بقلم: أرهان باشيورط
أنقرة (الزمان التركية) – بدأت الأمانة العامة للبرلمان التركي مناقشة مسودة التعديلات الدستورية، لتحويل البلاد إلى النظام الرئاسي، حلم الرئيس رجب طيب أردوغان. إلا أن طبقة عريضة من الشعب التركي لا تعرف ما تنتطوي عليه هذه التعديلات الجديدة، ولا حتى هوية النظام الجديد وتداعياته.
لا يعرف الكثيرون أن التعديلات الجديدة، التي تسمح للرئيس أردوغان بتحويل البلاد إلى نظام رئاسي، لا علاقة له من قريب أو بعيد بالنظام الرئاسي في الولايات المتحدة الأمريكية؛ وإنما هو نظام “الرجل الواحد”، مشابه لأنظمة الشرق الأوسط.
إطلاع المواطنين على الحقائق ضرب من المحال!
بالتأكيد، إطلاع المواطنين على الحقائق ضرب من المحال، في ظل استمرار غلق وسائل الإعلام الحر، واعتقال المفكرين والصحفيين الشجعان القادرين على كشف الحقائق، ومصادرة مؤسسات إعلامية كبيرة مثل “مجموعة دوغان الإعلامية” من خلال الابتزازات.
حتى إن حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذي يسعى لتمرير التعديلات والقوانين القمعية، حظر إذاعة مناقشة البرلمان للتعديلات الدستورية على القناة الخاصة بالبرلمان “Meclis TV”، مستغلا “بلطجة الأغلبية”.
الهدف واضح: وهو أنهم لا يريدون أن يطلع الشعب على ما تحتويه هذه التعديلات من سياسات “ديكتاتورية”، لكي يصوت لصالح التعديلات عند الاستفتاء عليها وسط الحملات الدعائية المضللة والأكاذيب الملمعة.
مغامرة مظلمة محفوفة بالمخاطر
اللعبة أكبر مما تبدو! بدأت المؤامرة بالانتخابات المعادة في 7 يوليو/ تموز الماضي عام 2015، حتى يكون حزب العدالة والتنمية منفردا في الحكم مجددا بعد أن فقده بنجاح حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في الدخول إلى البرلمان بشكل مستقل، ثم أخذت منحى جديدا مع وقوع الانقلاب المسرحي المفبرك في 15 يوليو/ تموز.
فمن يخافون من المحاسبة أمام القانون يجرون البلاد إلى حافة الهاوية بأكاذيبهم وخطتهم المضللة على خطى “هتلر”.
هاهم يغيرون نظام دولة عريقة، من خلال مجموعة من النواب، المسيطر عليهم من قبل أردوغان، بحيث لا يستطيعون استخدام إرادتهم الحرة في عمليات التصويت السرية ويتوجهون لإثبات تصويتهم لصالح التعديلات الدستورية من خلال انتهاك سرية التصويت أمام الكاميرات.
فالدولة تجر إلى مغامرة مظلمة محفوفة بالمخاطر في ظل مساعي عملاء الاستخبارات وعناصر الدولة العميقة.
المعارضة تفيق من غفلتها حديثا
يسعون لسلب مبادئ سيادة القانون، والفصل بين السلطات، وإسقاط “المقصلة” على عنق الديمقراطية بأيدي الشعب…
مع الأسف يفيق حزبا الشعب الجمهوري CHP والشعوب الديمقراطية الكردي HDP مؤخرا على مؤامرة تكميم جميع أفواه المعارضة، من خلال افتراءات وأكاذيب “منظمة فتح الله غولن الإرهابية”، وادعاءات “الكيان الموازي”.
فقد بدأ بدبدأوصف زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو يصف أيضا محاولة الانقلاب في شهر تموز المنصرم بالمحبوكة والمصممة على الفشل تمهيدا لتنفيذ انقلاب حقيقي من خلال قرارات وقانون حالة الطوارئ التي أعلنها أردوغان في 20 تموز.
قلق الأوساط الاقتصادية
ظهرت تداعيات وانعكاسات أهداف تغيير نظام إدارة البلاد جليا على الأوساط الاقتصادية التي أحست بالخطر المحدق بها؛ إذ سجلت الليرة التركية تراجعا كبيرا في قيمتها أمام العملات الأجنبية.
حتى إن وزير العدل بكر بوزداغ الملقب بـ”مهندس المجازر الحقوقية” قال صراحة وعلنا خلال جلسات البرلمان: “إننا نعود لقوانين فترة أتاتورك…”.
قد يبدو الأمر للوهلة الأولى لغير المطلعين على الشأن التركي أن ما قاله الوزير أمر جيد ومقبول، إلا أن ذلك اعتراف صريح منه بأنهم يعودون بالديمقراطية التركية إلى ماقبل 90 عاما!
معنى ومقتضى قوله هو: “إننا نترك المكاسب التي حققتها الديمقراطية التركية خلال السنوات الـ70 الأخيرة”، و”نحن في طريقنا لتحويل البلاد إلى نظام الرجل الواحد”.
أما السبب وراء انعكاس هذه التوترات على الأسواق والأوساط الاقتصادية، فهو إدراكها المبكر لهذه الحقيقة ومحاولة إلقاء المسئولية الاقتصادية لتعديلات النظام على عاتق الشعب التركي.
استعدادات الثورة المضادة
إذا كانت الفترة بين 1924 – 1946 سنوات الثورة والتحول بيد القوة السياسية الغليظة القمعية، كما هو عند الحزب الحاكم وأنصاره فإن أردوغان يعمل حاليا وبالطريقة ذاتها على إحداث الثورة المضادة…
ما نشهده هذه الأيام هو دليل واضح على عمليات تفريغ وتهميش قلب الدولة، والهيكل الداخلي للقوات المسلحة وأجهزة الأمن، وكذلك جميع مؤسسات الدولة، بما فيها الجهاز القضائي والمؤسسات التعليمية، بشكل تدريجي منذ عام 2014.
بدأت المؤامرة في 7 يوليو/ تموز الماضي 2015، ثم أخذت منحنى جديدا مع وقوع الانقلاب المسرحي المفبرك في 15 يوليو/ تموز، حتى وصلت إلى الجزء الأخير منها في 20 نوفمبر/ تشرين الثاني من خلال عملية التصويت على مسودة التعديلات الدستورية.
توقفوا عن خداع الشعب وخداع أنفسكم. وقولوا الحقائق بكل صراحة ووضوح، كما فعل رئيس الوزراء، بن علي يلدريم عندما قال “أطعْ وأنجُ وارتح” في منصة البرلمان!
نعم، نحن الآن نشهد عملية انتقالية إلى نظام “مبايعة” الرجل الواحد غير القابل للسؤال والمحاسبة المتمتع بالصلاحيات الاستثنائية.
على المعارضة التوجه للانتخابات
في حالة فشل الحيلولة دون عرض هذا النظام القمعي المقدم في ثوب النظام الرئاسي على الاستفتاء الشعبي، سيكون أمام حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية داخل البرلمان، خيار واحد فقط؛ وهو الاستقالة وطلب إعلان انتخابات.. بمعنى تقديم تعديلات تغيير النظام إلى موافقة أو رفض الإرادة الشعبية، قبل أن يتم الموافقة عليها بالأمر الواقع.
بالتأكيد، لن تشهد تركيا أي انتخابات عادلة وشفافة بعد استكمال عملية مصادرة وسائل الإعلام الحر، وتكميم أفواه الصحفيين الشجعان، وضرب مبادئ سيادة القانون عرض الحائط، إلا أن البصيرة الشعبية هو الميناء الآمن الذي يمكن اللجوء إليه قبل أن تجر البلاد إلى حافة الهاوية و”يقع الفأس في الرأس”.