بقلم / محسن عقيلان
(الزمان التركية) – عدد الكاتب محسن عقيلان الباحث في العلاقات الدولية، عوامل القوة التي قد تدفع إلى استمرار الولايات المتحدة في قيادة العالم، وأشار كذلك إلى أسباب الضعف التي قد تدفعها إلى التراجع وتربص الصين وروسيا بها لحل محلها.
بعد يوم واحد من تنصيب الرئيس الأمريكي رقم 45 دونالد ترامب جرت مظاهرات مناهضة له متنوعة و منفصلة فهناك مظاهرات خاصة بالنساء و لمشاهير هوليوود، وأخرى للأقليات، و للسود واللاتين، فتحت شهية الحركات الانفصالية في أمريكا خاصة في كاليفورنيا وانبرى الكتاب و المحللون في رسم صورة أخرى للمشهد الأمريكي وانقسموا قسمين الأول يقول إن أمريكا في تراجع وآيلة للسقوط والثاني يقول إنها تتربع على عرش العالم وأنا سوف أعطى رأيي من خلال عدة حقائق و معطيات.
أولا: سوف أذكر بعض الشواهد والمؤشرات على أن أمريكا تتربع على عرش العالم على سبيل المثال لا الحصر
1 – أكبر قوة اقتصادية في العالم بناتج محلى إجمالي 17.9 تريليون دولار يأتي بعدها مباشرة الصين 11.4 تريليون دولار.
2 – أكبر قوة عسكرية من حيث عدد الطائرات و حاملاتها و العتاد الحربي ما عدا الأسلحة النووية تتفوق روسيا وعدد الجنود تتفوق الصين.
3 – تمتلك 750 قاعدة عسكرية منتشرة في 130 دولة من غير منافس.
4 – تمتلك 60 شركة من أصل أكبر 200 شركة عابرة للقارات
5 – من الناحية التكنولوجية و عدد الأقمار الصناعية من أصل 1070 قمر صناعي يدور حول الأرض تمتلك 530، وبعدها روسيا 150 قمرا
الآن، وضعنا القارئ في تصور لقوة أمريكا ولكن ما الذي دفع الآخرين من الكتاب بادعاء أنها تتراجع و تنبأ بزوالها هذا كلام سابق لأوانه ولكن سوف نستعين بالمفكرين، ومراكز الدراسات الأمريكية حتى نصل لكلام مقنع نرد به.
أولها ترامب نفسه في كتابه (أمريكا المريضة) قال إنه مصمم على أن تكون بلدنا دولة عظيمة مرة أخرى، وهذا دليل على أنه يشعر في قرارة نفسه أن أمريكا تتراجع هيبتها، الدليل الآخر للبنك الدولي و هو يعتبر مؤسسة دولية تتبع أمريكا، صرح بأن عام 2030 سوف تتخطى الصين الولايات المتحدة اقتصاديا، وذهب صندوق النقد الدولي أبعد من ذلك عندما قال إن الصين هي الأولى اقتصاديا و اعتمدوا على تعادل القوة الشرائية لقياس التوازن بين عملتين مع تحقيق المساواة بينهم في الظروف أي أن عملة الصين اليوان مسعرة حكوميا بقيمة أقل من سعر السوق كسياسة لتشجيع التصدير و الاستثمار و لكن لو قيم الاقتصاد الصيني بالدولار و سعره الحقيقي فالصين الأولى عالميا و الكلام لصندوق النقد و بالانتقال إلى مركز الأبحاث التابع للبنتاغون أصدر دراسة عام 2016 أن الأوضاع الاقتصادية والعسكرية الأمريكية ستتدهور بشدة عام 2035 وأن القوى العالمية ستضع أمريكا خلفها خاصة الصين من الناحية الاقتصادية و روسيا من الناحية العسكرية.
واعترف البنتاغون أن حروب أمريكا في أفغانستان و العراق وليبيا و الصومال و سوريا استهلكت 6000 مليار أي ستة تريليون، ويقول الخبير الأمريكي دانييل ديفز إن أمريكا اختبرت مرتين كقوة عظمى الأولى حينما قامت روسيا بضم شبه جزيرة القرم و لم تكن أمريكا مستعدة أو مؤهلة لأي نوع من المواجهة العسكرية مع روسيا في معركة قد تنتهي بحرب نووية فتراجعت خطوة للوراء، والثانية فوجئ أوباما تماما بالتدخل الروسي في سوريا والكلام على لسان ديفز لدعم بشار الأسد ضد المعارضة المسلحة التي تدعمها أمريكا و تركيا و دول الخليج ويكمل أمريكا هي الأولى بين القوى العالمية اليوم و لكن ليس غدا , و أيضا عالم التاريخ الأمريكي بول كيندي يقول صعود و انهيار الإمبراطوريات الكبرى أخذت تقترب من الولايات المتحدة و بنى كلامه على دخول الإمبراطوريات الكبرى في حروب كبيرة لامتلاك القوة و المكانة يؤدى لاستنزاف مالي و اقتصادي و معنوي تقودها في النهاية إلى الانهيار التدريجي و حتى فرانسيس فوكوياما صاحب كتاب نهاية التاريخ الذي تنبأ بعد سقوط الاتحاد السوفيتي لا يوجد قوة عظمى بعد أمريكا اعتذر و تراجع عن نظريته.
لكن لماذا هذا التشاؤم بأن أمريكا لن تصمد طويلا هل هناك مؤشرات على ذلك نعم يوجد كمثال :
معظم المصانع الأمريكية تم نقلها لدول كثيفة العمالة مثل الصين
اصبح الاقتصاد الأمريكي يعتمد على الخدمات المالية وهذا القطاع في أزمة حاليا.
هناك أكثر من 50 ألف مصنع توقفت عن العمل، يوجد 25 مليون مواطن أمريكي عاطل عن العمل وهذا في فيلم وثائقي بعنوان (بايدى صينية) عرضه بيتر نافارو في 2012.
“انحسار الطبقة الوسطي في المجتمع الأمريكي” للكاتبة اريانا هافنجتون، أمريكا تعتمد الآن على الصناعات التكنولوجية المتقدمة و هذه ذات عمالة خفيفة وتنشيطها لا يؤدى لتشغيل عمالة كثيفة لتفعيل الطلب و حل مشكلة الركود، والقطاع الوحيد الذي اعتنت ولم تفرط به ونمته هو صناعة السلاح وتنشيطه يتطلب خلق حروب مستمرة أي عامل مساعد على الهدم و التراجع أيضا.
لكن من ناحية أخرى ما هي الأساليب التي تتبعها أمريكا لإطالة أمد الهيمنة .
شن حروب على ديكتاتوريات ضعيفة الظهور بمظهر الراعي الأول للديمقراطية كذريعة للتدخل بشؤون الدول بحجة حماية حقوق الإنسان
تسخير ثورة الاتصالات و مواقع التواصل الاجتماعي للتواصل مع الشعوب مباشرة و التلاعب باحتياجاتها .
تهديد دول إقليمية بالحرب دون غزوها لإرهاب الآخرين كمثال إيران و كوريا الشمالية.
انتشار قواعدها العسكرية على مستوى العالم 750 قاعدة منتشرة على 130 دولة عامل آخر لاستنزافها ماليا.
الاستفادة من تسليم الاتحاد الأوروبي ببقائها القوة الأعظم لردع القوى الصاعدة المنافسة والسيطرة الاقتصادية على العالم الثالث وهذه لا تسير بالشكل المطلوب لوجود قوى صاعدة كبيرة مثل روسيا و الصين و الهند … الخ.
تقوية المنظومة الاقتصادية و العسكرية و التكنولوجية و الإعلامية و ربطهم بشبكة المصالح الخارجية وهذه إلى حد الآن تسير بشكل جيد
محاولة السيطرة على الفضاء و على أعماق البحار وأعاليه
السيطرة على البنك الدولي و جعله أداة للسيطرة على الدول المتعثرة
لكن السؤال المهم هل روسيا جاهزة أن تحل مكان أمريكا عسكريا و الصين اقتصاديا في حال تراجعها السريع.
في الواقع التراجع الأمريكى السريع لا يخدم روسيا لأن إمكانياتها الحالية العسكرية تغطى ذلك التراجع لكن اقتصادها لا يدعم انتشارها العسكري، لذلك روسيا تفضل التراجع البطيء و هدر الأصدقاء ببطء ليتناسب مع إمكانياتها الحالية كانتهائها من جورجيا و من ثم أوكرانيا و ضم القرم و بعد ذلك توجهت لسورية لا تستطيع فتح جبهات في آن واحد أما الصين جاهزة لأن تتبوأ مكانة أمريكا من الناحية الاقتصادية لأن ناتجها المحلى الإجمالي 11.4 تريليون وتعانى من تراجع نسبة المبيعات وفي حالة التدهور السريع للاقتصاد الأمريكي تكون البديل العالمي للمنتجات الأمريكية وقد أهداها ترامب أول هدية بانسحابه من اتفاقية التجارة عبر المحيط الهادئ.
والآن وصلنا إلى ترامب هل وجوده عامل قوة أم ضعف الإجابة تكمن في تصريحاته :
عندما هاجم المسلمين ووصفهم بالإرهابيين وتعهد بعدم دخولهم الأراضي الأمريكية ووعده لإسرائيل بنقل السفارة الأمريكية للقدس اغضب مليار ونص مسلم.
عندما هاجم النساء في تصريح مسرب له دفع 2مليون من النساء للتظاهر ضده.
وصفه للمكسيكيين بأنهم لصوص وقتلة ووعد بطرد المهاجرين من بلاده و كاليفورنيا لوحدها بها 3 ملايين مهاجر، ما دفع المواطنين نحو حركة انفصال كاليفورنيا بقيادة توماس مارينيللى المدعوم من روسيا .
تصريحاته ضد الإعلاميين والفنانين جعل مشاهير هوليوود يتظاهرون ضده .
تصريحه ضد الصين بمنع التغلغل التجاري دفع الصين لتحريك منظومة الصواريخ في أقصى حدودها الشمالية الشرقية لتكون في أقرب نقطة من الحدود الأمريكية .
تصريحه ضد حلف الناتو أنه عفا عليه الزمن أثار الشك و الريبة عند دول الحلف مما هو قادم.
تصريحات ترامب لا تحتاج تعليق ولكن بعد كل هذه الحقائق و الأرقام نصل إلى حقيقة مفادها أن أمريكا ما زالت تتربع على عرش العالم و سوف اقتبس جملة من مقالة سابقة لي بعنوان المارد الأمريكي بين المستحيل و الرحيل وأنهيتها بان أمريكا بين استحالة أن تظل محافظة على تفوقها و بين العمل على تهيئة نفسها لترك عرش العالم أي أن الرحيل لا مفر منه لأن القاعدة الوحيدة الثابتة في هذا العالم هو التغير وبناء عليها أمريكا هي الأقوى اليوم و ليس غدا .