أنقرة (الزمان التركية): يبدو أن سياسة “لن تسقط ورقة في الشرق الأوسط بدون علمنا” في عهد وزير الخارجية التركي رئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو انتهى عمرها لتبدأ سياسة “تقليل الأعداء وزيادة الحلفاء” في ظل حكم رئيس الوزراء الحالي بن علي يلدرم.
فبعد توقيع اتفاقية مافي مرمرة والتطبيع مع إسرائيل، والبيان التوافقي بشأن سوريا مع كل من روسيا وإيران في موسكو، سيشكّل العراق الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة. فقد قررت تركيا فتح صفحة جديدة مع حكومة بغداد بعد التوترات الكبيرة التي شهدتها العلاقات بين البلدين في الآونة الأخيرة، وذلك لتأمين حدودها مع العراق وسوريا وإيران التي يبلغ طولها نحو 1700 كم. وكشف الستار عن الصفحة الجديدة مع العراق بزيارة يلدريم المرتقبة إلى بغداد.
تم الإعلان عن زيارة يلدرم المرتقبة إلى بغداد عقب انتهاء اجتماع مجلس الوزراء الذي عُقد في القصر الرئاسي برئاسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. ومن المنتظر أن يتوجّه يلدريم إلى بغداد في الفترة بين الخامس والسادس من الشهر الجاري، كما من المتوقع أن يجري زيارة إلى إقليم كردستان العراق الذي يسيطر على جزء كبير من الحدود العراقية التركية.
وتشكل زيارة يلدريم هذه الحلقة الأخيرة في الانتقال لسياسة “العلاقة بين دولتين” (بدلاً عن عقد علاقات مع المجموعات والفصائل التي تعيش في الدولة المعنية) مع دول الجيران التي تطبقها تركيا منذ عهد أتاتورك.
وفيما يلي عرض للخطوات التي اتخذها يلدريم منذ توليه منصب رئيس الوزراء في هذا الإطار:
التصالح مع إسرائيل
بدأ التوتر في العلاقات مع إسرائيل بالتزامن تولي داود أوغلو منصب وزير الخارجية. وأولت الحكومة التركية اهتمامًا أكبر لعلاقاتها مع حماس التي تسيطر على قطاع غزة عن علاقاتها مع الرئيس الفلسطيني الرسمي محمود عباس، وعارضت الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة بالرسائل السياسية، إلى أن اندلعت الأزمة في العلاقات بين البلدين مع توجّه سفينة مافي مرمرة لكسر الحصار على قطاع غزة من جانب واحد.
وكان أحد التغييرات المهمة التي حققها يلدريم في السياسة الخارجية لتركيا هو إنهاء التوترات مع إسرائيل. ولم يتضمن الاتفاق المبرم بين الطرفين شرط الحكومة التركية وأردوغان برفع الحصار عن قطاع غزة. ولما تراجعت تركيا عن شرط رفع الحصار عن قطاع غزة باتت عودة العلاقات الدبلوماسية بين الجانبين إلى طبيعتها مرة أخرى أمرًا ممكنًا.
اتفاق سوريا
في صمت وهدوء، تخلّت حكومة يلدريم عن سياسة سوريا التي اتبعها داود أوغلو أثناء توليه منصب وزير الخارجية ومن ثم منصب رئيس الوزراء. وكانت الحكومة التركية قد اختارت دعم المعارضة السورية في مواجهة النظام منذ بداية الحرب القائمة في سوريا.
لكن بعد حادثة اغتيال السفير الروسي لدى أنقرة أندريه كارلوف في شهر ديسمبر/ كانون الأول المنصرم، وقّع وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا وإيران اتفاقًا بشأن الأزمة السورية تخلّت فيه تركيا عن شرط رحيل الأسد، وانتقلت إلى الاعتراف بنظام الأسد فعليًّا خلال المرحلة الانتقالية.
زيارة يلدريم إلى العراق
زيارة يلدريم إلى العراق تعني التصالح مع آخر دولة على الحدود الجنوبية لتركيا التي تعاني مشاكل وتوترات معها. فخلال الآونة الأخيرة مرت تركيا بمشاكل مستمرة مع الحكومات ذات الغالبية الشيعية في العراق. فالتصريحات العنيفة المتبادلة بين حكومات العدالة والتنمية في تركيا ورئيس الوزراء العراقي المالكي، ومن بعده العبادي، أضرت بالعلاقات بين البلدين، حيث اتهمت حكومة بغداد الحكومة التركية بالتدخل في شؤونها الداخلية للعراق بتواصلها مع أحزاب عوضًا عن الإدارة المركزية، غير أن أنقرة ظلت ترفض هذه الاتهامات.
ومؤخرا اندلعت أزمة معسكر “بعشيقة” مع الإدارة المركزية بالعراق. فبعد تأسيسها معسكر تدريب عسكري في بعشيقة، بناء على طلب من والي المدينة السنّية رفضت تركيا طلبات الإدارة المركزية العراقية لإغلاق المعسكر، مشيرة إلى أن معسكر بعشيقة تم تأسيسه بناء على رغبة العراقيين.
وحاليا ستعيد زيارة يلدريم إلى العراق علاقة الحكومة التركية مع الإدارة المركزية العراقية إلى عهد إقامة “علاقات مع الدول المتمتعة بالشرعية الدولية” بدلاً عن الأحزاب والمجموعات والفصائل العاملة في تلك الدول المعنية.
العلاقات مع مصر
ومن الممكن أن تشهد الشهور القادمة ترطيب العلاقات مع مصر أيضًا، بعد أن وضعت الإدارة التركية كل بيضها في سلة واحدة لطائفة معينة، وأخذت صفّها إلى جانب أحد الأطراف المتصارعة في هذا البلد.
يبدو أن الإخفاقات الخارجية لحكومة حزب العدالة والتنمية في الفترة الأخيرة من حكمها خاصة سيؤدي إلى تركيزها على استعادة العلاقات المتدهورة مع البلدان المجاورة وإعادة ترتيب بيتها الداخلي والتخلي عن أحلام إعادة ترتيب المنطقة، لكن بعد تحطّم أحلام شعوب المنطقة أو كما يقول العرب بعد خراب البصرة!
تقرير: علي عبد الله التركي