تقرير: علي عبد الله التركي
إسطنبول (الزمان التركية) – في الوقت الذي تحولت تركيا فيه إلى بحيرة دماء، كان الواجب الطبيعي للسلطة الحاكمة أن تقوم باتخاذ التدابير الكفيلة بالحيلولة دون حدوث هجمات مشابهة مرة أخرى، ولوسائل الإعلام التابعة لها أن تقوم بتسليط الأضواء على ملابساتها والسعي للكشف عن المجرمين الحقيقيين الذين يقفون وراءها، إلا أنهما مشغولتان بالبحث عن أدلة أو خلق براهين لتجريم حركة الخدمة في كل حادثة تقع في البلاد، كما هو الحال في الهجوم الإرهابي الغاشم الأخير الذي وقع هذه الليلة واستهدف ملهى ليليًا في إسطنبول مسفراً عن مقتل 39 شخصًا.
فبينما كان ينبغي لوسائل الإعلام التابعة للرئيس رجب طيب أردوغان والحكومة التي تدور في فلكه أن تركز على أسباب عدم اتخاذ التدابير اللازمة والضعف الأمني المشهود علنًا في الهجوم على الملهى، على الرغم من التحذيرات التي وجهتها الاستخبارات الأمريكية لنظيراتها التركية ولأصحاب الملهى، لكنها رجحت أن تلصق الجريمة بحركة الخدمة، من خلال نشر جزء من أحد المسلسلات البوليسية التي أذيعت قبل سنوات على قناة أس تي في (STV) المغلقة والتي تضمنت لقطات يظهر فيها مهاجم مسلح وهو مرتدٍ لباس نويل، تمامًا مثلما زعمت في حادثة اغتيال السفير الروسي عندما استمدت بأحد مسلسلاتها أيضًا، بمعنى أنها حاولت توجيه الناس إلى سيناريوهات وهمية بدلاً من الحقائق المريرة المتعلقة بالتقصير والإهمال والضعف الذي وصل إلى حد التعمد.
والأمر الذي يثير الدهشة والشبهة هو أن عديدًا من عناصر الجيش الإلكتروني نشرت جزء المسلسل المذكور الذي يظهر فيه المهاجم وهو يرتدي لباس نويل قبل ثلاث ساعات من واقعة الاعتداء المسلح على الملهى، ما يكشف عن احتمالية تورط بعض البؤر العميقة المتسترة في أجهزة الأمن في الواقعة مع التخطيط لإلقاء الجريمة على حركة الخدمة، كما هو الحال في اغتيال السفير الروسي، لكن وزارة الداخلية نفسها نفت ارتداء المهاجم لباس نويل.
أما الواقع فإن مسؤولي حكومة حزب العدالة والتنمية وجمهورها المؤيد لهم هم من يعدون الأجواء لمثل هذه الهجمات الإرهابية بالخطاب العدواني الذي يستخدمونهم في شحن أنصارهم وردّ من اعتبروهم أعداء؛ فالهجوم الأخير أعاد إلى الأذهان التصريحات العنيفة الموجهة ضد الاستعدادات والتجهيزات بمناسبة الاحتفال برأس السنة الميلادية. إذ عُلّقت يافتة عملاقة كتبت عليها “نحن مسلمون…لا لاحتفالات نويل” في منطقة “إيكي تلّي” بمدينة إسطنبول، ورسم فيها شاب يضع على رأسه الطربوش العثماني ويوجه لكمة إلى بابا نويل.
واحتجت مجموعة تابعة لكتيبة ألب أران القومية على احتفالات العام الجديد من خلال مسرحية قصيرة أدتها في ميدان عام ببلدة نازلي التابعة لمدينة آيدين غرب تركيا، وكان أحد الممثلين وضع البندقية على رأس البابا نويل، وذلك دون أي تدخل من السلطات.
فضلاً عن ذلك فإن خطبة الجمعة التي أعدتها رئاسة الشؤون التركية والتي طالبت بقراءتها في كل مساجد البلاد وجوامعها تضمنت عديدًا من التحذيرات من الاحتفالات بمناسبة رأس السنة، جاء فيها “الإسراف والتبذير واللهو الذي نراه في الاحتفالات التي تقام في الساعات الأولى من العام الجديد والتي يعود أصلها لثقافات أجنبية لهو أمر يجب إعادة التفكير فيه. وإنه من المحزن جدًا تخصيص هذه الساعات للعب واللهو ومقامرة اليانصيب بدلاً من محاسبة النفس والتوجه من الأعمال الشريرة إلى الأعمال الصالحة”، متناسية أن كل هذه الفهاليات تنظّم بإذن وإشراف وتوجيه السلطات، بما فيها مقامرة اليانصيب!
كما أن التصريحات التي أدلى بها الشيخ المعروف لدى الشارع التركي بـ”جبلي أحمد” الموالي للحكومة والتي قال فيها “هل تحتفل في اليوم الذي يحتفل فيه قاتل أبيك. لا تشارك في الاحتفالات التي تقيمها قتلة أبيك وأعداء دينك، لا تحتفل ببابا نويل” لاقت صدى كبيراً لدى القاعدة الشعبية للحزب الحاكم.
https://www.youtube.com/watch?v=IFZ44fvkkiQ