بقلم: علي عادل تشاكار
(الزمان التركية) بدأت مخاوف المواطنين الأتراك تتصاعد بعد وصول الدولار إلى مستويات قياسية أمام الليرة التركية مسجلا 3.60 ليرة، بالإضافة إلى التقارير التي تشير إلى احتمالات وصوله إلى 3.70 ليرة تركية بحلول عام 2017.
الجميع يحبس أنفاسه في انتظار أزمة اقتصادية عملاقة حالكة الظلام، في ظل تصريحات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وكبار الشخصيات في الدولة التي تعكس الأزمة الراهنة. أمَّا عن الخبراء والمحللين فقد أجمعوا على روشتة واحدة للخروج من هذه الأزمة بسلام، ألا وهي “الديمقراطية هي الحل” أو “القانون هو الحل”.
فالخبراء أجمعوا على أن عودة تركيا إلى دولة القانون، والتخلي عن نهجها التعسفي في التعامل مع الأزمات، وتفعيل الديمقراطية في جميع مؤسسات الدولة وهيئاتها شرط حتمي لخروجها من هذا النفق المظلم. ولكن هل يكون التطبيق بنفس سهولة التصريح به؟ وهذا يأتي بمعنى دعوة أردوغان إلى ترجيح أحد الخيارين: “عليك أن تختار إما مصيرك الشخصي أو مصير البلاد”.
معنى دعوة أردوغان لـ”العودة إلى الديمقراطية”؟!
هذه النصيحة البسيطة “عُدْ إلى دولة القانون والديمقراطية” عندما توجه إلى أردوغان فإنها تعني: “دفع فاتورة الأموال المنهوبة وعمليات غسيل الأموال التابعة لنجله بلال، والأموال المخبأة في صناديق الأحذية من قبل الموظفين المقربين له، وكذلك علاقاته المشبوهة مع رجل الأعمال رضا ضراب إيراني الأصل الحاصل على الجنسية التركية المعتقل حاليًا في الولايات المتحدة”.
تعني: “دفع فاتورة العمولات التي حصل عليها من العطاءات والمناقصات العامة، ونظام “الحوض” المالي المشكل بالأموال المجموعة من الشركات الحاصلة على تلك العطاءات والمناقصات، والمؤامرات المحاكة ضد رجال الأعمال لإخضاعهم، والفيلات السرية”.
تعني: دفع فاتورة الجرائم التي ارتكبها في سبيل التهرب من القانون والمحاكمة على فضائح الفساد والرشوة عام 2013، وقتله للقانون وقلبه نظام الدولة رأسًا على عقب، وإراقته الدماء الزكية بحجة مكافحة الإرهاب خاصة في المناطق الشرقية، والمساومات والتحالفات الدموية للحيلولة دون ذهاب السلطة من يده فقط”.
تعني: “التخلي عن إثارة الاستقطاب والإقصاء لرصّ صفوف المؤيدين، والابتعاد عن ألاعيب الكذب لخداع المواطنين باتباع أساليب الحرب النفسية واختراق الأذهان”.
تعني: “إطلاق سراح عشرات الآلاف من المعتقلين حفاظًا على حكومته السارقة الفاسدة؛ والاعتراف بما قام به من مؤامرات، وما ادَّعاه من افتراءات، وما أقدم عليه من ممارسات ظالمة، ومن ثم بطبيعة الحال المثول أمام المحكمة للمحاسبة”.
تعني: “إعادته للمؤسسات التعليمية التي استولى عليها، ومئات الشركات والمحلات التي صادرها جورًا وظلمًا وتعويض خسائرها”.
تعني: “عودة عاجلة للعمل مجددًا بالديمقراطية والقانون في عموم البلاد وداخل الأحزاب أيضًا؛ بمعنى التخلي عن التدخل في الأحزاب الأخرى، بما فيها حزبه الحاكم، والسماح لها باختيار زعمائها كما تريد”.
نحو حسم القرار…
يتجه أردوغان نحو اللحظة الحاسمة التي يتحتم فيها اتخاذ القرار الحتمي، ولكن هل يمكن أن يوافق على كل ما ذكر أعلاه؟ كيف سيكون رد فعله وتصرفه عندما يضطر للاختيار بين مصيره الشخصي و”المصير الوطني”؟ وكأنني أسمع إجابة القراء على هذا السؤال: “بالطبع لا! لن يوافق أردوغان على ذلك”. لأن أردوغان قد حدد اختياره بالفعل عندما ارتكب كل هذه الجرائم مفضلًا مصيره الشخصي على مصير تركيا. لذلك فقد حوَّل دفة البلاد من الديمقراطية ودولة القانون إلى “مزرعته الخاصة” بعيدًا عن معايير الاتحاد الأوروبي؛ يديرها ويفرض سيطرته عليها كما يشاء دون حسيب أو رقيب، حتى أسس نظامَّا تعسفيًا بعيدًا كل البعد عن الديمقراطية.
مصيره أم مصير البلاد؟
ما يبدو الآن هو أنه لن تجدي الخطابات والنعرات التي تربط بين مصير أردوغان الشخصي ومصير البلاد. فقول أردوغان “إن الدولة ستنهار إذا رحلت أنا”، لم يكن في الواقع إلا تهديدًا صريحًا حقيرًا. وبما أن أردوغان لن يولي وجهه شطر دولة القانون والديمقراطية مرة أخرى بعد هذه الساعة، فإنه سيكمل طريقه في هدم ودفع البلاد نحو الانهيار الكامل يومًا بعد يوم.
أما الفاتورة التي سندفعها لكي يدرك مؤيدو أردوغان أيضًا ذلك ستكون هذا الوطنَ برمته للأسف الشديد.