بقلم: د.فؤاد البنا (*)
بدأت أمريكا وإيران باكتشاف (القاعدة) كمنجم ضخم؛ لتحقيق أهدافهما اﻻستراتيجية وبعض اﻷهداف المرحلية واﻵنية، وذلك في أفغانستان.
وعندما بدأ تطبيق التجربة جزئياً في عدد من البلدان تأكد الطرفان أنهما بإزاء كنز ﻻ يقدر بثمن، وﻻبد أنهما سيستثمران ما يمكن تسميته ب(خاتم سليمان)، ﻹعادة تشكيل خارطة المنطقة، وتمكين اﻷقليات من شن حروب ضد اﻷكثريات، وﻻسيما اﻷقلية الشيعية التي تمثل زعيمتهم في العالم إيران أحد الطرفين الرئيسين، وﻻبد أن أمريكا لها خططها مع شركائها الغربيين على مدى أطول بجانب خططها مع إيران، والتي تهدف إلى توريط الشيعة في حرب طائفية في المنطقة، تأتي على قدرات الطرفين وﻻسيما الطرف اﻷكبر واﻷخطر على إسرائيل والغرب وهو السنة.
أما الشيعة فبجانب تحالفهم اﻻستراتيجي مع الغرب اﻵن، فلم يثبت تأريخيا أنهم خاضوا أي حرب مع الغرب، فقد كانوا دوماً أعوانا للصليبين ضد السنة، حيث كانوا طابورهم الخامس!
وعندما اتجهت الدولة العثمانية السنية لفتح أوروبا، كانت الدولة الصفوية الشيعية في إيران هي التي أنقذت أوروبا من اجتياح الجيوش العثمانية التي ﻻ تقهر، وذلك عندما قامت بشن الغارة عليها، طاعنة إياها في الظهر غدرا، مما أدى إلى تراجعها لمواجهة الصفويين.
وما يزال صناع اﻻستراتيجية الغربية يحفظون هذا الجميل للشيعة!
وﻷن القوى السنية دائما هي العدو، فيبدو من حقائق الواقع أن قرار ضربها واستئصالها أو تحجيمها على اﻷقل قد اتخذ، وبدأ يدخل طور التنفيذ الفعلي.
وكجزء من استراتيجية حرب اﻷمة ممثلة بأغلبيتها السنية، فقد اخترقت أجهزة استخبارات غربية وإقليمية عديدة ما يسمى بالقاعدة ومسمياتها المختلفة في مختلف بلدان العالم اﻹسلامي، حتى تكون أداة لتشويه السنة، ثم مبرراً للتدخل السياسي والعسكري في بلدانهم، ثم أداة ﻹثارة المعارك التي يرتفع فيها الغبار، وسلاحاً لإشعال الحرائق التي تعلو فيها سحب الدخان، بجانب قصف إعلامي مركز ومدروس ضد الحركات اﻹسلامية السنية؛ لتشويه كل جميل في فكرها وممارساتها، مما يؤدي إلى ربطها في أذهان الناس بجماعات العنف، وفي زحام المعارك وفوضى الحروب، وتحت غطاء غبار القاعدة(الدواعش) وأدخنة الشيعة (النواهش) يتم ضرب الحركات السنية التي تمثل الخطر الحقيقي على الغرب وإسرائيل!!!
في العراق دمروا المقاومة السنية الشريفة والواعية، وأخرج المالكي البغدادي من السجن، وهو لسخرية القدر من آل البيت، كالمالكي؛ ليؤسس دولة الخلافة اﻹسلامية التي ستثير فزع العالم ضمن خطة إعلامية ماكرة ومبرمجة!
وفي سوريا دمروا الجيش السوري الحر، وأفسحوا الطريق لداعش وأمدوها بالمال والسلاح، واشتروا منها النفط، وأسقطت أمريكا مرات عدة أسلحة متطورة فوق داعش بالخطأ كما زعمت الدولة العظمى التي يضرب المثل بها في الدقة، وأعلنت سقوط اﻷسلحة باستحياء بيد داعش بعد أن تسربت الصورة إلى وسائل إعلام محايدة، لكنهم لم يخطؤوا مرة واحدة بإسقاط رصاصة واحدة على الكتائب المعتدلة في أي من دول الربيع العربي المشتعلة، وليعتقد مغفلو داعش الطيبين، والذين ليسوا أعضاء في أجهزة استخبارات معادية، أنها كرامة من الله لهم وأن ملائكة بدر نزلت بلواء دعم جوي لهم دﻻلة على أنهم في الطريق الصحيح، وبذلك أعموا أعينهم عن رؤية المؤامرة وازدادوا عتوا ونفورا!!!!
والسيناريو اليمني سيكون أشد فجاجة مما حدث في العراق وسوريا؛ ﻷن الحوثيين ﻻ يملون حتى في النوم من النعيق بصرخة: الموت ﻷمريكا، في ذات الوقت الذي تكون كتيبة حوثية تتقدم تحت وابل من نيران الطيران اﻷمريكي الذي يقتل القبائل اﻷبية وأنصار الشريعة (النسخة اليمنية الصرفة)، وتوحي اﻻستخبارات الغربية للدولة العميقة المتعاملة معها من زمن، بتسريب أسلحة الجيش وإسقاط معسكراته بطرق ماكرة، لصالح القاعدة التي تمثل الوجه اﻵخر للحوثيين وأضرابهم في سوريا والعراق ولبنان!!!
القصة طويلة وتحتاج إلى تحليل عميق، لكن الذي يقرأ اﻷحداث بشكل كلي، ويعرف ما تستطيع فعله أجهزة اﻻستخبارات الغربية وأذيالها العربيات، وما فعلته من قبل، ويدرك خطورة الربيع العربي اﻻستراتيجية على الغرب، فلن يطرح نفس أسئلة الحيرة كلما حدثت حادثة جديدة، ولن يعيش في نفس الدوامة كل مرة!!!!!
وﻷن القاعدة منجم ضخم ﻷمريكا بنسخها المحلية والدولية، فقد أعلن وزير الدفاع اﻷمريكي أن معركة بلاده مع داعش في العراق وسوريا ستستمر لمدة ثلاثين سنة!!!!!!
طبعاً ﻷن المنجم مليئ بالجواهر واﻷهداف والقوى والقيم الكثيرة التي تريد أمريكا ضربها واجتثاثها، حتى تطمئن على إمبراطوريتها وعلى ربيبتها إسرائيل من أي خطر لعقود عديدة على اﻷقل وحتى ترضي حليفتها اﻻستراتيجية إيران!!!!
* د. فؤاد البنا أستاذ الفكر الإسلامي السياسي بجامعة تعز – اليمن