في ديسمبر من كل عام يحتفل العالم بيوم خُصِّصَ للغة العربية. ويتخذ احتفال اللغة العربية في العالم العربي مظاهر كثيرة لا تختلف عن العديد من المؤتمرات السنوية التي تقام في بلادنا بنفس المراسم الرتيبة التي لم تتخللها أفكار وتجديدات الشباب الذين تضيع حقوقهم حتى من مواقف التجديد مع اللغة.
وللحق، هناك مجهودات عظيمة يقوم بها الشباب من أجل نشر ثقافة العربية بينهم، وهناك مبادرات يأخذ أغلبهم على عاتقهم مسؤولية بث روح المتعة في استخدام الحرف العربي والكتابة الصحيحة به والبعد عما قد يشوب اللغة من أخطاء ألحقتها بها الأجهزةُ الإعلامية والثقافية في البلاد العربية.
لكن التيار الأقوى الذي يسير هؤلاء الشباب ضده هو الذي يتصدر المشاهد كافة ويتصدى بقوة للحد من انتشارها والإقلال من قدر المبادرين لإنقاذها. أحد روافد هذا التيار وأكثرهم انتشارًا بيننا هو مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها موقع” فيسبوك” الذي تتواصل من خلاله مستويات مختلفة في العمر والمكانة الاجتماعية والثقافة والاهتمامات. ولا ينكر أحدنا كيف كان لهذا الموقع من نشر هائل لانتهاكات لم تتعرض لها اللغة في تاريخها الذي يربو على الأربعة عشر قرنًا من الزمان.
أحد أهم أسباب انتشار الأخطاء اللغوية، والتي كنا من قبل لا نحسب لها هذا الحسبان حين تأتينا صحيفة مطبوعة بها خطأ نحوي فنلتمس لكاتبها العذر بأن النحو أداة قد لا يتقنها الكثيرون وأن مستوى التردي الملحوظ في التعليم قد أدى لذلك، هو الاستهانة بالخطأ مهما بلغ من البساطة في حين تبلغ مكانة ناقل الخطأ في نفوس الجميع مبلغًا يؤدي بصورة لا إرادية إلى الوثوق في لغته ونقله حتى يصير بمرور اللحظات قاعدة من قواعد الإملاء والنحو والتعبير الأسلوبي ولا نبالغ لو قلنا إن نزاعًا قد ينشب بين ناقلي الخطأ وأحد المشتغلين باللغة العربية والمدافعين عنها بسبب ما تحتله الشخصية التي نشرت هذا الخطأ من الثقة في آرائها في النفوس.
تلك الحرب وهذه الصراعات التي نشهدها قد يباركها تيارٌ آخر من الداعين للتخلي عن الكتابة بالرموز، والذي قد يرى من العبث أن نهاجم الكاتبين بالحرف العربي مع كثرة أخطائهم ولا نهاجم الكاتبين بالرمز الأوروبي. وهنا نجد المجهودات تتشتت فيما بين محاولات استعادة الكتابة بالحرف العربي والاعتزاز به، ومحاولات التجويد والتنقيح للنص المكتوب بالحرف العربي والذي يشوه جماليات اللغة وينأى عن قواعدها كافة.
وما بين احتفال العالم باللغة وإهدار أصحابها لمكانتها تضيع الجهود وتتشتت القوى بين اللسانيين ومستخدمي اللغة منكري حقوقها. وهناك ادعاءات قد تبرر لاستخدام هذه الأخطاء ونشرها وأهمها الكتابة بالعامية.
ويغفل الكثيرون أن العامية هي ابنة الفصحى، فيبادر كل شخص بانفراد خاص بقواعد تتخللها الكثير من الأخطاء معللا بالدفاع عن هذه التشويهات باعتبارها تنتمي إلى العامية التي لا قواعد في كتابتها، وأن الرسالة التي يرسلها القائم بالاتصال تؤدي غرضها مع الجمهور المتلقي. حتى النص القرآني لم يسلم من التشويهات الإملائية والنحوية. ويرجع هذا لمستوى الثقافة الدينية المتردي الذي لا يضع في الاعتبار المستوى الكتابي لرسم المصحف المختلف عن مستوى الكتابة العادية بقواعدها التي بذل فيها النحاة مجهوداتهم وأفنوا أعمارهم من أجل أن تصلنا بهذا الشكل.
ونحن إذ نتهلل باحتفاء العالم بلغتنا وبحرفنا، علينا أن ندرك قدر المجهودات المضنية للتصدي لوقف انتشار الأخطاء اللغوية في الأوساط الاجتماعية على هذه المواقع بالمسؤولية الفردية والجماعية في تحرير الرسائل والنصوص طالت أو قصرت من الشخصيات الاجتماعية ذائعة الصيت على تلك المواقع. ونسأل الله أن يعيننا – معشر الشباب- على تقديم النافع والإخلاص فيه والاستجابة له.