أنقرة (الزمان التركية) – وصل عدد السيدات المعتقلات داخل السجون التركية بموجب حالة الطوارئ بحجة تورطهم في محاولة الانقلاب الفاشلة إلى نحو 17 ألف سيدة، يحتفلن هذه الأيام بعيد الأم بعيدًا عن أطفالهن وأبنائهن.
لا تقتصر المشكلة على مرارة هذا اليوم _ الذي من المفترض أنه يحمل الفرح_ في ظلمة الأيام التي تقضيها الأمهات داخل قضبان الزنازين، وإنما في فصلهن عن أبنائهن وإلقائهن في السجون بشكلٍ تعسفي مخالف للقانون، بالرغم من أن منهن مرضعات وأخريات مريضات يصارعن المرض.
– أمٌ تفقد صوابها بعد أن ابتعدت عن أطفالها الثلاثة
ألقت قوات الأمن القبض على المعلمة “ت. ي.” وزوجها “ك.ي.” في شهر يناير/ كانون الثاني الماضي، تاركين خلفهما ثلاثة أطفال. تدهورت حالتها الصحية والنفسية خلال فترة استجوابها داخل مديرية الأمن، بسبب التهم الملفقة لها والتعذيب والضغط النفسي الذي تعرضت له، حتى أصبحت عاجزة عن تناول الطعام أو حتى الكلام. وبعد 20 يومًا من الاحتجاز، صدرت في حقها مذكرة اعتقال.
إلا أن الأمر لم يكن بالهين بالنسبة لأمٍ سلبت منها حريتها وحياتها وسط أطفالها الثلاثة الذين تبلغ أعمارهم 10 و11 و14 عامًا فقط، فبدأت تعاني من مشكلات نفسية. ومع عمليات التعذيب وما شهدته أثناء الاحتجاز، أصبحت لا تأكل ولا تشرب شيئًا خوفًا من أن تتعرض للتسمم، وسط صمتٍ مخيف من إدارة السجن.
ونقلت السيدة إلى مستشفى الأمراض النفسية والعصبية في اليوم نفسه الذي من المقرر أن ترى فيه أطفالها. ظلت تحت الرعاية الصحية لمدة ثلاثة أشهر متواصلة ثم نقلت مرة أخرى إلى السجن، بالرغم من التقرير الطبي الذي يؤكد فقدان صوابها.
-أنا هنا أرى الموت بعيني كل يوم
وفي واقعة أخرى شهدتها مدينة إزمير في غرب تركيا، ألقت قوات الأمن القبض على الزوجين “أو. ك.” و”آ. ك.” أثناء انتظارهما في صالة المطار بصحبة طفلهما البالغ من العمر 4 سنوات. وتعرضت الأم “آ. ك.” للتعذيب النفسي والجسدي بالرغم من إصابتها بمشكلة في القلب. وصدرت في حقها مذكرة اعتقال من قبل المحكمة،
وبدأت الحالة الصحية للأم تتدهور وتزداد معاناتها من القلب سوءًا، كانت تنقل على أثرها إلى المستشفى. وبحسب التقارير الطبية فإنها تحتاج إلى عملية جراحية عاجلة لتغيير صمامات القلب.
إلا أنه لا حياة لمن تنادي في تركيا في الوقت الراهن… وكثرت إغماءات “آ. ك.” مع كل مرة كان يدخل فيها السجانون إلى السجن يطيحون فيه يمينًا ويسارًا بعصيانهم، بحجة البحث والتفتيش. واستمرت حالتها الصحية في التدهور من يومٍ لآخر داخل السجن غير الصحي والطعام غير الآدمي، إلى أن تعرضت لأزمة قلبية حادة.
وكغيرها لم يكن هذا كافيًا حتى يفرج عنها من قبل المحكمة. وأعربت “آ. ك.” عن مدى المعاناة التي تتعرض لها داخل السجن، قائلة: “أنا هنا أرى الموت بعيني كل يوم”.
كانت ترعى أمها البالغة من العمر 86 عامًا، فاعتقلوها، فماتت أمها…
كانت الأم فخرية أسراك البالغة من العمر 86 عامًا، تعاني من مشكلات في القلب فضلًا عن أنها مصابة بالشلل. وعندما تم إلقاء القبض على ابنتها أصبحت بلا حولٍ ولا قوةٍ تعيش مع زوجها البالغ من العمر 83 عامًا، وأحفادها الثلاثة.
أمَّا ابنتها نجلاء أكضاغ فكانت هي وزجها معلمين في وزارة التربية والتعليم، قبل أن يتم فصلهما من العمل. وبالرغم من الأزمة الاقتصادية القاسية التي تعرضت لها أكضاغ بعد فصلها من العمل، كانت ترعى أمها وأطفالها الثلاثة.
كانت نجلاء ترعى أمها مريضة القلب المصابة بالشلل، ووالدها مريض الضغط والقلب، بالإضافة إلى أطفالها الثلاثة في الوقت نفسه. فصلت من عملها تعسفيًا، وفي 30 أغسطس/ آب 2015، داهمت قوات الأمن منزلها، وألقت القبض عليها، ثم أفرج عنها مرة أخرى.
وفي 27 يناير/ كانون الثاني، عند الساعة 17:00 داهمت قوات الأمن منزلها مرة أخرى، موضحين أن لديهم تعليماتٍ بتنفيذ قرار صادر بالبحث والتفتيش في منزلها ثم إلقاء القبض عليها.
ظلت في مخفر الشرطة لمدة ثلاثة أيام، إلى أن أصدر قاضي محاكم الصلح والجزاء مذكرة اعتقال لها، متجاهلًا تقرير الطبيب الذي تحدث فيه عن أنها ترعى أمها القعيدة البالغة من العمر 86 عامًا ووالدها البالغ من العمر 83 عامًا وأطفالها الثلاثة.
وكان من اللافت الأسلوب الذي تعاملت به قوات الأمن مع نجلاء عند اعتقالها وسط غياب زوجها الذي هرب للبحث عن فرصة عمل جديدة في مدينة أخرى داخل تركيا، حيث قالوا لها أكثر من مرة: سنتركك إذا جاء زوجك. وما زاد المصيبة بلاءً تلقي نجلاء لخبر وفاة أمها القعيدة المصابة بالشلل والمريضة بالقلب متأثرة باعتقال ابنتها.
اعتقال السيدات أثناء زيارة أزواجهن في السجون
أصدر أحد المدعين العامين بمدينة أكسراي يدعى عثمان قاراه، قرارًا باعتقال 5 من الزوجات اللاتي أتين لزيارة أزواجهن داخل السجون، بالرغم من أن منهن المصابة بالسرطان، وأمٌ لرضَّعٍ أو سبق وأن أفرج عنها بعد احتجازها.
وصدرت مذكرات اعتقالٍ في حق 3 منهن، إلا أن الغرض من كل ذلك هو الضغط على أزواجهن المعتقلين للاعتراف بجرائمٍ وتهمٍ لم يرتكبوها.
لا تأخذني الرحمة بطفلك
لم تقتصر محاكم أردوغان على الظلم والجور فقط، وإنما وصلت إلى قمة معاني اللاإنسانية في تعاملها مع بني البشر. وقد كان ذلك واضحًا عندما قال أحد القضاة لسيدة يتعلق بها رضيعها: “أنتِ لم تأخذك الرحمة بطفلك؛ وأنا أيضًا لن تأخني الرحمة بطفلك”.
اعتقال أم بعد وضع مولودها بساعات في “تركيا أردوغان الإسلامية”!
عاشت تركيا حادثة سيذكرها التاريخ حيث اعتقلت قوات الأمن السيدة فاطمة ج. التي وضعت وليدها بمستشفى في مدينة أنطاليا (جنوب تركيا) في شهر يناير الماضي وأرسلتها إلى السجن تماماً مثل زوجها المعتقل بتهمة الانتماء إلى حركة الخدمة.
وتشير المعلومات الواردة إلى إدارة مكتب الأمن التابع لمديرية أمن البلدة أن السيدة فاطمة. ج التي يوجد قرار اعتقال بحقها في إطار تحقيقات حركة الخدمة راجعت المستشفى لكونها على وشك وضع حملها وتوجهت الشرطة إلى المستشفى غير أنها لم تعتقل المشتبه بها لكونها حاملاً، الأمر الذي دفعها إلى الانتظار حتى تضع مولودها وتتمكن بعد ذلك من تنفيذ قرار الاعتقال.
وبعد إنهائها الإجراءات بمديرية الأمن نُقلت السيدة فاطمة برفقة رضيعها الذي يبلغ من العمر يوما واحدا إلى المحكمة، وسلمت رضيعها إلى أقاربها أثناء المحاكمة وقررت المحكمة احتجازها يوما آخر داخل المستشفى.
وأثارت هذه الخطوة انزعاجًا كبيرًا في كل الأوساط، بما فيها النواب البرلمانيون من صفوف حزب العدالة والتنمية الحاكم، حيث احتجّ نائب حزب العدالة والتنمية السابق فوزي إيشباشاران على اعتقال الأم وإحضارها أمام المحكمة بقوله: “إن الشرطة تنتظر الآن أمام المستشفى لاعتقال هذه الأم المسكينة. وزوجها قابع في السجن أيضًا. إن ذلك عمل غير قانوني وغير أخلاقي مهما كانت جريمة زوجها. وحتى إذا ثبتت الجريمة فإنها شخصية. فلماذا يعاقب المولود الجديد”.
وانتقد رئيس تحرير موقع herkul.org عثمان شمشاك المختص في نشر مقالات ودروس الأستاذ فتح الله غولن حادثة اعتقال الأم بعد ولادتها مباشرة ذاكرا الآية الكريمة: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)؛ فيما نشر حساب @nabdturkey (نبض تركيا) تغريدات قال فيها “الشرطة اعتقلت الوالدة وفرقت بينها وبين قرة عينها في اليوم الأول من فتح عينه على دنيانا المليئة بالظلم والجور.. الظلم يهز عرش الرحمن.. أين أنت يا أردوغان؛ حامي النساء والمستضعفين! أكثر ما يوجع في الأمر هو أن هذا الظلم يمارسه شخص نراه أخا لنا في الدين ونظيرا لنا في الإنسانية!”، على حد تعبيره.
وما يثير الغرابة والدهشة هو قناة أن سي أن أن التركية “العلمانية” نشرت الخبر تحت عنوان ظلم اعتقال أم بعد ولادتها مباشرة، لكن صحف أردوغان “الإسلامية” يخيم عليها الصمت المطبق! بل قدمت الحادثة على أن الشرطة نجحت في إلقاء القبض على امرأة تنتمي إلى “منظمة فتح الله غولن الإرهابية”، على حد أكاذيبهم.
وكان الكاتب التركي أيدين أنجين روى في عموده الخاص بصحيفة (جمهوريت) معاناة سيدة أخرى أرسلت له ضمن عدد كبير من الرسائل تروي له قصتها الحزينة قائلة “تعرضت لصدمة كبيرة عندما سمعت كلمات النائب العام بينما كنت أنتظر مذكرة اتهام وهو يقول لي “يا سيدة أوصيك بالعودة إلى منزل والديك واعتبري زوجك ميتا لأنه لن يخرج من محبسه”.
اعتقال والدة طفل معاق أثناء زيارتها لزوجها في السجن
اعتقلت قوات الأمن التركية سيدة أثناء زيارتها لزوجها داخل السجن بعد اعتقاله في إطار تحقيقات حركة الخدمة.
وكانت ناجحان جوكشاك قد توجهت برفقة أبنائها الخمسة، أحدهم يعاني من إعاقة، إلى سجن “سنجان” في أنقرة لرؤية زوجها المحبوس في إطار تحقيقات حركة الخدمة، وخلال الزيارة اعتقلتها قوات الأمن ليبقى الأبناء بمفردهم وسط الشتاء القارس.
يُذكر أن إبراهم جوكشاك قد اعتقل خلال الأشهر الماضية، في إطار تحقيقات حركة الخدمة التي تنفذها السلطات التركية، تاركا زوجته تعتني بأبنائه الخمسة بمفردها.
وعلى هذا قام أكبر أبنائها بتصوير بكاء وعويل أشقائه، ويظهر الشقيق الأكبر وهو يبكى قائلا: “لدينا شقيق معاق لكنهم تركونا هنا بمفردنا، حسبنا الله ونعم الوكيل”.
وقام نائب حزب الشعب الجمهوري عن مدينة إسطنبول محمد تانل بنشر الفيديو عبر حسابه بتطبيق الانستجرام، معلقا على الفيديو بقوله “مأساة أسرة توجهت إلى سجن سنجان لرؤية والدهم وخمسة أشقاء أمام السجن نتيجة لاعتقال والدتهم أيضا هناك، أنشر إليكم الفيديو كما بلغني”.
وقال تانل إنه سيتابع الأمر عن كثب، مضيفا أن هذا الإجراء ينافي الحقوق الدولية.
كل هذا وأكثر يحتاج إلى موسوعاتٍ ومجلداتٍ لسرد ما تتعرض لها الإنسانية في تركيا من ظلمٍ وجورٍ لإجبار أناس أبرياء على الاعترافِ في تهمٍ وجرائم لم يرتكبوها.
يذكر أن عيد الأم في تركيا يتم الاحتفال به ثاني يوم أحد من شهر مايو/أيار من كل عام.