تقرير: محمد عبيد الله
ألمانيا (الزمان التركية) – عندما فشل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في إقناع الدول الغربية بأن حركة الخدمة منظمة إرهابية، لخلو وفاضه من أي أدلة معتبرة، فضل مؤخرا التوجه إلى الدول العربية والأفريقية، وعلى وجه الخصوص دول الخليج العربي، أملا منه أن تصدق تلك الدول كل ما يزعمه دون مناقشة ومساءلة، وتلبي كل مطالبه بشأن هذه الحركة.
ولعل أردوغان يعتقد أنه سيتمكن من إقناع الدول العربية بكل سهولة دون أن يعاني ما عاناه في سبيل إقناع الغرب، متوقعا أنها لن تهتم بما إذا كان وصف “الإرهاب” ثبت بحق الحركة فعلا أم لم يثبت، بل ستنظر إلى مصالحها فقط ولن تلقي بالا للمبادئ والأصول القضائية المقررة في الشريعة الإسلامية، وذلك لأنه يرى الجميع من حوله مثله، حيث إن “ظنون المرء من خلقه”، كما ورد في المثل. كيف سيكون موقف العرب من هذه المطالب يا ترى؟ هل سيستطيعون قول ما قاله أحد الكتاب الصحفيين النيجريين لأردوغان “نعم، إننا فقراء؛ لكننا لسنا أغبياء!” أم لا؟
في إطار جولته الخليجية .. أدلى الرئيس أردوغان بتصريحات لفضائية “العربية” المعروفة، وجدد نداءه إلى قادة العرب للتعاون في إعادة ما أسماه “أعضاء منظمة غولن الإرهابية” لتركيا، متهما إياها بالوقوف وراء الانقلاب الفاشل منتصف العام المنصرم. وفى إطار رده على سؤال ما إذا كانت تركيا ستتعاطى بذات المساواة مع تسليم قيادات الإخوان المسلمين الموجودين في تركيا، كما تطالب الدول الأخرى بتسليم محبي حركة الخدمة، قال أردوغان، “نحن نتلقى طلبات بين وقت وآخر، لكن نوجه سؤالا هل هذه منظمة إرهابية مسلحة؟ هل الذين تطالبون بهم تورطوا في عمل إرهابي أو مسلح؟ لم أر أية ممارسة مسلحة، ولو رأيت أي عمل مسلح منهم سيكون موقفي نفس الموقف من المنظمات الإرهابية الأخرى، جماعة الإخوان المسلمين جماعة فكرية لم تقم بأي عمل مسلح”.
يا له من زعيم منصف يتحرى العدل ويتجنب الظلم في أقواله وتصرفاته! إنه ينفي الإرهاب من جماعة الإخوان، لأنها منظمة وجماعة فكرية، ولم تتورط في أي عمل إرهابي، لكنه في الوقت ذاته يطلق لسانه في اتهاماته المرسلة ضد الخدمة. إنها سياسة الكيل بمكيالين! فهل ثبت استخدام حركة الخدمة السلاح حتى الآن وما هي أدلة ذلك يا ترى؟
قبل كل شيء، حركة الخدمة حركة مدنية كرست كل جهودها للتربية والتعليم والعمل الخيري منذ نشأتها الأولى حتى اليوم، وليست لها أي أهداف سياسية، ولا تعتبر السياسة أو الوصول إلى السلطة أداة صالحة لتحقيق غاياتها الكبرى. فهي من هذه الناحية تختلف عن كل الحركات الإسلامية الأخرى التي ظهرت في العالمين العربي والإسلامي، حيث تضع معظمها الاستيلاء على السلطة عبر “السياسة” أو “الجهاد” أو “الثورة” بين أولوياتها وأهدافها، وقد تخرج عن الإطار الشرعي والقانوني وتبرر الوسيلة مهما كانت لتحقيق غاياتها، وتستخدم العنف والكذب والافتراء في مكافحة خصومها، بحجة أنها في حالة حرب معهم، وتعيش في “دار الحرب”، كما رأينا ذلك في نموذج تركيا أردوغان. أما حركة الخدمة فلم تخرج عن الإطار الشرعي والقانوني حتى في الدفاع عن نفسها، ولم تلجأ إلى العنف أبدا، رغم تعرضها لظلم جماعي غير مسبوق في التاريخ الإسلامي. ذلك أنها تؤمن بالنظام، وترفض الفوضى، وترى التدرج والانطلاق من القاعدة إلى القمة ضروريا، لا العكس، بسبب أنها لا تعتقد بالطفرة، بل تدعو إلى تغيير اجتماعي منظم هادئ، في إطار قانون التطور الفطري التدريجي، وتعتقد أن غير ذلك من الأساليب والمناهج تؤدي إلى زعزعة الحياة الاجتماعية، ويحصل منها شر مستطير، وتخريب كبير.
ثانيا: حركة الخدمة طالبت بتشكيل لجنة دولية لتتولى التحقيق في مزاعم أردوغان حول وقوفها وراء كل من تحقيقات الفساد والرشوة في عام 2013 ومحاولة الانقلاب الفاشلة في عام 2016، نظرا لأن جهاز القضاء التركي بات مسيسا وخاضعا لأوامر ونواهي الرئيس أردوغان، ولم يعد بمقدوره تحقيق العدل في أي قضية. وبينما كان المنتظر من أردوغان أن يرحب بهذه الدعوة ويرضى بتشكيل هذه اللجنة الدولية، لكن رأينا أنه رفض ذلك واكتفى باتهاماته المرسلة إلى الخدمة، كما كان رفض مطالبات التحقيق الدولي في التسجيلات الصوتية المنسوبة إليه والتي تثبت تورطه في الفساد، مكتفيا بادعاء أنها ممنتجة ومحرفة، مع أن شركات خاصة محلية ودولية فحصت تلك التسجيلات وأثبتت صحتها.
ثالثا: وعلى الرغم من أن أردوغان رفض دعوة “تأسيس لجنة دولية” التي وجهها له الأستاذ فتح الله غولن أكثر من مرة، معلنا أنه مستعد للعودة إلى تركيا والقتل شنقا في حال ثبوت واحد من اتهاماته ضده، إلا أن هناك أربعة تقارير استخباراتية، بريطانية وأوروبية وأمريكية، و”تركية”، فندت الرواية الرسمية لأردوغان حول محاولة الانقلاب وكشفت أنه من دبرها لتحقيق أهدافه السياسية. إذ كانت المخابرات البريطانية قد أعدت تقريرا نشرته مجلة “فوكس” الألمانية في منتصف العام الماضي بعد الانقلاب مباشرة يكشف أنها تابعت المكالمات الهاتفية والبريدية المشفرة لكبار مسئولي الحكومة التركية منذ اللحظة الأولى من بدء أحداث محاولة الانقلاب، ويظهر أنهم، أي المسؤولين الأتراك، يأمرون فيها بتقديم الأستاذ فتح الله غولن كرقم أول يقف وراء هذه المحاولة، من أجل تنفيذ حملة تصفية شاملة ضد أفراد حركة الخدمة. كما أن التقرير الاستخباراتي الأوروبي الصادر في 24 أغسطس 2016، والذي نشرته مجلة “تايمز” البريطانية في الشهر الماضي، أكد ما توصل إليه التقرير البريطاني، حيث اتهم أردوغان بشكل غير مباشر، بتدبير المحاولة الانقلابية وتصميمها على الفشل، لكي يتمكن من الحصول على ذريعة تصفية معارضيه، واستبعد أن يكون الأستاذ غولن “العقل المدبر” الذي يقف وراءها. وبعد هذين التقريرين، جاء تقرير لموقع washingtonhatti.com يكشف أن مصادر استخباراتية في حلف الشمال الأطلسي الناتو أعلنت لموقع aldirmer.no أن قادة الحلف يؤمنون بأن أردوغان هو من دبر الانقلاب عليه، ونقل الموقع عن مصدر في الناتو قوله إن الجنود الأتراك الذين لا يزالون على اتصال بالحلف يرون أن أردوغان كان يخطط منذ سنة لتنفيذ هذا الانقلاب، مشيرا إلى أنه كان يمتلك قائمة بأسماء الأشخاص الذين كان يخطط لتصفيتهم ونفذ خطته هذه في صبيحة الانقلاب الفاشل. كما أن المخابرات التركية نشرت تقريرا في 17 يناير الماضي، لكي تحمل الحطب إلى النار التي أشعلها أردوغان لإحراق أبناء حركة الخدمة فيها، إلا أنها تناقضت مع نفسها وكذبت نفسها بنفسها دون أن تشعر! إذ أسقط تقريرها الأخير كل المزاعم الدائرة حول تطبيق “بايلوك”، وهو الدليل الوحيد الذي يقدمه أردوغان كدليل على اتهامه للخدمة بتدبير المحاولة الانقلابية والذي يزعم أنه كان الوسيلة السرية لتواصل أعضاء الخدمة من أجل التنسيق للانقلاب. لمزيد من التفصيل يرجى قراءة مقال “ثلاثة تقارير استخباراتية تفند مزاعم أردوغان حول الانقلاب” الذي نشره موقع الزمان التركية لتي تواصل عملها الصحفي من ألمانيا بعد إغلاق كل المؤسسات الإعلامية في تركيا ما عدا الخاضعة طوعا أو كرها.
وأخيرا: كان أردوغان قد شكل لجنة برلمانية “شكلية” للتحقيق في محاولة الانقلاب، لكنها رغم مرور أكثر من نصف عام على الانقلاب، لم تكشف بعد من هم أعضاء مجلس الانقلاب العسكري، ومن هو قائدهم. بل أمر أردوغان اللجنة بإنهاء تحقيقاتها في هذا الشأن، لكنه طلب منها أن تؤجل كتابة تقريرها حول النتائج التي توصلت إليها إلى ما بعد الاستفتاء الشعبي على التعديلات الدستورية التي تمنحه الصلاحية المطلقة في ظل النظام الرئاسي.
خلاصة القول: إن حركة الخدمة هي التي تطالب بالكشف عن الحقائق وأردوغان هو من يسعى للتستر عليها بكل إمكانيات الدولة، حتى لا يثق في اللجنة البرلمانية التي شكلها! فمن يخاف من ظهور الحقائق إن لم يكن مجرما؟
أظن أن الأسلوب الذي يتبعه أردوغان في مكافحة حركة الخدمة والأسلوب الذي تتبعه هذه الأخيرة في الدفاع عن نفسها لكفيل بالكشف عن اليد المجرمة التي تقف وراء هذه المحاولة الانقلابية الغادرة. أثبتت الخدمة فعلا بتجنبها حتى النزول إلى الشوارع وتنظيم مظاهرات احتجاجية أنها حركة مدنية سلمية لم تستخدم ولن تستخدم أبدا العنف حتى في رد الظلم الذي يمارس عليها منذ سنين.
لكن أردوغان يريد من الدول العربية أن تكون صما بكما عميا تجاه هذه الحقائق وتؤمن بما يسوقه من ادعاءات واتهامات دون أن تناقشها.
هل ستخضع الدول العربية أمام مطالب أردوغان أم سترفض مثلما رفضت الدول الغربية لافتقارها إلى الأدلة؟ هل ستخضع مع أن كل أصابع الاتهام تتوجه إلى أردوغان وليس إلى حركة الخدمة؟ وإذا وافقت الدول العربية على مطالبه بشأن الخدمة فأي موقف سيكون الأجدر بأن يوصف بـ”الإسلامي” أهو الموقف العربي أم الغربي يا ترى؟!