بقلم: محمود أكبينار
لم تعد أنقرة تطيق أردوغان لأنه يتجاوز دوماً كل صلاحياته بصورة مخالفة للدستور ويتدخّل في كل ما هبّ ودبّ بحيث يتسبّب كل خطاب يلقيه في وقوع حادثة خطيرة تهز البلاد. وإدارة حزب العدالة والتنمية والحكومة على حد سواء مستاءاتان من تصرفات أردوغان هذه. لكن الحزب والحكومة لايستطيعان اتخاذ موقف معارض منه بسبب أنه يسيطر على وسائل الإعلام ويتمتع بتأثير ملحوظ سواء في القاعدة الشعبية للعدالة والتنمية أو التشكيلات الحزبية. ووسائل الإعلام” الفاسدة” هذه تمارس الاغتيال المعنوي ضد كل من يفتح فمه ليتفوه بكلام وتعلنه خائناً.
مع ذلك فإن الجميع يعلم جيداً أنه لايمكن أن تسير البلاد لمدة طويلة مع هذا النهج لأردوغان، ومن المؤكّد أنها ستصطدم يوماً مع جدران الواقع. ولذلك نشهد حراكاً بارزاً داخل العدالة والتنمية وكذلك الحكومة. تتشكّل محاور وفرق جديدة. وإن أكثر من تعجّلوا في هذا المضمار هم الإيرانيون الذين لهم تأثير بالغ في صناعة واتخاذ قرارات السلطة الحاكمة الحالية. ويبدو أن الفريق الإيراني الذي استند إلى أردوغان ومضى يحقّق أهدافه في تركيا حتى اليوم لاحظ أن الأمور تعقّدت ووصلت إلى طريق مسدود، فقرّر تبديل الحصان. إذ نجد أن الإيرانيين يتخذون مواقف جديدة، يأتي في مقدمتهم “كاتم أسرار أروغان” رئيس المخابرات السابق خاقان فيدان الذي يعدّ “الطفل الذكي اللامع” لهذا الفريق و”أخوهم المخضرم” بشير أطالاي. فهم ينزلون من الحصان المرهق الذي يسير في طريقه للانهيار ويبحثون عن أحصنة جديدة ليركبوا عليها في سبيل تحقيق أهدافهم.
الإيرانيون سحقوا أبناء الوطن بقوة السلطة الحاكمة
كان الفريق الإيراني يعتمد على أردوغان حتى اللحظة. ففي حين أن البعض كان يلهث وراء المناقصات والأراضي المربحة وسفن التجارة نجح هؤلاء في فكّ الشفرات الوراثية للدولة التركية واحتلوا مواقع استراتيجية فيها. وفي الوقت ذاته قلَبوا قضية تنظيم السلام والتوحيد الإرهابي التابع لجيش القدس الإيراني رأساً على عقب من جانب، ومن جانب آخر نفوا جميع رجال وقيادات الأمن والقضاة المشرفين على هذه القضية وسحقوهم بقوة السلطة الحاكمة.
أجل نشهد داخل الفريق الإيراني حراكاً وحالة من تغيير سكة قطارهم. ويتمّ تصميم وصناعة مراكز قوى جديدة بعيداً عن أردوغان.
من سيكون في رأس وذيل هذا المحور الجديد أو المحاور الجديدة وبأي نوع من التنسيق سيُعتمد لتشكيل هذه المحاور، لانستطيع أن نعلم. لكن من العبث أن ننتظر من كوادر “الأوليغارشية الإيرانية الضيقة” الذين وصلوا إلى مواقع مؤثرة في الدولة عقب جهودهم المضنية وحققوا مكاسب كبيرة أن يتمسكوا بشخص واحد ويربطوا كل شيئ به، بل من المؤكّد أنهم قد طوّقوا من الآن “الملوك” الجدد.
مخاوف الإيرانيين حول “الحصان” جادة
على الرغم من أن الإيرانيين يعلنون الصهاينة باعتبارهم أعداءً لهم ويذكرون ذلك في أحاديثهم وخطاباتهم دائماً، إلا أنهم يتبعون الطرق ذاتها ويستخدمون الأساليب نفسها معهم. ولاشكّ في أن الإيرانيين سيقفون إلى جانب من هو الأقوى وسيجدون زعيماً جديداً أو زعماء جدداً يتمكنون من التسلل إلى صفوفهم ويستطيعون توجيههم، ويحولونهم إلى” درع” يحميهم ويخفيهم. ولاينبغي أن يكون الزعيم منهم، فإنهم ينظرون لمن يمكن له أن يسيّر أمورهم. وبينما يذوق الزعيم طعم كرسيه ويتلذذ بنعمه ويضيف أموالاً جديدة إلى أمواله من خزانة الدولة يسعى هؤلاء للمضي قدماً في سبيل تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.
وإذا كان الإيرانيون ينزلون من حصان ويبحثون عن جديد فإن ذلك يعني أن مخاوفهم حول الحصان الراهن جادة!