بقلم: صالح تاريخ Salih Tarih (*) – أشرق نجم دولة العثمانيين من قلب الدولة البيزنطية وتحولت من مجرد لواء صغير إلى إمبراطورية تشيب لها الرؤوس؛ هل يا تُرى كانت سيوفهم حادة جارحة أم كانت صدورهم رحبة ومليئة بالرحمة؟
مصير المعمور في رحاب المظلوم…
وضع العثمانيون نصب أعينهم غايتهم في توحيد صفوف وطاقات ألوية وقبائل الأناضول، دون أن يبالوا بضعف قواهم العسكرية وتاريخ الإمبراطورية البيزنطية العريق، واختاروا قلعة روملي حصار. كان هذا الخيار نقطة انكسار الإمبراطورية البيزنطية التى انقلبت الطاولة عندها رأسا على عقب وتغير عندها التاريخ.
سلكت اللواءات في عصر بزوغها سياسات فتح بحد السيف في وجه جيوش الأعداء من ناحية “الغزو” ومن ناحية أخرى استعانوا بطرق الاستمالة واسترقاق القلوب لتحقيق مكاسب وفتوحات معنوية. فكانوا يرفعون السيف معلنين الجهاد الذي أمر به الإسلام، وفي اليد الثانية قدموا الزهور والورد للشعوب البريئة لإعلاء معاني التسامح في الإسلام. وكان مبدأ ” مصير المعمور في رحاب الظلم الخراب” أحد أهم العناصر التي أسهم في تحديد حدود فتح العثمانيين.
هل فتح الأرض والبلدان أسهل أم فتح القلوب والأفئدة؟
على عكس ما أشيع أو عرف، لم يجبر فرد دخل أراضيه الفتح العثماني، على دخول الإسلام عنوةً بحدِ السيفِ؛ فمن دخلوا الإسلام جبرًا وليس طواعيةً من الجالية العثمانية لا يمكن اعتبارهم مسلمين حقًا. وكانت غايتهم حماية المدنيين ومتابعة أحوالهم، وتعمير مدنهم وقراهم، وتذليل العقبات أمام مكاسبهم وتجارتهم، وإظهار محاسن الإسلام. ومع السير على خطى رسول الله محمد (صلى الله عليه وسلم) بدأت أمواج غير المسلمين تتوالى تجاه شط الإسلام، طواعيةً. اليوم نجد أهِلةَّ الإسلام لامعة في أفئدة أحفاد مسلمي الدولة العثمانية في دولٍ مثل البوسنة والهرسك وألبانيا ومقدونيا. وفي تلك البلدان نجحت بعض المعالم الأثرية القليلة –إن لم تكن نادرة- في البقاء إلى يومنا هذا.
الهجرة: ملحمة التضحية
يقال: “إن الأبطال لا يموتون في مكان مولدهم”. وتنطبق هذه المقولة على أغلب أشهر أمراء وسلاطين الدولة العثمانية. واحتدمت الحاجة إلى هجرة بعض العائلات من الأناضول إلى أماكن الفتح، من أجل استمرار مسيرة الفتح. خرجت الجنود تاركة أراضيها وذهبوا إلى أراضي وجغرافيا لا يعرفونها، لتكون شواهد القبور في أراضي الفتح كأختام على سندات ملكية تلك الأراضي. كما يجب تسليط الضوء على أن تأسيس الدولة العثمانية وبزوغها لم ولن يكون بقوة السلاح والزحف العسكري.
الأسرار العسكرية لعثمان غازي
لم يقتصر نجاح عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية على النجاح الذي حققه في وجه قساوسة المسيحية البيزنطية، وإنما نجح في توحيد الجنود والجيوش المختلفة تحت راية واحدة وهدفٍ واحد؛ وقد لعبت مبادئ الجهاد والمسامحة وقبول الآخر والحوار دورًا كبيرًا في ذلك. وأقاموا نظامًا متكاملًا يحمل السيف من جانب، وعقد الاتفاقات والمعيشة مع الآخر على أرضٍ واحدة.
ميراث عثمان غازي
عندما وافت عثمان غازي المنية ترك وراءه بعض الأمتار من القماش للعمامة، وطاقما من الدرع، وجعبة، وثوبا، وملَّاحة، وملعقة، وحذاء، ومسبحة ذات أحجار ضخمة، وسيفا ودرعا، ورمحا، وعددا من الخيول، وعددا من الأغنام كانت لضيافة الضيوف. هذه الموروثات تكشف كيف كانت حياة رجل الدولة.
هل حصل عثمان غازي على عوائد من الصليبيين؟
في بداية الحملات الصليبية التي بدأت نتيجة الانزعاج من تواجد الأتراك المسلمين على الأراضي البيزنطية في شرق روما؛ استولى الصليبيون الذين كانوا كأسراب الجراد التي تقضي على الأخضر واليابس، على مدينة إزنيك التي اتخذها السلاجقة عاصمة لهم في الأناضول.
وفي عام 1300 أراد عثمان غازي تحقيق نجاحات أمام الحملة الصليبية الأولى التي استولت على الأراضي التركية الإسلامية في إزنيك بعد أن بدأ حصارها. وفي عام 1302، في معركة كويون حصار؛ وبالرغم من انتصار عثمان غازي في المعركة إلا أنه عجز عن استعادة إزنيك. ولم تشأ الأقدار أن يرى عثمان غازي استعادة إزنيك، حتى سقطت عام 1329 على يد السلاجقة، ودخلت المدينة في التاريخ على أنها أطول مدينة قاومت الحصار 29 عامًا.
هل تعرف هذه المعلومات؟
* أن أول ستة أمراء عثمانيين دفنوا في مدينة بورصا
* لا توجد مقبرة للأمراء العثمانيين في مدينة أدرنة التي كانت تمثل عاصمة الدولة العثمانية.
* لم تحرص ألوية أبناء عثمان على تسجيل الفعاليات والأنشطة والتحركات التي يقومون بها، لأنهم لم يكونوا يعرفون أنهم سيشيدون ويؤسسون دولة كبيرة في المستقبل؛ لذلك وصلت إلينا معلومات وبيانات قليلة ومحدودة.
* أن الدولة العثمانية أسست عام 1299، وانهارت عام 1922، وأن التاريخين يحملان الأرقام نفسها.
(*) كاتب بجريدة الزمان التركية