دمشق (الزمان التركية) – قال الكاتب الكردي السوري نور الدين عمر إن إقرار النظام الرئاسي في تركيا هو حلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والذي يدفعه إلى فعل أي شيء من أجل تحقيقه.
ورأى الكاتب في مقال تحت عنوان ” كل الوسائل مشروعة !”أن كل الأحداث التي وقعت مؤخرا جاءت لخلق دولة حزب العدالة والتنمية، وخلق سلطة شمولية تديرها كوادر مرتبطة بحزب العدالة والتنمية وإبعاد كل المعارضين، ووضعهم في المعتقلات وتحت المراقبة، وهكذا تتهيأ الأجواء من أجل فرض النظام الرئاسي الذي يحلم به أردوغان على المجتمع:
وفيما يلي نص المقال:
تركيا على موعد مهم في 16 أبريل القادم، حيث سيجري في عموم البلاد إستفتاء شعبيا على التعديلات الدستورية التي أقرأها البرلمان التركي لتحويل النظام البرلماني في تركيا إلى نظام رئاسي.
ويدعي أردوغان وأنصار حزب العدالة والتنمية “AKP” أن هذه التعديلات ستحول تركيا من بلد ضعيف ومنقسم، إلى بلد قوي ومؤثر على غرار الأنظمة الرئاسية في الولايات المتحدة وفرنسا، ولكن الحقيقة غير ذلك كليا، لأن أردوغان وحزب العدالة والتنمية لا يفكرون في تطور وازدهار تركيا، بقدر تفكيرهم في مصالحهم السلطوية والحزبية.
وبالعودة إلى الانتخابات البرلمانية التي حصلت في 7 يونيو عام 2015 حصل حزب العدالة والتنمية على أقل من 19 مليون صوت، ورغم أنه كان الحزب الأول بعدد المقاعد في البرلمان، إلا أنه لم يقبل بهذه النتيجة، وانقلب على كل وعوده واتفاقياته، ووضع شروطا تعجيزية أمام المعارضة لإعاقة تشكيل حكومة ائتلافية، وقضى على مسيرة السلام مع الأكراد، وخلق كسلطة وقوة حاكمة، مختلف الحجج و الاستفزازات لاندلاع المعارك بين الجيش و مقاتلي حزب العمال الكردستاني لخلق حالة من الخوف و الرعب في المجتمع في سبيل كسب المزيد من الأصوات في الانتخابات المبكرة و التي فرضها أردوغان و سلطة العدالة والتنمية على المجتمع.
و فعلا في انتخابات 11 نوفمبر من نفس العام و بعد أن تحولت تركيا إلى ساحة للمعارك و الاشتباكات، حصل حزب العدالة والتنمية على حوالي 25 مليون صوت، أي بفارق 5 ملايين صوت تقريبا عن انتخابات 7 يونيو، مما مكنه من تشكيل الحكومة بمفرده.
وطبعا هدف أردوغان لم يكن الحكومة فقط، بل الهدف هو وضع كافة الصلاحيات في يديه باعتباره رئيس الجمهورية، ولذلك انحسر همه في تحويل تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي ولو كانت الفاتورة باهظة، فعمل كل ما في وسعه لإبعاد أقرب المقربين منه عن السلطة كرئيس الوزراء داود أوغلو الذي اعتبره أردوغان إحدى المعوقات التي تواجهه في سعيه لتوجه إلى النظام الرئاسي، وعين بدل عنه بن علي يلدرم المطيع لأردوغان، و طبعا لم تكن هذه الخطوة كافية لتحقيق حلمه.
كانت تركيا بحاجة إلى حدث يهز أركان المجتمع ويخلق حجة لوضع كل السلطات بيد شخص واحد، فكانت مسرحية الانقلاب العسكري الفاشل في 15 يوليو 2016 ، حيث اعتقد العديد من الناس وحتى الدول، أن قوة أردوغان وشعبيته قضوا على الانقلابيين، ولكن تبين فيما بعد و عبر
مختلف الوثائق والأدلة والشهادات والوقائع أنها كانت مسرحية أعدت لها في الدوائر الأمنية لحزب العدالة والتنمية الحاكم، فاتهموا حركة الخدمة و الداعية فتح الله كولن وبعض الضباط في الجيش بالمحاولة الانقلابية الفاشلة، و لكنهم شنوا حملة اعتقالات شملت كل المكونات
والفئات المعارضة، ولم يستثنوا أحدا.
كانت اللوائح و الأسماء جاهزة قبل الانقلاب وأعدت بكل عناية، وتم حجز عشرات الآلاف من عناصر وضباط الجيش والدوائر الأمنية والمدنية بما فيها الدوائر التعليمية والصحية والدينية والإعلامية والخدمية، وأعلنت حالة الطوارئ واعتقل كل المعارضين لسياسات أردوغان و حزب “AKP” بحجج و ادعاءات لا أساس لها من الصحة.
فحتى الآن لم يقدم السلطة الحاكمة أي دليل مادي ملموس حول حقيقة الانقلاب المزعوم، ولكنها بكل الأحوال كانت حجة لخلق دولة حزب العدالة والتنمية، حيث يتم التحكم بكل تفصيله من حياة الناس و في كل الدوائر الحكومية و الأمنية و في الجيش و القضاء و حتى في التعليم و الشؤون
الدينية و الإعلام و غيرها، أي باختصار ما حدث هو خلق سلطة شمولية يديرها كوادر مرتبطة بحزب العدالة والتنمية وإبعاد كل المعارضين و وضعهم في المعتقلات وتحت المراقبة، وهكذا تتهيأ الأجواء من أجل فرض النظام الرئاسي الذي يحلم به أردوغان على المجتمع .
أردوغان و حزب العدالة والتنمية لم يكونوا في يوم من الأيام ملتزمين بالمبادئ و القيم الذين يدعون ليلا و نهارا أنهم مؤمنين بها، فهم يستغلون الدين و القيم الوطنية لتثبيت سلطتهم و دكتاتوريتهم، فقد قطعوا العلاقات مع إسرائيل من أجل كسب مزيدا من الأصوات في الانتخابات، وأعادوا العلاقات معها كذلك من أجل مصالح حزبية وشخصية، وقدموا كل التنازلات لروسيا في سبيل الحفاظ على هذه السلطة، وتحالفوا مع حزب الحركة القومية وقدموا إليها كل التنازلات في سبيل وصول أردوغان إلى مبتغاه، وباسم المصالح الوطنية قامت سلطة العدالة والتنمية
بكل ما هو غير متوقع و بررت كل أفعالها بالأكاذيب و حجج غير حقيقية، فلسنوات رفضت الدخول مع التحالف الدولي لمحاربة “داعش” بحجة أن التحالف يمتنع عن محاربة النظام السوري، و فجأة تغيرت نظرة العدالة والتنمية ودخلت في المستنقع السوري بحجة محاربة “داعش”، رغم أن مختلف التقارير والأدلة فضحت سلطة العدالة والتنمية في علاقتها مع تنظيم “داعش” سابقا.
حلم النظام الرئاسي هو أهم غايات أردوغان وفي سبيل ذلك مستعد لفعل أي شيء، وهو قالها بوضوح :”من يعادي النظام الرئاسي فهو في صف الإرهاب ..لأن الإرهابيين هم فقط من يعادون النظام الرئاسي !”، ومع التضييق على الحريات أكثر و اعتقال المزيد من المعارضين و اللجوء إلى حالة التزوير والتخويف والرعب فإن حكام العدالة والتنمية و أنصارها يسعون إلى فرض التعديلات الدستورية على المجتمع، ولكن القوى الديمقراطية والمؤمنة بالأخوة و السلام و العيش المشترك في حال توحدهم سيفشلون هذه الخطوة التي تهدف إلى تحويل تركيا إلى بلد ذات نظام شمولي و دكتاتوري خاضع لشخص واحد يتجمع في يديه كل السلطات.