تقرير: جمال أدهم
أنقرة (الزمان التركية) – تناول رئيس حزب الوطن التركي اليساري العلماني المتطرف دوغو برينتشاك في مقاله بصحيفة “آيدينليك” النقاشات التي أثارتها عبارات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائه برؤساء المجالس المحلية التي هاجم فيها مصطفى كمال أتاتورك وعصمت إينونو بقوله إن البعض حاول خداعنا بتقديم معاهدة “لوزان” للسلام، الموقعة عام 1923 والتي رسمت بموجبها حدود تركيا الحالية، وكأنها انتصار.
واتهم برينتشاك أردوغان بتقسيم الوطن الذي حرره أتاتورك وإينونو وجلال بايار وفوزي تشاكماك قائلاً: “أنت لا تساوي قلامة ظفر أتاتورك وإينونو وحتى أمريكا لن تستطيع إنقاذك”.
وهذه الانتقادات الشديدة تركت في الأذهان علامات استفهام حول ما إذا كان التحالف الذي عقده قياديو شبكة وعصابة “أرجينيكون” أو الدولة العميقة في تركيا، ومنهم دوغو برينتشاك، عقب ضبط حكومة أردوغان متلبسة بجريمة الفساد والرشوة والإرهاب في 2013، قد وصل إلى نقطة النهاية، وبدؤوا يركزون على أردوغان لكي ينتقموا منه، باعتباره “المسؤول السياسي” الواقف وراء تحقيقات أرجينيكون واعتقال كبار الجنرلات والضباط العسكريين في الفترة الأولى والثانية من حكمه، بعد أن تمكّنوا من تحويله إلى أداة يجرون من خلالها عمليات ضد حركة الخدمة انتهت بإغلاق جميع مؤسساتها التعليمية والخيرية في تركيا.
فضلاً عن ذلك فإن هناك تساؤلات عمّا إذا كان قول برينتشاك الموجه إلى أردوغان “لن يستطيع أحد إنقاذكم حتى الولايات المتحدة الأمريكية” هو بمثابة “إشعال فتيل محاولة الانقلاب الثانية” التي بدأ زعماء أرجينيكون يتحدثون عنها في الفترة الأخيرة، مضلّلين الرأي العام بأن حركة الخدمة هي التي تستعد لهذه المحاولة، كما هي الحال في المحاولة الأولى.
يبدو أن قياديي أرجينيكون اطمأنوا إلى أنهم قضوا تماماً على وجود حركة الخدمة في الداخل التركي، عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة التي دبروها بالتعاون مع أردوغان لكي يتخلصوا من عدوهما المشترك، مع إلقاء هذه الجريمة الشنعاء على الحركة، مع أنها كانت هدفها، ويعتقدون بأن الدور قد حلّ على أردوغان الذي كان صرح بأنه “النائب العام المحقق في قضية أرجينيكون”.
من الممكن أن ينخدع الشعب الساذج بالكيان الموازي (حركة الخدمة) الذي يقدمه أردوغان كمسؤول عن قضية أرجينيكون واعتقال العسكريين في إطارها، ويفسر دعمه السابق لهذه القضية بأنه تعرض لخداع هذا الكيان، لكن يبدو أن عقل أردوغان عجز عن إقناع أعضاء أرجينيكون بطرحه هذا كونهم يتمتعون بعقلية عسكرية لا تنخدع بهذه السهولة.
وكان يوسف كابلان؛ المفكر والكاتب بصحيفة يني شفق، الموالية لأردوغان أشار قبل نحو شهر إلى اقتراب الموجتين الثانية والثالثة لانقلاب الخامس عشر من يوليو/ تموز الماضي، وأضاف “إن الكماليين والفصائل العلمانية التركية هم من سينفذون الهزات الارتدادية للانقلاب. وهذه المرة سيبدأ الكماليون والعلمانيون بمهاجمة كل الجماعات والحركات الدينية دون تمييز بينها. وهذه الموجة بدأت بالفعل بعد ليلة الانقلاب. وفي الموجة الثالثة ستصطدم الجماعات ببعضها البعض وستعمّ الفتنة والفساد في كل مكان. وبهذه الطريقة سينفر المجتمع من الإسلام بسبب النقاشات الحمقاء وسيرتمي في أحضان العلمانية”، مما يحق معه لنا أن نتساءل: هل ياترى سيقدم أردوغان في الأيام القادمة على قول: “أُكلتُ يوم أُكل الثور الأبيض”؟! أم أنه لا يملك هذه الشجاعة على الاعتراف بعد كل ما فعل؟
وفيما يلي أهمّ ما جاء في مقال برينتشاك بعنوان “أنت لاتساوي قلامة ظفر إينونو” الصادر بتاريخ 30 سبتمبر/ أيلول الماضي:
أنتم تقسمون الوطن الذي أنقذه أتاتورك وإينونو وجلال بايار وفوزي تشاكماك.
أنت لا تساوي قلامة ظفرهم.
فهم أسقطوا حكم السلطنة وأسسوا سيادة وهيمنة الشعب.
أنتم أسستم سلطنتكم من خلال عمولات المال الساخن وعمليات نهب البورصة.
هم صنعوا جيشاً منتصراً من جيش مشتت. أما أنتم فأصبحتم أداة بيد الولايات المتحدة لإجراء عملية تصفية جيش الجمهورية.
هم وضعوا الأكياس على رؤوس الجيوش الاستعمارية. أما أنتم فتتجولون بالكيس الذي وضعه المستعمرون الأمريكان على رؤوسكم.
هم دفعوا دولاً كبرى للخضوع لهم في “اتفاقية لوزان”. أما أنتم فانحنيتم أمام دولة كبرى بتوقيع اتفاقية خدمة سرية تتكون من تسع مواد في صفحتين.
هم كانوا أمل كل المظلومين من الجزائر لأفغانستان ومن الهند للصين. أما أنتم فأصبحتم خنجر الصليبي القديم المسموم المغروس في العالم الإسلامي من العراق لأفغانستان ومن ليبيا حتى سوريا.
هم أسسوا دولة أما أنتم فعولمتموها وقضيتم على الدولة التي أسسوها.
هم قاموا بثورة من أجل تركيا الحرة التي لايوجد بها شيوخ ولا مرشدون ولا المنتسبين إليهم. أما أنتم فأصبحتم مريدي شيخ المخابرات المركزية الأمريكية “حكمتيار” وداعماً مستأجراً لشيخ قطر في سوريا.
هم أعادوا إحياء بلد احُتلُّت قلاعه وحصونه وترساناته. أما أنتم فأهديتهم الأجانب ترسانات هذا البلد ومؤسسة البريد والتلغراف وأراضيه وغاباته من خلال عمليات الخصخصة.
هم أسسوا المصانع وأنتم بعتم المصانع التي أسسوها إلى الأجانب.
هم خصصوا كل الغالي والرخيض لجمهورية الأيتام. أما أنتم فأودعتم مملتكات الوطن في بنوك سويسرا السرية.
هم كانوا رجال الدولة أما أنتم فرجال دولة أخرى.
هم كانوا ينفذون مشاريع لمستقبل كبير.أما أنتم فأصبحتم شخصيات ثانوية في مشاريع تنفذها دول أخرى.
هم اشتهروا عالميا بعدم خضوعهم للآخرين.أما أنتم فسلمتم سلطتكم إلى واشنطن واشتهرتم في تقارير ويكيليكس.
هم صنعوا التاريخ. أما أنتم فأصبحتم أداة في تاريخ الشرق الأوسط الدموي الذي صنعته أمريكا.
من أنتم؟ من أنتم كي تتطاولون على أتاتورك وإينونو وجلال بايار وفوزي شاكماك؟ أنتم لا تساوون حتى التراب أسفل أقدامهم. أنتم دخلتم التاريخ كمسؤولي مشروع الحملة الصليبية الأمريكية. ولن تستطيعوا أبدا النجاه بأنفسكم من ذلك التاريخ الدموي المهين. سيلقيكم هذا الشعب في مزبلة التاريخ ولن يستطيع أحد إنقاذكم ولا حتى الولايات المتحدة.