بكر جوشكون (*)
من المعلوم أن الديمقراطية شكل من أشكال الحكم يشارك فيها جميع المواطنين المؤهلين على قدم المساواة – إما مباشرة أو من خلال ممثلين عنهم منتخبين – في اقتراح وتطوير واستحداث القوانين.
وحول ما يحدث في تركيا بشأن الاستفتاء الدستوري المقرر له أبريل المقبل والذي في حال إقراره سيحول البلاد إلى النظام الرئاسي، قال الكاتب بكر جوشكون في صحيفة سوزجو التركية “هل سبق وشاهدتم قبل ذلك رئيس وزراء مثل رئيس الوزراء التركية بن علي يلدريم يخرج على الملأ ويسعى لإيضاح على الشعب أنه من الممكن الاستغناء عنه في أي لحظة وأن منصب رئاسة الوزراء أصبح غير ضروري!
ويدعي أمام الشعب على شاشات التلفاز أن كرسي رئاسة الوزراء التي يجلس عليه هو “سبب الفوضى”… ويلوح قائلا “إذا بقيت في هذا المنصب ستسقط تركيا”.
كما لا يمر يوم إلا وهو يصرخ أمام حاشيته في كل مناسبة أو كلمة وتصريح له حتى يرسل إشارات للرأي العام قائلا: “لا حاجة لي”…
في الواقع سيسجل التاريخ موقف هذا الرئيس الوزراء ببأنه أول شخص يطالب الشعب إلغاءه ويعلن أن منصبه الذي يشغله منذ مدة لا داعي له… هل من المعروف ألا يريد رؤساء الوزراء الحصول على أصوات من أجل البقاء في مقاعدهم؟ أم أنه يريد أن يقول لا حاجة لي، فجميع الصلاحيات لا بد أن تكون في يد رئيس الجمهورية “أردوغان”، مرسلا إشارات عن رغبته في الانسحاب…
اعتدنا أن نسمع منه مرارا وتكرارا، طالما سنحت له الفرصة للإدلاء بتصريحات، مدافعات عن نظام الرجل الواحد، وأن تواجده في هذا المنصب غير ضروري، قائلا:
“كم يكون عدد الربان في السفينة الواحدة يا أصدقاء؟…”
“واحد فقط…”
“أليس كذلك، وفي حالة وجود أكثر من ربان تغرق السفينة (المركب اللي ليها ريسين تغرق)…”
“حسنا، ماذا إذا كانت الحافلة لها سائقين؟…”
“لن يمكنها الانعطاف…”
“هكذا يجب أن يكون النظام قائم على شخص واحد…”
“كم عصا للطبلة؟…”
“واحدة فقط…”
“وعندما نلجأ إلى العصا الثانية تحدث فوضى!…”
“وكذلك الزجاجة… كم عدد فتحاتها؟…”
لماذا يروج “بن علي” للنظام الرئاسي الذي يحول البلاد إلى نظام الرجل مع علمه أنه لن تصبح حاجة له؟
يتمتع بن علي بقدر كاف من الذكاء، يسمح له بإدراك أن ما يقوله وما يحاول إيصاله للرأي العام غير صحيح…
ونحن أيضا نعلم جيدا أن تركيا في الواقع تجر إلى الفوضى الآن، ونتمتع بالعلم والرذانة الكافية لإدراك ذلك…
ولكن لماذا؟
لأنه أسير عند أردوغان باعتباره كبش فداء…
مثله مثل الرئيس السابق عبد الله جول ونائبه ورفيق درب أردوغان بولنت آرينتش، وكذلك وزير الخارجية ورئيس الوزراء السابق أحمد داوود أوغلو..
لأنه سجين لدى أردوغان…
لذالك نجده يطوف في البلاد ويجوبها يمينا ويسارا ليعلن أنه لا حاجة له”… فالرجل مغلوب على أمره يفعل ما يؤمر…
وهذا وحده كافيا لتأكيد المخاوف والذعر من نظام الرجل الواحد أو كما يقال عنه “النظام الرئاسي”.
إن حال هذا الرجل يكشف لنا مدى المصيبة والكارثة التي نحن على أعتابها…
كما أن هذا يوضح لنا مدى الرعب والفزع الذي ينتظرنا من هذا النظام…
وإذا فرضنا أنهم لا يعلمون أن الديمقراطية هى “الأغلبية”، فهم يسفهون من المواطنين من خلال محاولة إيهامهم أن “نظام الرجل الواحد ضروري من أجل تحقيق الديمقراطية”…
(*) صحيفة سوزجو