أنقرة (الزمان التركية): أعرب محمد أغار، أحد الأسماء التي ترد على الأذهان فور ذكر “الدولة العميقة” في تركيا، والذي سبق أن شغل منصب وزير الداخلية قبل حكومات حزب العدالة والتنمية في تسعينيات القرن الماضي، عن سعادته بالأحداث الجارية في تركيا قائلًا: “أرى في الآونة الأخيرة حملة إعادة تشكيل أجهزة الأمن على غرار ما كان في عهدنا”.
وبعد يومين فقط من هذ التصريحات التي أدلى بها أغار أمام في لجنة التحقيق البرلمانية في المحاولة الانقلابية أفرج عن الشخص الذي حاول اغتيال رئيس تحرير صحيفة “جمهوريت” السابق جان دوندار لنشره أخباراً معارضة لحزب العدالة والتنمية الحاكم. وفي مساء اليوم نفسه شنّ الهجوم بصحبة تكبيرات على مؤتمرٍ شارك فيه نائب حزب الشعب الجمهوري المعارض أرن أردم.
جيش “كتيبة العدالة والتنمية” المسلح
أول من أشار ولفت الانتباه إلى عملية تسليح شريحةٍ من الشعب وتحويلها إلى ميليشيات هو نائب في صفوف المعارضة. فنائب حزب الشعب الجمهوري المعارض جورسال تكين لفت الأنظار بالأرقام إلى الزيادة المقلقة في معدلات التسلح الفردي عقب الخامس عشر من يوليو/ تموز الماضي، إذ أظهرت تلك المعطيات زيادة غير مسبوقة بهذا الصدد.
وخلال السنوات الأربع الأخيرة أصدرت تراخيص حمل سلاح إلى 8 ملايين شخص، ما يعني أنه تم تسليح أكثر من 10 في المئة من الشعب في غضون بضع سنوات. وبالنظر إلى النسب يتبين أن أعداد حاملي تراخيص السلاح تزايد خلال السنوات الأربع الأخيرة بنسبة 50 في المئة لتصل إلى 25 مليون شخص.
كان كبير مستشاري أردوغان يغيت بولوت هو أول من أطلق دعوات تسليح أعضاء الحزب، وذلك خلال برنامج تلفزيوني على قناة تي آر تي الرسمية في العشرين من مايو عام 2015، حيث قال بولوت حينها: “أمتلك مسدسين ومئات الطلقات. لهذا لن يستطيع أحد أن يمسّ أردوغان وأنا على قيد الحياة”.
وزير الداخلية: سنزوّد السياسيين بالأسلحة
ومع تصاعد دعوات أنصار العدالة والتنمية الحاكم والرئيس أردوغان للتسلّح عبر مواقع التواصل الاجتماعي، صرّح وزير الداخلية سليمان صويلو، المقرب من محمد أغار، بأنه سيتم تسليح السياسيين في جنوب شرق تركيا، على الرغم من وجود قوات الأمن.
ففي كلمته خلال معسكر الحزب في مدينة أفيونالأسبوع المماضي، أشار صويلو إلى مهاجمة التنظيمات الإرهابية للشخصيات السياسية في شرق وجنوب شرق تركيا قائلاً: “سنمنح تراخيص حمل السلاح إلى مسؤولي الأحزاب السياسية كافة وسنمنحهم أيضًا قوات حراسة شخصية ومرافقة أمنية. سنؤمنهم بالأسلحة بعيدة المدى”.
والٍ يتعهد بتسليح الشعب
كما صدرت تصريحات صارخة بشأن تسليح العدالة والتنمية للشعب في إطار خطة معينة عن أردوغان بكتاش، والي مدينة ريزا، مسقط رأس الرئيس رجب طيب أردوغان.إذ صرّح بأنهم بدأوا بإصدار تراخيص حمل السلاح شريطة التبرع لجمعية “اتحاد خدمات القرى” التابعة للبلدية.
كما أشار بكتاش إلى تلقيهم طلبات كثيفة للحصول على تراخيص حمل السلاح قائلاً: “في غضون ثلاثة أشهر أصدرنا داخل ريزا تراخيص سلاح تعادل خمسة أضعاف تراخيص السلاح التي أصدرتها بمدينة مانيسا على مدار عامين”.
وواصل بكتاش حديثه حول منح السلاح إلى شريحة معينة من الشعب مباشرة بقوله: “إن وقعت محاولة انقلابية أخرى فسأمنحكم أنا السلاح بنفسي”.
السجون هي الهدف الأول لعملية قتل جماعي محتملة
لايخجل ولا يخاف متعصبو حزب العدالة والتنمية من الحديث بصورة صارخة عن ضرورة الاستعداد لإعدام أنصار حركة الخدمة، التي يعتبرونها مسؤولة عن الانقلاب الفاشل، إعدامًا جماعيًا، حيث يخططون لقتل أكثر من 30 ألف معتقل جماعياً، كما أعلن ذلك عناصر الجيش الإلكتروني التابع لأردوغان عبر حساباتهم في الإعلام الاجتماعي.
ويدور الحديث علانية عن إعدام كل عناصر الخدمة الموجودين داخل السجون، ومن ثم تنفيذ عملية تطهير داخلية ستطال قطاعاً واسعاً من المجتمع أيضًا. لكن يبدو أن هذه المرة لن تُدار المرحلة بثلاثية “الاعتقال- الحبس –التعذيب” بل ستُدار مباشرة بآلية “القتل”.
أحد التغريدات المثيرة للرعب التي نُشرت خلال الأيام الماضية كانت تغريدة نُشرت من حساب أحد أنصار أردوغان يحمل اسم @ustunn_ahmet وكان مفادها “لابد من اتخاذ الإجراءات اللازمة لقتل أعضاء حركة الخدمة الموجودين داخل السجون لحظة وقوع محاولة انقلابية جديدة. أولا يجب ألاتضم السجون التي يوجد بها أعضاء حركة الخدمة مساجين آخرين. ولابد من وضع فرق الإعدام الخاصة هناك”.
ويقول الاسم ذاته “لكي يمكن قتْلُ جميع المعتقلين المنتمين إلى منظمة فتح الله كولن “الإرهابية” فورًا، في أثناء محاولة الانقلاب الثانية، لا بد من اتخاذ التدابير الضرورية. قبل كل شيء، يجب عزل المحكومين الآخرين من المعتقلين التابعين لمنظمة فتح الله كولن، ونشر فريق اغتيال من القوات الخاصة في هذه السجون. ينبغي أن يعلم المحكومون من هذه المنظمة ومن يحاولون تهريبهم من السجون أنه لن يخرج منها سوى أجسادهم الهامدة. ويجب عزْلُ حراس السجون من أسلحتهم، وجمعُ كل العسكريين والشرطيين والقضاة من المنظمة في سجنين اثنين، وتزويد قوات الشرطة الخاصة بصلاحية القتل دون قيد أو شرط.
بينما يأتي “فاتح تزجان” الصحفي الشهير بأخباره المفبركة وشتائمه البذيئة في مقدمة المتحدثين عن “خطة القتل والاغتيال” هذه، كما كان تصدَّر الأسماء التي أخبرت بمحاولة الانقلاب الأولى، حيث يقول: “أقول كأحد أبناء هذا الوطن: قسماً بالله القهار! فإن ما حدث في ليلة الانقلاب الفاشل سيتكرر مجدداً، لكن لن تكون هذه المرة تلك الرحمة التي أبديناها لهم في هذه الليلة”، على حد قوله.
وتولى الإعلام الموالي لأردوغان مهمة تمهيد الطريق وإعداد الرأي العام لتنفيذ مثل هذه الخطة التي تقشعر لها الأبدان. فقد نشر أخبارًا تزعم حصول السلطات داخل فتحات تهوية السجون على ملاحظات مكتوبة على الورق تشير إلى استعداد أعضاء حركة الخدمة للتمرد والعصيان والفرار، من دون أن يكون هناك أي معلومات عن اسم أو أسماء من كتبوها وهل تم تحرير محضر في هذا الصدد أو تقرير جنائي رسمي، مع أن إدارة السجون لو كانت شيئاً من هذا القبيل حقاً لكشف عن ذلك بسهولة، ذلك لأنها تحوز البصمات وخط اليد لجميع المسجونين، الأمر الذي يدل على أن ذلك ما هو إلا سيناريو وهمي يسعى لإضفاء الشرعية على القتل الجماعي الذي يخططون لتنفيذه بحجة وجود عملية فرار.
احتمالية انطلاق شرارة المذبحة من سجن سيليفري
كُلفت فرق القوات الخاصة بالعمل على مدار 24 ساعة بحجة التصدي لأي حالات تمرد أو هروب يقبل عليها الآلاف من أنصار حركة الخدمة المعتقلين داخل سجن سيليفري في إسطنبول حيث يضمّ آلافًا من الناس، بينهم قضاة ومدعون عموم ورجال الشرطة وعسكريون وموظفون حكوميون اعتقلوا بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة والمشاركة في الانقلاب الفاشل مع غياب أي دليل على هذا المدعى. والمثير في الأمر هو تكليف “القوات الخاصة” بحراسة سجن سيليفري بحجة التمرد والهروب.
أردوغان لمليشياته: انتظروا تعليماتي
الأشخاص الذين يطلق عليهم أنصارُ الحزب “كتيبة العدالة والتنمية” ويحظون بكل أشكال التسهيلات في الحصول على تراخيص الأسلحة يكتفون في الوقت الراهن بإطلاق الأعيرة النارية في الهواء في كل حي خلال ساعات الليل.
أما موعد تحرك هؤلاء فيكمن في عبارات رجب طيب أردوغان؛ فخلال اللقاء الجماهيري الذي عقده في مدينة كونيا “المحافظة” والمعروفة بأنها “قلعة حزب العدالة والتنمية الحاكم” قال أردوغان علانية: “إنكم تتدفقون إلى الشوارع مع كل حادثة تقع، سواء كانت صغيرة أو كبيرة. يجب عليكم أن تنتظروا تعليماتي. انتظروا التعليمات مني”.
https://youtu.be/FO1BFYDaHSE