بقلم: سادات لاتشينار
تحمل الحكومة التركية تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) مسؤولية تفجير أنقرة الإرهابي. وبحسب تصريحات رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو فإن التفجير الإرهابي قام به مواطن سوري الجنسية لصالح تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية وبدعم من منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية (PKK).
وفور أن سمعت هذه التصريحات، قلت إن هذه الادعاءات ليست بالقدر الكافي من المصداقية لإقناع الرأي العام العالمي. لأن شن هجوم إرهابي كهذا في هذا التوقيت، وفي قلب العاصمة التركية أنقرة، يعد عملية جنونية بالنسبة لتنظيم وحدات حماية الشعب الكردية.
نتابع مؤخرًا تحركات الحكومة التركية وتصريحاتها التي تؤكد فيها أن وحدات حماية الشعب هي تنظيم إرهابي، بل وتدعو الإدارة الأمريكية للاختيار بينها وبين هذا التنظيم. إلا أن موقف الإدارة الأمريكية كان واضحًا منذ البداية، إذ قالت أكثر من مرة إن تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية “ليس إرهابيًا”، بل وأبلغت عبر وسائل الإعلام أنها ستواصل دعمها للتنظيم.
ولم تكتفِ أمريكا بدعم وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعد الذراع المسلح لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD)؛ إذ تطور الأمر إلى أن أعلنت روسيا وعدد من الدول الأوروبية أنها لا تعتبر التنظيم إرهابيًا.
حتى إن تركيا لم تحظَ بالدعم والتأييد من المجتمع الدولي عندما بدأت شن ضرباتها المدفعية على مواقع العناصر المسلحة التابعة لوحدات حماية الشعب الكردية. كذلك لم تصدر المملكة العربية السعودية –التي بدأت شن ضربات جوية في سوريا- أية تصريحات تتحدث فيها عن أن التنظيم إرهابي.
وبعبارة أخرى فإن تركيا أصبحت وحيدة أيضاً أمام وحدات حماية الشعب الكردية التي تعتبرها وحدها تنظيمًا إرهابيًا.
في مثل هذه الأجواء يقع الحادث الإرهابي المفجع في العاصمة التركية أنقرة. فضلاً عن ذلك فإن أعضاء القوات المسلحة التي تقصف مواقع التنظيم في سوريا هم من كانوا مستهدفين. وتتهم الحكومة التركية وحدات حماية الشعب بالوقوف وراء هذا الهجوم. وتعلن عن الأدلة الحية التي تؤيد ادعاءها.
وبما أن هذا التنظيم لم يقم بأي عمليات عسكرية خارج الأراضي السورية، ولم يتورط في عمل إرهابي ضخم كهذا يعرفه كل العالم، فإن إعلانه باعتباره فاعلاً لمثل هذه العملية العملاقة، وفي الوقت الذي تصر فيه تركيا إعلانه إرهابيًا، لم يكن مقنعاً للرأي العام العالمي بل أثار شبهات حول صحة هذه الاتهامات. وفعلاً لم يصدق أي من الإدارة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي تورط وحدات حماية الشعب في تفجير أنقرة. دعوا عنكم التصديق، بل قطعت الولايات المتحدة خطوة أخرى نحو الأمام وأعلنت تحيزها للتنظيم بدلاً عن تركيا في ثنيائية “تركيا أم وحدات حماية الشعب الكردية”. إذ صرح المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية جون كيربي بأن منفذ الهجوم لايزال مجهولًا قائلًا: “مسألة المجرم المسؤول عن التفجير لم يبت فيها إلى الآن”.
بل وطالب كيربي الحكومة التركية بوقف القصف الذي تشنه ضد الأهداف التابعة لتنظيم وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا. ورد على أحد الأسئلة الصحفية قائلًا: “نحن لا نطلب من تركيا الانسحاب من التحالف الدولي المشكل لضرب تنظيم داعش. وإنما القرار في النهاية في يد حكومة أنقرة”.
تكشف هذه التصريحات عن أن الإدارة الأمريكية لم تعد تبالي بتدلل تركيا فيما يخص مواجهة تنظيم داعش الإرهابي. فتركيا الآن هي دولة مضطرة لفتح قاعدة إنجيرليك الجوية وباقي قواعدها العسكرية أمام الدول الغربية، أمَّا وحدات حماية الشعب فهي تمثل قوة برية لا يمكن التخلي عنها بالنسبة للولايات المتحدة . أي أن الإدارة الأمريكية ردت على سؤال الرئيس التركي: “نحن أم وحدات حماية الشعب؟” باختيار الخيار الثاني.
من المتورط في الحادث؟
كما أوضحت من قبل، فإن تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية إذا فكرت في أن تقوم بعمل إرهابي كهذا فإنها ليست بهذا القدر من البلاهة ليتورط فيه بشكل مباشر وصريح هكذا. وإذا كان المسؤولون الأتراك مصرين على رأيهم، فعليهم إظهار أدلة قاطعة وأكثر إقناعًا أمام الرأي العام.
بعد ساعات قليلة من وقوع التفجير، أول ما خطر في بالي هو منظمة حزب العمال الكردستاني، وقلت هذا خلال مشاركات على شاشات التليفزيون ؛ لأن أيدي العمال الكردستاني ملطخة بمثل هذه الدماء من قبل، وتورط في هجمات سابقة ضد الهيئة العامة لرئاسة الأركان التركية والأهداف العسكرية التابعة لها وللقوات الجوية. لذلك كانت أصابع الاتهام بالنسبة لي تشير أولًا إلى العمال الكردستاني.
إلا أن الحادث من الممكن أن تتبناه منظمة إرهابية أخرى. فتركيا في الوقت الراهن تفتح أبوابها على مصراعيها أمام مثل تلك الهجمات الإرهابية. فضلًا عن أن الأجهزة الأمنية الداخلية ليست في أفضل حالاتها.
أمَّا أن يكون مرتكب الحادث مواطنًا سوريًا، فإن هذا يكشف عن احتمالات تورط جهاز الاستخبارات السوري في الحادث أيضاً. فبالرغم من أن سوريا تعاني من حرب داخلية طاحنة إلا أن جهاز الاستخبارات السوري تمكن من وضع بصماته على عدد من العمليات ضد المصالح التركية. أي أن نظام بشار الأسد يواجه التنظيمات الإرهابية بالإضافة إلى الدولة التركية بهجمات إرهابية مستغلاً استخفاف أعدائه به. ويرى بعض الخبراء والمتخصصين أن تفجير أنقرة تقف وراءه المخابرات السورية أكثر من العمال الكردستاني.
وماذا عن المُحرِض؟
في ليلة وقوع التفجير الإرهابي، قال أحد خبراء الإرهاب: “ليس من المهم مَنْ الضاغط على الزناد، وإنما المحرض على ذلك هو المهم. علينا أن نتوصل إلى الدول التي تقف وراء هذه العمليات وفضحها والإعلان عنها”. وقد سمعت تصريحات مشابهة من خبراء ومتخصصين في مجال الإرهاب آخرين.
يمكنني أن أزيل فضولهم، فأنا أعلم الدول التي تقف وراء تلك الهجمات الإرهابية، وإن أردتم فبإمكاني أن أكشف عنها لتفعلوا ما بمقدوركم!
فها أنا أكشف عن الدول الداعمة لحزب العمال الكردستاني: إيران، والولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا وسوريا، وإسرائيل، وبريطانيا، وبعض الدول الأوروبية…
فحزب العمال الكردستاني يستخدم “حدود إيران” بكل حرية وكأنها بيته…
أمَّا روسيا فهي لا تضع المنظمة حتى ضمن قائمة التنظيمات الإرهابية أصلاً…
أمَّا الأمريكان، فقد أرسلوا أسلحة إلى منظمة بيجاك الكردية الإيرانية (PJAK) في وقت سابق، وإلى وحدات حماية الشعب الكردية (YPG)في الوقت الراهن وهم يعلمون أنها تذهب إلى العمال الكردستاني. ويرى الخبراء والمحللون أن كمية السلاح التي حصل عليها العمال الكردستاني من الولايات المتحدة الأمريكية منذ عشر سنوات تقدر بما يقرب من 200 ألف قطعة سلاح.
فضلًا عن أن طائرات كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا تدعم تنظيم وحدات حماية الشعب الكردية (YPG) حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (PYD). إضافة إلى أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعمل مع التنظيم، وتوفر له السلاح والدعم اللوجيستي.
ها أنا قد كشفت الآن عن اليد الخفية الواقفة وراء الإرهاب! فبِتّم تعلمون من هو الواقف وراء الإرهاب في بلدنا! بالله عليكم فماذا ستفعلون؟ فهل ستستنكرون تلك الدول وستدعمون الإرهاب ضدها كما تفعل هي؟
إن القضية أكثر وأكبر من معرفة الدول الواقفة وراء الإرهاب! فتركيا نفسها هي أكبر داعم للإرهاب…
فهل يمكن أن تكون محاربة الإرهاب من خلال التجول في المدن والأحياء وقرع البيوت في شرق وجنوب شرق بلدنا واحدًا تلو الآخر؟!
أي عقل يدفع الجيش للمواجهة مع المواطنين في القرى والمدن،وفرضِ حظر تجوال في المدن، والدخولِ إلى مدنهم بالمركبات المدرعة؟ وأي منطق يسوغ مطاردة وصيّد البعوض بالمدفعية والدبابات؟
نقف الآن “محلك سر”، لم نقطع شوطًا يُذكر في الطريق إلى الديمقراطية، وكذلك لم نتبع أي سياسة محنكة واضحة لمواجهة الإرهاب.
دعوا عنكم منح الأكراد حقوقهم وحرياتهم، وقطع خراطيم الأكسجين عن الإرهاب، فقد تسببنا في إرهاب القطاعات الباقية من الشعب أيضاً…
وانبعثت مرة أخرى الجرائم مجهولة الفاعل من قبرها وعادت إلى الواجهة..
بدأت المقاهي والحانات تتعرض كذلك للهجوم بالأسلحة الرشاشة.. وإلقاء القنابل..
أمَّا عن الصحافة، لسان حال الشارع، فالصحفيون يملأون السجون، وبدأت نبرات الكراهية والحقد تنتشر في كل شبر من أنحاء البلاد..
وأصبحنا الآن أمام موضة اتهامات بـ”الخيانة والانتماء للكيان الموازي” تطارد الكل..
حتى أن الاستقطاب استفحل بين المصلين في الجوامع…
الجميع في حالة انتظار مقلقة ومتوترة. فأي مجتمع يمكنه أن يتمتع بالاستقرار والطمأنينة وسط هذه الحالة من الاستقطاب والتمزق الاجتماعي الحاد.
وماذا عن سياستنا الخارجية؟ هل تدع سياستنا تجاه الملف السوري حاجة لعدو؟
في البداية نمطر إسرائيل بوابل من الإهانات، ثم نخرج بعد مرور سنوات ونقول: “إننا بحاجة لإسرائيل… فالشعب الإسرائيلي ودولته أصدقاؤنا”.
نكون نحن أول من يقدم أكبر المساعدات لقوات حماية الشعب الكردية وحزب الاتحاد الديمقراطي ونقول: “سلامٌ على أشقائنا في عين العرب كوباني”. ولكن بعد مرور عام واحد نخرج أمام الجميع لنعلن التنظيم إرهابيًا متطرفًا…
نتدخل في الشأن الداخلي لمصر أولاً، ثم نسعى للإطاحة برئيس في البلاد عبد الفتاح السيسي؛ ثم نبدأ في البحث عن سبل التصالح مع مصر بوساطة إسرائيلية(!).
نقدم في البداية صورة متسامحة تجاه تنظيم داعش الإرهابي ثم نبدأ في شن غارات جوية صورية على مواقعه.
في البداية نرفض الانصياع لمطالب الإدارة الأمريكية وقوات التحالف الدولي بشأن تنظيم داعش، ثم نفتح قاعدة إنجيرليك الجوية في جنوب البلاد على مصراعيها أمام الأمريكان والألمان والفرنسيين دون أي مقابل..
في البداية نعلن روسيا “شريكاً إستراتيجياً”، ثم نسقط طائرة حربية روسية لأنها دخلت المجال الجوي التركي لمدة 17 ثانية فقط…
هناك العديد من الأمثلة والشواهد على السياسات المتخبطة، ولا داعي لذكر المزيد منها.
ما أريد أن أقوله إن سبب الإرهاب والعزلة اللذين نواجههما اليوم هو الأخطاء الذاتية لتركيا لا غير.
ذكرت سالفًا الدول التي تقف وراء الإرهاب. إلا أن هذه المعرفة هل تغيّر شيئاً؟ فإذا كان لديكم القوة الكافية ستجعلوهم يلزموا حدودهم. إلا أنه يجب علينا أولًا النظر إلى المرآة ومحاسبة أنفسنا على الأخطاء التي نرتكبها. فعلى من يبحث عن الدول الداعمة للإرهاب وضْع حدّ للأخطاء الفادحة التي يرتكيها بالداخل أولًا.
إذا كنت قويًا وماهرًا وذكيًا، يكون الأصدقاء كثر والأعداء قلة.
أمَّا إذا كنت ضعيفًا، ولم تتمكن من التحكم جيدًا في علاقاتك داخليًا وخارجيًا، سيكون العالم أجمع عدوًا لك.
لذلك علينا أن نبدأ بأنفسنا أولًا…