جون أغار طان
وُجدت في أيامنا هذه أعداد كبيرة من حفائر الديناصورات التي تعود إلى ما قبل ملايين السنين. لكن لم يُعثر إلى الآن على أحفورة واحدة للتنين. لأنه وحش خرافي في مخيلة الإنسان. فالكائنات الخيالية تكون مناسبة لتصويرها بالأشكال الغريبة التي تتسبب في شتى أعمال الشر لأنها لاتستطيع التعبير عن نفسها.
وكثيرا ما يتم استخدام رمز التنين السياسي في رسوم الكاريكاتير التي تُستخدم في الحملات الدعائية والمقاومة كي تُفهم بسرعة. ففي هذه الأشكال التنين دائما هو الآخر. وتتحقق مثل هذه الأعمال في أيامنا ضمن نظام الوصاية. كصورة وحش التضخم المالي ووحش المرور . فالوحوش هي المسؤولة الوحيدة عن حوادث السير والتضخم.
وحتى يعلي الإنسان من شأنه يجب أن يثبت نصره على التنين وتفوقه عليه. إن العصور الوسطى تُظهر التنين على أنه مخلوق جني ينشر الرعب والشرور. ففي تلك الحقبة كان على الفرسان والأمراء والملوك والمنقذين أن يقتلوا التنين حتى يكونوا قديسين.
فالخطيب الكبادوكي القديس جورج يذهب إلى مدينة سيلانوس في ليبيا. ويرى هناك أن تنينا شريرا فرض سيطرته على المدينة ويضطر الأهالي لتقديم ضحية إليه كل يوم كي يأمنوا شره. وبعد أن يقدم أبناء وبنات الشعب يتم إرسال ابنة الملك الوحيدة إلى التنين. ولما كان القديس جورج يمر من هناك يستودع نفسه أمانة للإله ويطلق رمحه بشجاعة على التنين. فيسقط التنين أرضا وهو مصاب بجروح بليغة، ثم يجره القديس جورج إلى المدينة، ويخاطب الناس الذين لاذوا بالفرار حين رأوه ومعه التنين: “لا تخافوا لأن الرب قد بعثني إليكم لأخلصكم من أفعال التنين. فإن آمنتم بعيسى وتعمدتم فإني سأقتل التنين”. وعندها تعمد الملك والشعب كله ودخلوا في دين المسيح، استل القديس جورج سيفه وقتل التنين وأصبح حامي المدينة.
وقد استخدمت أساطير التنانين هذه كثيرا بعد عيسى عليه السلام لتنصير الناس أو دعوتهم إلى الدين النصراني وللتوصل إلى درجة القديس أو القديسة. وكان قتل التنين المسيطر على الشعب أقصر طريق بالنسبة للأمراء ليصبحوا ملوكا.
الثوب المفصل لعملية الإدراك
أما التنين في أيامنا هذه بالنسبة للذين يريدون هندسة السياسة في المجتمع عبر منهج الوصاية وسيلة مناسبة ويمكن استخدامها لمن يريد. فالتنين الذي ينفخ النار من فمه هو ثوب مفصل وأحسن وسيلة لعملية الإدراك. فطريق الخلاص الوحيد من التنين في تركيا اليوم هو الوقوف إلى جانب المنقذ. وكان من المفترض أن يتم الحديث عن التنين الذي يمزق كل شيء يلمسه بمخلبه الشبيه بمخلب النمر ويبتلع كل شيء بفمه الممتلئ بأسنان ضخمة، ويحرق كل شيء بالنار التي يتقيأها ويهرب طائرا بأجنحته تاركا الأدلة التي تدينه وراءه وكان من المفترض أن يعلم الشعب المسكين بأن هذا التنين حين يذهب يأخذ معه الشبَّان والشابات يمتص دماءهم والأسوأ أنه يكبل المجتمع بالخراج ويرغمهم على التضحية كل بضعة أيام ببعض الناس وحتى ببعض البنوك. فكان من المفترض أن تنتشر هذه المعلومات ليسود الخوف والاشمئزاز من هذا التنين في المجتمع حتى إذا وصل الخوف إلى مرحلة معينة يظهر المنقذ والمخلِّص ليضرب التنين برمحه حتى يقتله ويصبح بطلا. وهكذا يمكن للبطل أن يتسلم عرش الدولة بعد قتله الوحش في خدره. وبذلك يصل الشعب إلى مرحلة السعادة بمقتل الوحش.
لننظر الآن إلى الجرائم التي اتهم تنين “الكيان الموازي” بارتكابها من خلال عمليات تغيير الإدراك:
السيطرة على جميع القضاة والمدعين العموم.
السيطرة على الشرطة.
السيطرة على جميع قطاعات الدولة.
التعاون مع المخابرات الأمريكية والإسرائيلية.
الوقوف إلى جانب منظمة حزب العمال الكردستاني.
ارتكاب الجرائم الغامضة.
السيطرة على الإعلام.
تنفيذ عمليات 17-25 ديسمبر/كانون الأول (تحقيقات الفساد والرشوة).
الانقلاب على الحكومة المنتخبة والرئيس المنتخب في تركيا.
وضع الأموال في بيوت أبناء الوزراء وعلب الأحذية.
ولم يكتف بذلك كله ونفذ عمليات ضد الجماعات الأخرى.
وبعد كل ما سبق ذكره قد تنصت ذلك التنين ذو الأرواح التسعة والرؤوس السبعة والآذان الإليكترونية الأربعة عشر على ملايين البشر.
ولأنه لا يعرف الشبع أكل كل مواشي البلد فلم يترك للشعب لحما ليستهلكه. وإن لم تتخذ الإجراءات اللازمة فبإمكانه أن يبتلع ما لدى الشعب من الحليب والبيض.
وباختصار فإن هذا التنين كان يحرق كل مؤسسة يتواجد فيها بالنار التي ينفخها من جهة ويهدمها بذيله الشبيه بالمطرقة الذي يحركه يمينا ويسارا في حين غفلة منا فقد خدعنا جميعا!
إذا لم تكن كمية الإدراك الذي تم نفخه في الشعب كافية في مقياس الضغط الهوائي، فذلك يعني الاستمرار في نفخ المزيد منه وتسجيل التنين الموازي في وثائق أمن الدولة كعدو داخلي خطير وتصدر بحقه النشرة الحمراء ليفهم الناس أنه خطر عالمي وليس محلي فقط. كما يتحدث بعضهم عن أن المنقذ تحمل عناء إصدار قانون المخابرات وقانون الاشتباه المعقول ومررها من البرلمان.
وبذلك يتم الاستعداد لدخول وكر التنين لقتله.
من البطولة إلى الملكية
فإذا كان التنين قد حُمل عليه جميع الجرائم بما فيها ما ارتكبه المنقذ نفسه فهذا يعني أنه قد حان الوقت المناسب كي يغرس منقذ البلاد والعباد رمحه في قلب الوحش ليقضي عليه. فبذلك ستكون المساوئ والسيئون كلهم زالوا مع الوحش الافتراضي أو الخرافي. وبما أن التنين قتل فلم يبق هناك أي جريمة أو مجرم. وبالتالي فإن البطل الذي قضى على التنين الخرافي والإبليس المتوطن بداخله، قد استحق الدخول إلى قصره الفاخر حاملا رمحه بيده ليكون رئيسا للدولة. فالمنقذ الذي حمل التنين كل الجرائم التي ارتكبها بالتعاون مع الدولة العميقة، له بعد ذلك أن يصبح ملكا حقيقيا ومتكاملا لأنه تبرأ من جرائمه كلها وما بقي له إلا أن يأخذ الجوهرة التي توجد في جمجمة التنين ويضعها على تاجه!
وهذا الموقف يروى في الأدب في قصص تبدأ بسؤال أي ملك لايفكر في القضاء على المخلوق الأسطوري الذي يبدو وكأن له رؤوسا سبعة وكلما قُطع منها رأس ظهر بدلا عنه رأسان بقطع جميع رؤوسه وطرحه أرضا. وقد انتقد أرسطوطاليس واضع القوانين في اليونان القديم بقوله: “إن من وضع هذه القوانين ليس هو إنسان بل هو تنين وحش”.
ولكن هناك شيئ يُنسى، وهو أن هذه الأمور كانت من ألاعيب القرون الوسطى، أما نحن ففي القرن 21!
فإذا نظرنا إلى ما عشناه إلى اليوم وقرأنا الأحداث من حولنا لعلنا لانخطئ إن استخرجنا منها أن “المنقذ” سيتحدث الناس عنه في المستقبل بطرح المثل الذي يستخدم في التعبير عن مبادرات تبدأ بالأبهة ومظاهر البذخ وينتهي بحالة يُرثى لها في الأخير ألا وهي “بدأ برأس التنين ولكنه انتهى بذيل الكلب”.