بقلم: هاني رسلان
فى الأسبوع الأخير من ديسمبر الماضى نشر الكاتب التركى المعروف، على بولاج، مقالاً فى جريدة «الزمان» اليومية، الأكثر توزيعاً فى تركيا، أحدث دوياً كبيراً، بعنوان: هل حزب العدالة والتنمية مشروع أعده الأجانب؟
استعرض الكاتب الكثير من الوقائع التى تعود إلى فترة نجم الدين أربكان، وسعى أمريكا ومعها بريطانيا، إلى إحداث نقلة نوعية فى الحياة السياسية والأوضاع الاقتصادية التركية تأهيلاً لها لكى تلعب دوراً فى تدشين مشروع الشرق الأوسط الجديد.
ولعل استعراض أهم الوقائع والشهادات التى وردت فى هذا المقال يعيننا على فهم أوضح لآليات عمل السياسة التركية تحت قيادة رجب أردوجان، والأكثر أهمية أنه يعيننا أيضا على فهم موقفه المتطرف من ثورة 30 يونيو المصرية، الذى وصل إلى حد الهوس الشخصى، الذى جعله فى كثير من الأحيان يبدو فاقداً للتوازن واللياقة اللازمة لقواعد التعامل فى مجال العلاقات الدولية.
يشير المقال إلى ما أعلنه عبدالرحمن ديليباك، الكاتب والناشط المقرب من أردوجان، واحد من أشد المدافعين عنه، والذى كان أحد أهم الداعمين لأسطول مرمرة التركى الذى حاول رفع الحصار عن غزة، من أن «حزب العدالة والتنمية أسّسته الولايات المتحدة وبريطانيا وإسرائيل كمشروع سياسى». وأن القوى التى دعمت تأسيس حزب العدالة والتنمية قدّمت ثلاثة وعود، هى:
1- تمكين الحزب من الحكم فى تركيا.
2- إزاحة كل المشاكل أو من يتسبب فيها من أمام الحزب الجديد.
3- تقديم الدعم المالى اللازم.
أما المقابل الذى يتوجب الوفاء به فيتمثل بدوره فى ثلاث قضايا أساسية كالتالى:
1- تعزيز أمن إسرائيل وإزالة العوائق التى تعترضها.
2- تنفيذ أهداف «مشروع الشرق الأوسط الكبير» أى تغيير الحدود وإعادة رسم الخرائط عبر الأحداث والصراعات التى تمر بها المنطقة.
3- المساعدة فى إعادة تفسير الإسلام فى المنطقة، وبمعنى أدق تقديم نموذج جديد.
ويورد على بولاج، كاتب المقال، مجموعة من الوقائع والاستشهادات التى تشير إلى أن الأمريكان كانوا يسعون فى تخطيط وعرض هذا المشروع منذ عام 1998، فى عهد تولى نجم الدين أربكان لرئاسة الوزراء فى تركيا، حيث كان من الواضح أن العناصر المحافظة وذات التوجهات الإسلامية أخذت تلعب دورا حاسما فى التوجهات التركية، وكان التساؤل الذى يطرحه الزوار الغربيون الذين يتوافدون باستمرار: هل يمكن أن يكون هناك حزب له أرضية إسلامية قوية وفى الوقت نفسه يتواءم مع التوجهات والأهداف الغربية؟.
وتشير الأحداث إلى أن أربكان، الذى كان يقود حزب الرفاه، قد رفض ذلك، وهو ما يفسر حملة أربكان بالغة العنف تجاه أردوجان ووصفه له بالعميل والخائن، وهو ما كان يردده كثيرا. وتقول الرواية أيضا إن أردوجان قد قبل هذا المشروع، ومن ثم ظهر حزب العدالة والتنمية من رحم حزب الرفاه فى وقت لاحق.
ويقول ديليباك إنه كان فى ذلك الوقت يحمل مشروعا سياسيا يمكن تنفيذه فى تركيا فى عهدها الجديد، وإنه حين قدم هذا الملف لأحد المسؤولين فى أنقرة تغيرت وجهة تحرك الأمريكيين فى المباحثات. وبعد فترة رأى ديليباك أن مشروعه ظهر إلى النور كحزب العدالة والتنمية مع بعض التعديلات. وأن أردوجان بدأ يتحرك بشكل مُستقل دون مشاورة الآخرين.
ويرى منتقدو أردوجان وسياساته أن الفكرة القائلة بالعمل فى ظل خدمة المصالح والأهداف الأمريكية لفترة من الوقت حتى يتم إحراز قدر من النجاح، ثم التحول بعد ذلك إلى خدمة الأهداف الأصلية سواء كانت وطنية أو قومية أو أيديولوجية، أمر يفتقر إلى البعد العملى، فكل من يدخل الحلبة مع الفيل يخرج منها مسحوقا، وأن الأمريكان لا يفعلون شيئاً إلا لخدمة أنفسهم.
على ضوء هذه الوقائع والشهادات، يمكن استعادة كل تحركات أردوجان تجاه المنطقة العربية، ومواقفه الإعلامية الزائفة تجاه إسرائيل، وعلاقاته المشبوهة بداعش، ومجمل تحركاته وسياساته التوسعية تجاه المنطقة العربية، تحت غطاء المزيج المرتبك من العثمانية الجديدة والنموذج الإسلامى الديمقراطى المنتحل.