أحمد عابدين
(الزمان التركية)ما نجد التاريخدائما يسطر عصورا وحكاما وحروبا لم نعشها ،ولكن يخطئ المؤرخون أحيانا فيما يكتبون ولهذا لم يكن التاريخ بريئا تماما من بعض السيئات والأخطاء فيما ينقله لنا ، فهناك أشياء لايدخل التاريخ فيها كعنصر أساسي فأنا مقتنع تماما بما نقله القرآن الكريم والسنة من أحداث على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام كما جاء في القرآن الكريم :” وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى” صدق الله العظيم ، من بعض المشكلات التي تشكك البعض في التاريخ ما جاء بعد وفاة سيدنا محمد ، حتي في أقرب وقت بعد وفاته في مبايعة سيدنا أبوبكر الصديق للخلافة وماتبعه من أحداث تحتاج إلى البحث الكثير والدقة ، أنا لا أظلم الشخصية التي سوف أتحدث عنها ولا أنصفها ولكن بالبحث الشخصي وليس البحث البدائي الذي ممكن أن يكون منقولا أو مسموعا أو حتي محرفا في بعض الكتب.
في عصر الخلافة العباسية كلنا نعرف الخليفة أبي جعفر المنصور وكيفية حكمه سأنقل مثالا صغيرا لحدث في عهده ولكن هذا لايسيئ إلى عهده إنما أنت القارئ يجب أن تحكم بالفطنة والدقة والبحث السليم ، كان ابن المقفع أديبا وعالما فى العصر العباسي بل كان أيضا إبن أخ الخليفة أبي جعفر المنصور وكان له كتب تنويرية وتدخل في سياسة الخليفة لكنه كان خائفا على حياته فكتب أمانا لعمه يشترط فيه الوفاء بالعهد والصدق بالذمة إلا أن الحاكم لم يتحمل كاتبا يأخذ عليه أغلظ العهود وأحر المواثيق حتي عرف أن هناك خصما لإبن المقفع هو سفيان بن يزيد الذي ينحدر من أصول فارسية فأغراه به وماكان للعامل الصغير أن يجرؤ على إغتيال أكبر أدباء الدولة إلا بأمر سابق من صاحب الأمر ، هذا حدث صغير في عهد أبي جعفر المنصور وهو جد هارون الرشيد الذي سنتحدث عنه ، ثم بعد وفاة أبي جعفر المنصور انتقل الحكم إلى إبنه المهدي وكان مسالما لدرجة كبيرة وتزوج من جارية فارسية أنجب منها أبا جعفر هارون بن محمد المهدي بن أبي جعفر المنصور ( هارون الرشيد) وفقا لبعض الكتب التي بحثت منها تاريخ الرشيد وبعض المؤلفات الأخري ، كتاب هارون الرشيد ولعبة الأمم للمؤرخ أندريه كلو ، وكتاب جون فليبي الذي أشهر إسلامه وأصبح أسمه عبدالله فليبي والذي كان يلازم الملك عبدالعزيز آل سعود وله كتابان شهيران هما بلاد العرب الوهابية والربع الخالي ، فقد تولي هارون الرشيد الحكم بعد مبايعته وكان له أخ يسمي الهادي لكنه بايع هارون للحكم نجد أن هارون الرشيد كان يصاحب العلماء ويحضر المجالس منذ صغره ولكنه أيضا كان يحب جلسات الزهد والموسيقي وهذه تركيبة غريبة، في بداية حكمه حدث بعض التمرد مثل ثورة مصر عام 793م التي قامت ضد دولة الأدارسة ومؤسسها إدريس بن عبدالله الكامل، وخلافه الشديد مع الدولة الأموية في الأندلس بل قام أيضا بما يسمي حركة تطهيرية من داخل الدولة العباسية حيث بعد وفاة أمه لم تمض أيام حتي قام بالذهاب إلى الحج وعندما أنهي ذهب لمدينة الرقة ومعه جيشه حيث أقام مذبحة لعائلة البرامكة وهي عائلة أمه وترجع أصولها لدولة الفرس حيث قتل منهم بعض الشخصيات المهمة واعتقل الباقي فهم كانوا يتولون بعض المناصب المهمة في حكمه ، ويقال أن الخليفة المأمون إبن هارون عندما تولي الحكم أخرجهم من السجون ورجعوا للمناصب مرة أخري مثل محمد بن يحيي والي البصرة.
عندما نهتم بالشؤون الخارجية في دولة الرشيد نجد أنه كان علي خلاف تام مع الأمويين في الأندلس حيث عقد الرشيد مصالحة مع الفرنجة الذين كان لهم عداء مع البيزنطيين الذين تحالفوا أيضا مع الأمويين ضد الفرنجة والرشيد وكان هناك تقارب كامل بين الرشيد وملك فرنسا شارلمان وكان بينهم الود وإرسال الهدايا والرسائل الأخوية ولكن شارلمان تلقي هزيمة كبيرة من الأمويين في جبال البرنس وكان هارون أدرك وقتها ضرورة المصالحة مع البيزنطيين حيث أجري مصالحة مع الإمبراطورة إيرين وبعد وفاتها تولي وزير المالية نقفور الذي ينحدر من أصول عربية وأعرب عن نقضه للمعاهدة فحاربه هارون الرشيد وانتصر عليه وفرض عليه الجزية.
وفي الحياة العائلية لهارون الرشيد نجد أنه أنجب الكثير من الأبناء وكان أشهرهم الأمين بن زبيدة ، المأمون، والمعتصم واشتد التنافس على خلافة أبيهم بين الأمين والمأمون وكان هارون الرشيد يميل إلى المأمون إلا أنه لم يقدر على الحسم لأن الأمين إبن زبيده وأمه كانت بنت عم هارون الرشيد والمأمون إبن جارية كما كانت العائلة الحاكمة تميل إلي الأمين لأنه من أب وأم من العائلة نفسها، وتوفي هارون الرشيد عندما علم أن هناك تمردا في خراسان بقيادة الأموي رافع بن اليث وكان مريضا وتوفي في مدينة مشهد أو طوس في إيران حاليا ،ومن الجانب الشخصي لهارون الرشيد كما قلت مسبقا تركيبة غريبة ممثلة في حياة متناقضة فهو في بعض الأحيان خليفة مسرف ومترف في حياته ومحب للموسيقي ، وفي الصورة الثانية خليفة قوي يحارب خصومه وغزا البيزنطيين وفرض عليهم الجزية ومحب لمجالسة العلماء.
إن النفس البشرية معقدة وممكن أن تحمل الذاتية المزدوجة لا أستطيع أن أعقد وجه شبه بين هارون الرشيد والحجاج من ساعة في العبادة وساعة في قتل المعارضين وكان النصيب الأكبر من القتل للأمويين ، يمكن لبعض أخطائه أن تتمثل في مبايعة الأمين والمأمون معا أو سحقة للبرامكة فهو عكس جده تماما أبي جعفر المنصور، الرشيد كان يأخذ باليقين عكس المنصور الذي كان يأخذ بالظن والذي يأخذ بالظن لايهمه إنسانا إلا أن يكون الحاكم المطاع.
دولة الرشيد كانت تغزو وتفتح البلاد شرقا للإسلام وفي الناحية الأخري شمال أفريقيا وجنوبها وجنوب أوروبا غربا كان الأمويون أيضا يغزون وكان لهم مكانتهم، لا أستطيع أن أقيد حاكما بأن يسير على طريق واحد فالأخطاء واردة بغض النظر عن الحياة الشخصية التي كانت تحتوي على حياة سليمة وبعض الخروج عنها ، يقال أيضا إن الرشيد لم يشرب الخمر، بل شربه كان لنبيذ التمر على مذهب أهل العراق أنه محلل ولم يكن غارقا في سهرات الجواري ، بل كان يسهر لسماع الموسيقي والمدح ومجالس الشعر، لننظر في الناحية الأخري أنه كان يحج عاما ويغزو عاما، لست مدافعا عن شخص بل الحياة الدنيوية تتحمل الأخطاء، كما يتحمل التاريخ في بعض الأحيان درجات من الأخطاء المدونة، وتشويه رموز وعصور بأكملها، وفي النهاية يحكي التاريخ وأنت تبحث ولك الحكم في الإنصاف أو عدمه.