندنت البريطانية “باتريك كوكبرن”، حقيقة ما يجري في عملية درع الفرات، قائلًا: “إن تركيا تدفع ثمنا باهضا لتدخلها في سوريا، إذ تتعرض لخسائر فادحة لم تكن متوقعة في مواجهتها أمام تنظيم داعش الإرهابي. فقد دخلت القوات التركية في حرب حقيقية مع قوات داعش للمرة الأولى من أجل السيطرة على مدينة “الباب” الواقعة في شمال شرق مدينة حلب، التي تتمتع بموقع استراتيجي بالرغم من صغر مساحتها. إلا أنها تعرضت لخسائر كبيرة في صفوف جنودها وأطقمها هناك”.
أردوغان يضغط على المكابح
عندما اندلعت الأحداث في سوريا قبل نحو 6 سنوات، تحدى وصرح عدد من مسؤولي حزب العدالة والتنمية الحاكم بأنهم سيصلون الظهر في حلب والعصر في الشام، كما صرَّح أردوغان بأنه سيصلي في الجامع الأموي وسيزور قبر صلاح الدين، إلا أنه ضغط على المكابح بشكلٍ صارخ خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
كان أردوغان يتحدث قبل ثلاثة أشهر إلى أهالي الشهداء وكأنه بطل مغوار يبيد من يقف أمامه قائلًا: “بعد الباب سندخل منبج ثم الرقَّة. وقلت لأوباما إننا لسنا في حاجة لتنظيمات إرهابية مثل الاتحاد الديمقراطي الكردي. لن نسمح بأن يتحول جبل “سنجار” – على الحدود بين سوريا والعراق – إلى جبل قنديل جديد”، في إشارة منه إلى أنه لن يسمح للاتحاد الديمقراطي الكردي بالاستفادة من فراغ السلطة في الشمال السوري وتحويله إلى منطقة تصدر إلى تركيا الإرهاب، مثلما حول حزب العمال الكردستاني المرتبط به حول جبال قنديل الواقعة في شمال العراق إلى معقل له لتنفيذ هجمات إرهابية ضد الأهداف التركية.
أمَّا اليوم فقد اصطدمَ أردوغان بحائط الواقع الأليم، وقال للصحفيين المواليين له خلال عودته من الجولة الأفريقية: “أتمنى أن تصل مباحثات جنيف ومحادثات أستانا بالنظام السوري إلى نقطة إيجابية. وبذلك تنتهي أزمة الباب. يجب علينا أن نقطع شوطًا كبيرًا خلال مدة قصيرة في الباب وينبغي أن نتجنب التوغل في العمق السوري أكثر من ذلك. فخطتنا تمشي على هذا المنوال. وهذا هو توجهنا الحالي” لافتا إلى أن القوات التركية ستجد نفسها في مواجهة قوات الجيش السوري كما حدث من قبل في جرابلس والراعي ودابق.
ما هي خطة أردوغان
بدأت القوات المسلحة التركية المشاركة في عملية درع الفرات في شمال سوريا تتعرض لخسائر كبيرة لم تكن بالحسبان، بسبب دخولها العشوائي غير المخطط من قبلُ، عقب تصفية أردوغان وحكومة حزب العدالة والتنمية للقادة العسكريين الذين وقفوا ضد مخططات أردوغان للتدخل العسكري في الحرب السورية من أجل طموحاته في تطبيق النظام الرئاسي بعد محاولة الانقلاب المسرحي الفاشل. لذلك تحولت عملية “درع الفرات” التي انطلقت لمواجهة تنظيم وحدات حماية الشعب الكردي “YPG” إلى عملية لمواجهة تنظيم داعش.
وعند النظر إلى تصريحات أردوغان نجد أنه على دراية تامة بأنه لن يستطيع السيطرة على “الباب” عن طريق قواته فقط، وأنه يتمنى أن يتم ذلك من خلال محادثات جنيف وأستانا.
ألم يقل بعظمة لسانه إنه قال للرئيس الأمريكي أوباما إنه قادر على السيطرة على الباب بمفرده دون الحاجة للمساعدة من أحد، وإنه سيتقدم باتجاه الرقَّة ومنبج؟ ما الذي حدث بدأ يشعر بالعجز في السيطرة على هذه المدن؟ وأصبح بين ليلة وضحاها ينتظر المدد من مباحثات جنيف وأستانا، مثلما ينتظر العون من قوات التحالف الدولي دائمًا؟
ماذا يدور وراء الستار؟
إن إرسال أردوغان إشارات قوية للرأي العام في الداخل التركي بأنه سيتخلى عن الرقة ومنبج وسيعود من سوريا، حتى خلال فترة الدعاية للنظام الرئاسي، يكشف مدى صحة الأخبار التي تدور حول ما تتعرض له القوات التركية في مدينة الباب السورية من خسائر فظيعة.