أنقرة (الزمان التركية) – جدد دوغو برينشاك، رئيس حزب الوطن التركي اليساري المتطرف وأحد قيادات تنظيم “أرجنكون”، تأكيده بأن حزب العدالة والتنمية الحاكم انضم إلى صفوفهم وتبنى برنامج حزبهم.
وفي إجابته عن سؤال حول سبب دعم حزبه، الذي لا تتجاوز نسبة دعم الشعب له 2 %، إلا أنه يتمتع بنفوذ قوي في أجهزة الدولة، لحكومة العدالة والتنمية عقب الخامس عشر من يوليو الماضي، ثم عودته مجددًا إلى صفّ المعارضين فيما بعد، خلال لقائه مع وكالة أنباء “تسنيم” الإيرانية، ذكر برينتشيك أن حزبه لا يزال يتبنى ببرنامجه القديم ويلتزم موقفه السابق، وأنهم لم يتقربوا لحزب العدالة والتنمية ولم يدعموه، بل هو من تبنى مشاريعهم قائلا “المسألة هي أن العدالة والتنمية تصدّى لتنظيم العمال الكردستاني الإرهابي بالسلاح بدلاً من السلام، وهذا هو برنامج حزبنا، أي أن العدالة والتنمية طبق برنامج حزبنا، فهل سنتخلى عن برنامجنا الآن؟، نتصدى لحركة الخدمة منذ 40 عاما، والعدالة والتنمية بدأ ينفذ هذا البرنامج مؤخرا، فهل سنتخلى عن برنامجنا؟، نطالب بالصداقة مع روسيا وإيران، وهذا ما حققه العدالة والتنمية حالياً، فهل ينبغي لنا أن نتراجع عن برنامجنا؟ وقع الانقلاب، وتولينا مهمة محورية فيه، لولانا لنجح الانقلاب، قادة حزب العدالة والتنمية يلدرم وأردوغان يعلمون هذا، نحن نقوم بما يتطلبه من برنامجنا، فنحن لا نتقرب للعدالة والتنمية ولا نبتعد عنه، لا زلنا نقف في الموقف الذي كنا نقف فيه أمس”.
يُذكر أن برينشاك – رئيس حزب العمال الذي تغير اسمه إلى حزب الوطن والمعروف بهويته الأتاتوركية واليسارية والقومية قد أدلى بتصريح عقب كشف صور له أثناء اجتماعه مع زعيم العمال الكردستاني الإرهابي أوجلان في قنديلي ذكر خلاله أنه التقى به بصفته صحفيا.
وخلال مشاركته في برنامج على قناة Ulusal TV في ديسمبر الماضي قال إن تركيا ستشتعل في مارس المقبل، ردا منه على ضيف البرنامج الذي أعلن حينها أن تركيا قد تتجه لاستفتاء على الرئاسة في شهر مارس القادم.
وكان برينتشيك قد أعلن أن العدالة والتنمية سيشن حملة على أنصار حركة الخدمة في صفوفه، مفيدا أن استهداف العدالة والتنمية لنفسه ليس أمرا سهلا.
وأوضح برينتشيك أن الحزب توجّه جزئيا إلى البلديات وتم حبس عدد من إداريي الحزب، مشيرا إلى أن الحزب يعي هذا الأمر جيدا وأن الدور سيحل عليهم.
من هو دوغو برنتشيك؟
دوغو برنتشيك لا يتبنى فكرًا معينًا ثابتًا وإنما يروج لأي فكر مهما كان بحسب الظروف، فهو كان ماركسيًّا لينينيًّا ماويًّا في سبعينات القرن الماضي، وداعمًا للزعيم الإرهابي عبد الله أوجلان وحزب العمال الكردستاني في الثمانينيات، وقوميًّا علمانيًّا متطرفًا بعد التسعينيات.
عرف منذ القدم بعلاقاته مع بعض البؤر العميقة في الدولة التركية وجهاز المخابرات، وبتأثيره العميق في الأحداث ومسار الحكومات واتجاهاتها، وحكم عليه في إطار قضية “تنظيم أرجنكون” المسمى في تركيا بالدولة العميقة، مع نحو 400 شخص ما بين عسكري ومدني، بمن فيهم رئيس الأركان العامة آنذاك إلكار باشبوغ.
وفي أثناء تحقيقات الفساد الشهيرة انتشرت عشرات التسجيلات الصوتية والمصورة “غير القانونية” التي تكشف تورط أردوغان ونجله ودائرته الضيقة في الفساد والممارسات غير القانونية، إلى جانب التسجيلات القانونية / الرسمية للسلطات الأمنية عام 2013، ادعى أردوغان حينها أن حركة الخدمة هي التي تنصتت على مكالماته ونشرت هذه التسجيلات بعد تزويرها وفبركتها.
وشكل هذا الادعاء أساس كل اتهامات أردوغان ضد حركة الخدمة فيما بعد، إلا أن موقع ”الزمان التركية” نشر مؤخرًا فيديو مدبلج إلى العربية أزاح الستار عن حقيقة هذا الأمر، حيث يعترف فيه دوغو برنتشيك بشكل علني بأنه من تنصت على مكالمات أردوغان ونشر التسجيلات الصوتية التي حصلت عليها بتنصتات غير قانونية، فضلاً عن أنه لا يزال بحوزته كثير من تلك التسجيلات الصوتية والمصورة، وغني عن البيان أنه يستخدم هذه التسجيلات للضغط والابتزاز!.
واضطر أردوغان إلى الإفراج عن برينتشيك مع مئات الشخصيات المدنية والعسكرية المحكوم عليها في إطار قضية أرجنكون 2014 بعد ظهور فساد حكومته، والتحالف معه في تنفيذ “خطة القضاء على حركة الخدمة” التي أعلن برينتشيك مرارًا أنه من وضع هذه الخطة وليس أردوغان.
وكان برينتشيك صرخ في وجه الكاميرات عقب خروجه من السجن قائلاً: “سيرى الجميع أننا سنقتلع قريبًا جذور هادمي الجمهورية التركية، بمن فيهم الرئيس أردوغان و(الرئيس السابق) عبد الله جول وفتح الله كولن وكل الجماعات الإسلامية”.
وقال خلال حوار تليفزيوني على قناة “Akit Tv” المقربة من أردوغان “إن مشروع القضاء على حركة الخدمة لم يضعه أردوغان، بل نحن من وضعناه وهو ينفذه، لم نكن نحن من ذهب إليه، بل هو من جاء إلينا، لقد أوكلوا إليه مهمة القضاء على الثورة “الكمالية” في تركيا؛ إلا أنه ارتمى في أحضان الفكر الكمالي”، على حد قوله.
هناك علامات تدل على أن التحالف المؤقت بين برينتشيك وأردوغان منذ عام 2013 وصل إلى نهايته مؤخرًا، وأن السيوف قد استلت من أغمادها فعلا بين الطرفين، وأخذا يتوجسان الخيفة من بعضهما البعض، ويتجهز كل للآخر. والحقيقة أن دوغو برنتشيك رفع برينتشيك مؤخرا من سقف تهديداته لأردوغان إذ زعم “أن تركيا ستشتعل نارا في شهر مارس المقبل!”، حيث من المنتظر التوجه للاستفتاء الدستوري في شهر نيسان المقبل، أما أردوغان فلا يقف مكتوف الأيدي إزاء تهديدات برينتشيك، بل بدأ يكشر عن أنيابه من حين لآخر، حيث أجل مرتين القرار الأخير المنتظر صدوره من المحكمة العليا لكي يحسم ما إذا كان تنظيم أرجنكون إرهابيا أم لا.
بالإضافة إلى أن عديدا من الكتاب الموالين بدأوا يصفونه بـ”الإرهابي” مجددا بعد أن نفوه عنه وزعموا أن حركة الخدمة هي من نصبت فخا للجيش التركي ولفقت جرائم له من أجل الزج بالقياديين العسكريين إلى السجن بعد بدء ظهور فضائح الفساد والرشوة، كما أنه ليس من الصدفة أن تستهدف الهجمات الإرهابية التي تنفذها المجموعات الراديكالية من أمثال داعش الأوساط العلمانية في تركيا، كما حدث في هجوم ملهى رينا الليلي.
تركيا فوق صفيح ساخن أو أمام سلاح ذي حدين، سواء كان فاز أردوغان بالاستفتاء الدستوري أو خسره، فإذا فاز أردوغان وتمكن من السيطرة على كل شيء في البلاد سيتوجه لتصفية العناصر العلمانية التي تعتبر نفسها صاحبة “الجمهورية التركية الحديثة”، خاصة تلك التي في المؤسسة العسكرية، وتعيين عناصر الجماعات الراديكالية الموالية له، وإن خسر فبأغلب الاحتمال أن مجموعة أرجنكون سيسعى إلى زعزعة شرعية “أردوغان”، وقد يصل الأمر إلى تنفيذ انقلاب حقيقي ضد أردوغان، نظرا لأن الطرفين لا يثقان في بعضهما البعض، ويعلمان حتما “المواجهة الضرورية” بينهما سواء في حالة رفض النظام الرئاسي أو قبوله.
بناء على ذلك، فإنه من الممكن أن يوظف فريق أرجنكون كل الإمكانيات والوسائل التي يحوزونها في إشعال فتيل الفوضى في جميع أنحاء تركيا حتى موعد الاستفتاء الشعبي على النظام الرئاسي.
ومن المحتمل أن يحرقوا البلاد فعلا كما أعلنوا صراحة، ويرتكبوا اغتيالات سياسية لإحداث الاضطراب والبلبلة في كل مكان كما سبق أن فعلوا في الفترات الماضية.
وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن سجلات المحكمة التركية المكلفة بالنظر في قضية أرجنكون تصف برينتشيك، بـ”fabricator”، أي “صانع أحداث مزورة لإثارة الفوضى والبلبلة في البلد الذي يعيش فيه لصالح دولة أخرى”.