إسطنبول (زمان عربي) – شهدت العلاقات التركية المصرية حالة من الصحوة والانتعاش مع بداية الألفية الجديدة بعد أن مرت بحالة من الركود خلال القرن العشرين.
تحولت العلاقات بين البلدين من الزيارات التقليدية الاعتيادية في عهد الرئيسين سليمان ديميريل وحسني مبارك إلى التعاون المؤسسي في عهد الرئيس التركي الأسبق أحمد نجدت سيزار؛ ثم شهدت قمة صعودها في عهد الرئيس السابق عبد الله جول حيث تم توقيع اتفاقية التجارة الحرة في عام 2007 لتشهد العلاقات قفزة نوعية كبيرة سواء من الناحية الاقتصادية أو السياسية أيضًا.
وبعد أن تولى حزب العدالة والتنمية إدارة البلاد منذ عام 2002 بدأت مصر وتركيا يسطعان سويًا كشريكين استراتيجيين في المنطقة، بفضل الاهتمام الذي أبداه حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب أردوغان للقضايا الدولية والإقليمية . بيد أن الرياح هَبَّت بما لا تشتهي السُفن، وشهد مشروع تطوير العلاقات بين البلدين وتحولها إلى تعاون استراتيجي في المنطقة توقفا بسبب رياح الربيع العربي وما تبعه من أحداث وتطورات في المنطقة.
لم تقف تركيا مكتوفة الأيدي أمام ما تشهده المنطقة في خضم ثورات الربيع العربي، وبدأت تلعب دورًا واضحا في هذه التطورات، وأعلنت أنقرة صراحة دعمها لتغيير الأنظمة الحاكمة في كل من تونس وليبيا ومصر.
بيد أن السياسات الخارجية لتركيا التي لا تعرف طبيعة المنطقة جيدًا، حتى وإن كانت تتقاسم مع شعوب المنطقة نفس الجغرافيا، والدين، والتاريخ، والثقافة، بدأت تتعثر وتقع في أخطاء متتالية.
فقد أعلنت ليبيا بشكل مفاجئ أن تركيا دولة غير مُرَحَّب بها، في حين بدأت حركة النهضة الإسلامية في تونس تأخذ جانبًا وتبتعد عن حكومة أنقرة بعد إخفاقها في الانتخابات الأخيرة. حتى أن دولة قطر التي حاولت أن تتقاسم الدور مع تركيا في خضم الربيع العربي، بدأت تأخذ جانبًا أيضًا من حكومة أنقرة في تلك الفترة.
وكان الحادث الأكثر درامية للسياسة الخارجية التركية، هو التراجع الذي شهدته في سياستها تجاه مصر؛ بعد أن عمل أردوغان على تطوير العلاقات مع مصر من خلال حكومة جماعة الإخوان المسلمين التي تولت مقاليد الحكم في البلاد بعد فوز محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية، إلا أن إسقاط نظام الإخوان المسلمين بعد الثورة عليه جعل أردوغان يتخذ موقفًا حادا ومخالفًا للإدارة المصرية معلنًا دعمه لمرسي وجماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ ذلك التاريخ بدأ أردوغان يرفع شعار” رابعة” في كل مكان يذهب إليه، مدليًا بتصريحات معادية للنظام الجديد في مصر بسبب دعمه للإخوان المسلمين.
ويستمر أردوغان الذي يحرص على ذَّم والتطاول على نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي، في زعم أن محمد مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد، مثيرًا غضب القاهرة.
إلا أن عُزلة تركيا التي ازدادت سرعة في المنطقة، واتجاه المجتمع الدولي للدخول في تحالفات مع نظام السيسي في مصر، دفع أردوغان إلى التراجع خطوات للوراء.
وبعد التطورات الأخيرة التي شهدتها المنطقة واتجاه المجتمع الدولي للدخول في تحالفات مع نظام السيسي في مصر، بدأ أردوغان يبحث عن سُبل للتصالح مع القاهرة؛ وتعمد الذهاب إلى العاصمة السعودية الرياض في الوقت الذي تواجد فيه الرئيس السيسي هناك في محاولة للتوصل إلى سبل لإعادة المياه إلى مجاريها مرة أخرى.
وعقب تلك الزيارة بدأت الادعاءات حول اجتماع أردوغان والسيسي في الرياض واعتذار أردوغان للسيسي عما بدر منه ضد مصر، تنتشر في الشارع التركي وفي أوساط الرأي العام التركي والعربي، حتى وإن لم يصدر عن أي من الطرفين تأكيد أو نفي لتلك الادعاءات.
وفي خطوة من أجل إعادة المياه إلى مجاريها مع القاهرة وتحسين العلاقات بين أنقرة والرياض، سارع أردوغان بإعلان جماعة الحوثيين جماعة إرهابية، مؤكدًا دعم تركيا التام للدول العربية السنية المشاركة في عملية عاصفة الحزم ضد جماعة الحوثيين في اليمن.
ومن المتوقع أن يقوم أردوغان بزيارة إلى إيران خلال الشهر الجاري، وقد تلعب هذه الزيارة دورا في إزالة الغبار ووضع النقاط على الحروف حول استراتيجية أردوغان للتقرب إلى الدول العربية مرة أخرى، بعد أن أحجمت الدول العربية عن أخذ قرار أردوغان بدعم العملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن بعين الاعتبار.
لكن بعد كل ما شهدته المنطقة وتشهده من تطورات وأحداث، هل بوسع أردوغان تحسين العلاقات مع مصر مرة أخرى؟
1- أولًا يجب الاعتراف بأنه لا توجد عداءات أو حتى صداقات أبدية خالدة في منطقة الشرق الأوسط. فمن الممكن أن تحدث تطورات جديدة في المنطقة تجمع تركيا ومصر في جبهة واحدة، تعقبها عودة المياه لمجاريها مرة أخرى. حتى أن الأمر من الممكن أن يصل إلى قطع أردوغان علاقته بإيران التي أوضح أنها بيته الثاني من قبل…
2- تضع القاهرة شرط تغيير سياسات أردوغان تجاه الإخوان المسلمين على رأس شروط التصالح وإعادة العلاقات بين البلدين. وعلى تركيا أن تجد طريقا محايدا في هذا الصدد.
3- على تركيا أيضًا أن تتخلى عن سياساتها المتعالية التي تتبعها مع دول المنطقة. فلم تعد أية دولة من دول المنطقة تنظر إلى تركيا باعتبارها نموذجًا سواء سياسيًا أو اقتصاديًا أو حتى اجتماعيًا وثقافيًا، كما كان من قبل. فقد خسرت تركيا خاصيتها بأنها النموذج أو المثال الذي يحتذى به في المنطقة منذ فترة طويلة.
4- يجب على تركيا ألاتوجه انتقاداتها لملف حقوق الإنسان في دول المنطقة، من أجل جمع الأصوات في الانتخابات لصالح حزب العدالة والتنمية. وألا تتحول السياسة الخارجية لأنقرة لآداة للسياسة الداخلية للحكومة.
5- على تركيا أن تُرسل دبلوماسيين على دراية جيدة باللغة العربية للتعرف على المنطقة عن قرب. وتوقيع اتفاقيات ومشروعات تعاون من دورها أن تطور العلاقات بين البلدين.
6- وأخيرًا يجب ألا تدلي حكومة أنقرة بأي تصريحات يمكن اعتبارها تدخلًا في الشؤون الداخلية لأي من دول المنطقة؛ وألا تُعلن دعمها الصريح لأي مجموعة أو حزب أو جماعة بعينها في المنطقة.