د. أحمد فؤاد أنور
دون مواربة وجهت أسرة الشهيد البطل عادل رجائي أصبع الاتهام لأطراف خارجية بعينها ..الجريمة الخسيسة التي استهدفت عميدا حاليا بالجيش المصري ترك منذ سنوات مسئولية هدم الأنفاق بين رفح وقطاع غزة تبرهن على أن المعركة الشاملة المؤجلة منذ عهد مبارك مع الإرهابيين ندفع جميعا ثمنها الآن ، وأن المعركة تتضمن بالطبع بجانب الشق الأمني والمعالجة العسكرية التنمية والتوعية وكشف داعمي الإرهابيين في الخارج ممن يوفرون لهم منصات إعلامية وتمويلا وغطاء سياسي وبالقطع معلومات وربما تخطيط أيضا .
الدعم الخارجي الممتد للإرهابيين ينعكس بالضرورة على تخطيط وأداء الإرهابيين وإن استهدفوا ضحاياهم بغدر وضيع وإن تم إحباط عملياتهم على غرار محاولة اغتيال وزير الداخلية الأسبق محمد إبراهيم والمفتي الأسبق الشيخ على جمعة، وأخيرا المحاولة الفاشلة لاغتيال النائب العام المساعد. والسياسة المصرية تختار وفقا لأولوياتها ومصالح مصر العليا توقيت الرد أو الصدام ونوعه وطبيعته مع أي طرف يدعم الإرهاب ..ومن مظاهر هذا المعركة الدبلوماسية انتزاع مصر منذ أيام في مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي بندا يدين الإرهاب في مصر، وفي المقابل تحفظت على بند يدين جماعة فتح الله كولن لأسباب وصفتها مصر بأنها قانونية كان تستلزم مزيدا من التشاور. والشد والجذب ضد أحلام إحياء الخلافة العثمانية على يد إردوغان كان له مظاهره متمثلا أيضا في تورط عناصر إخوانية مقيمة في تركيا في عملية اغتيال النائب العام الأسبق هشام بركات، وفي المقابل ردت مصر علنا في مجلس الأمن حين عرقلت إصدار قرار يشير –بعد تمثيلية الانقلاب المزعوم في تركيا- إلى أن الحكومة في تركيا “حكومة ديمقراطية”، حيث رفضت مصر أن يقيم مجلس الأمن أداء الحكومة ورأت أن الصيغة من الأفضل أن تتحدث عن “إجراءات ديمقراطية”..وفي المقابل لم يخف إردوغان دعمه لحركة حماس ورفضه ل30 يونيو.
إسرائيل أيضا بوصفها دعمت الإخوان في 30 يونيو -على غرار الموقف الأمريكي البريطاني آنذاك – ولكونها ضليعة في شبكات تجسس عديدة قبل وبعد ثورة يناير ، وفي وقت سابق تورطت في عمليات تخريب إرهابية بشكل مباشر في القاهرة والإسكندرية في الخمسينات والستينات..محل شك سواء بغض الطرف عن التنظيمات العابرة للحدود والتي استخدمت كثيرا شبكات الاتصال الهاتفية الإسرائيلية في ظل قطع شبكات الاتصال عن الشبكات المصرية. وهي أيضا تضع نفسها في موضع الريبة والشك حين تصف مرارا وتكرارا في وسائل إعلامها الإرهابيين في سيناء بأنهم “نشطاء” وهو ما حدث بعد الجريمة الأخيرة ضد العميد عادل حيث نشرت الصحف والمواقع الأكثر انتشارا في إسرائيل أن القوات!! وهو توصيف متعاطف وليس فقط محايد..خاصة حين تسبغه إسرائيل على مرتزقة قتلة في الوقت الذي تطلق على فتيات وصبية يلقون مصرعهم برصاص الاحتلال لمجرد شك جندي إسرائيلي مدجج بالسلاح في نواياهم مصطلح “مخربون”.
وإذا ربطنا هذا بإصرار إسرائيل على التحدث دوما عن سيناء كأنها جزء منفصل عن مصر، حيث يتحدث مسئولون وكتاب مؤثرون دوما عن تحذيرات من “زيارة مصر أو سيناء”!! زادت الشكوك . خاصة وأن المعادلة تغيرت والاختراق بالأنفاق بات أكثر صعوبة وتعقيدا ..وهي الأنفاق التي من المعلوم أنها تنطلق من داخل منزل على الجانب الفلسطيني وتنتهي في أكثر من فتحة ومخرج داخل بيوت أو مناطق مفتوحة على الجانب المصري ويتم تأجيرها باليوم بأرقام فلكية بما يعني أنه مسموح تمرير فيها أي شيء لمن يدفع من إرهابيين لتسليح لذخيرة وصولا لسلع مدعمة وأدوية ومخدرات وتهريب شبكات الدعارة. وتلك الأنفاق اعترف أجانب بالمشاركة في الاستفادة منها بحجة دعم المقاومة الفلسطينية. عمليات التهريب وتضرر شبكات شديدة التعقيد من ضربها والتصدي لها لا يمكن أن تتم بمعزل عن أعين أجهزة حماس الأمنية بوصفها تحصل على إتاوات من مشغلي تلك الأنفاق..وبوصفها تذمرت علنا من قبل من تلك الإجراءات ناهيك عن الاستخبارات الإسرائيلية التي لا يصعب عليها تتبع وسائل الاتصال الإسرائيلية أو دس العملاء من ضعاف النفوس الذين استجابوا للضغوط أو الإغراءات الإسرائيلية خلال سنوات الاعتقال أو العمل اليومي داخل إسرائيل في مجال البناء أو الزراعة!
ونتنياهو نفسه اشتكي من التدخل الخارجي فيما وصفه ب”الشؤون الداخلية لإسرائيل” حيث اتهم منظمات أهلية إسرائيلية بتلقي تمويل يضر بالجيش الإسرائيلي رغم أن التمويل يأتي من الاتحاد الأوروبي ودول صديقة لا تناصب إسرائيل العداء. كما أن الولايات المتحدة أيضا وجهت أصبع اتهام لبوتين بالتدخل في سير الانتخابات الرئاسية المزمع عقدها الشهر القادم..مما يعني أن التخريب واختراق الحواسيب والتجسس والاستعانة بمرتزقة يحملون أسلحة ثقيلة ولا يشتبكون مع إسرائيل أمر غير مستبعد.
إن استهداف مهندس ضرب أنفاق الاختراق الخارجي الشهيد عادل رجائي بعد مرور نحو 4 سنوات على ما أنجزه في رفح ينم عن نجاعة إصرار القوات المسلحة على عدم ترك القطاع الساخن من شمال سيناء مخترقا أمام الأطراف الخارجية مهما كانت التضحيات.
التضحيات الهائلة التي لا يتواني جنودنا البواسل عن تقديمها فداء للوطن تبرز بجلاء إرادة لا تلين ومعدن أصيل وهي في نفس الوقت فرصة للفرز لاستبيان داعمي مصر داخليا وخارجيا من جهة والراغبين في تفتيتها وإنهاكها أو على الأقل إلهائها عن التنمية وعن دورها الإقليمية من جهة أخرى..وهي كذلك فرصة طيبة لكشف الفاسد أو المتواطئ الداخلي للتخلص منه.
المطلوب من الأطراف الخارجية كف الأذى حفظا لمصالحها التي ستتضرر بكل تأكيد شعبيا ورسميا إذا لم تضع نفسها موضع الشبهات، والمطلوب داخليا مزيد من اليقظة واستنهاض الهمم..حفظ الله وطننا منيعا كريما أبيا رغم أنف الخونة.
من موقع الأهرام