أنقرة (الزمان التركية) – كشف الكاتب الكردي السوري نورد الدين عمر في مقاله الذي يحمل عنوان” أستانه وحسابات التقسيم” عن حقيقة ما جرى في اجتماعات أستانة بين ممثلي الفصائل السورية المسلحة ونظام الرئيس بشار الأسد الأسبوع الماضي.. وإليكم المقال:
في 23 -24 كانون الثاني عام 2017 عقد في أستانة العاصمة الكازاخستانية مؤتمر جمع وفد من النظام السوري ،و وفد ضم مجموعات مسلحة معارضة هي بأغلبيتها مجموعات خاضعة لسيطرة لحكومة العدالة والتنمية في تركيا.
المؤتمر كانت نتيجة لجهود مشتركة ومنسقة بين ثلاث دول هي روسيا وتركيا و إيران ،و لكل دولة من هذه الدول أهدافها وغاياتها من عقد المؤتمر الذي بدا وكأنه مسرحية أعد لها من قبل تلك الدولة خدمة لمصالحها فقط .
فالمؤكد أن ما سمي بمؤتمر أستانة لم يخدم أي مكون من المكونات السورية ، وكان مجرد منبر ليكشف النظام والمجموعات الاسلامية المتطرفة من خلالها ،عن عقليتهم ومواقفهم البعيدة عن أي حل ديمقراطي .
أتى النظام إلى المؤتمر بضغط من روسيا ، أو ربما إنه مقتنع بأن المؤتمر هو مجرد مسرحية فعلا ،لكي يلعب ممثله بشار الجعفري أحد الادوار التي قد تقنع العالم بصواب رؤية النظام حول الأرهاب و الحل . أما ما سمي بالمعارضة فهي مجموعات مسلحة لا تسيطر إلا على مساحة قليلة من الساحة السورية لا تتجاوز 10% بل أقل من ذلك. وأجبرتها أنقرة على المجيء إلى أستانة بالترهيب والتخويف والتهديد. وهي مجموعات متطرفة لا تحمل إي مشروع ديمقراطي للتغيير ،بل إن أغلبية تلك المجموعات لا تختلف عن جبهة النصرة و تنظيم داعش في شيء ،فهي نفس الفكر و الايدولوجية الدينية المتطرفة والمعادية لكل ما هو ديمقراطي .
الدول الثلاث روسيا و إيران و تركيا تختلف مصالحها ومواقفها بشان النزاع السوري في العديد من الأمور، ولكنها تتقاطع في أمور ربما أهمها هو المحافظة على نفوذهم و مواقعهم في الساحة السورية المنقسمة .و وجه التشابه بينها هو إن الدول الثلاث لها قوات عسكرية داخل سوريا .
روسيا هي اللاعب الاكبر وهي المستفيدة أكثر، تلعب على ورقة التناقضات بين الاطراف المختلفة ، تنسق مع معظم القوى والدول التي لها علاقة بالنزاع السوري بما فيها إسرائيل ،تضغط على الاتراك بالمسألة الكردية ، وتضغط على النظام المهدد بالسقوط ،وتؤكد له بالقول و الفعل “لولا التدخل الروسي لانتهى كل شيء ” ، وتضغط على إيران المهددة من إدارة ترامب الجديدة ،وكذلك تهددها ولو بشكل غير مباشر بعلاقاتها مع دول الخليج وتركيا وإسرائيل . غايات روسيا هو جعل سوريا او الجزء الاكبر من سوريا ساحة لقواعدها العسكرية في الشرق الاوسط ،و كذلك بيع الأسلحة لكل الدول التي تشعر بالتهديد والتي تحاول روسيا إقامة أفضل علاقات معها من أجل هذه الغاية . وهكذا كان عقد مؤتمر في استانة بمثابة تدخل فعال يضاهي بل هو أكثر قوة وتاثيرا من التدخل الاميركي في النزاع السوري، ويعيد لموسكو هيبتها العالمية ، و يخلق نوعا من المواقف التي تقول ان روسيا أصبحت أكثر حيادية في هذا النزاع على الأقل من جانب المجموعات المعارضة التي كانت تعتبر روسيا قوة محتلة و جزءا من المشكلة السورية.
أما إيران فإنها دعمت و ساندت النظام من أول مظاهرة ضده في أذار عام 2011 وغاياتها هي المحافظة على أكبر قدر من الساحة السورية خدمة لمشروعها الطائفي و المذهبي . و لها تناقضات مع روسيا بشان النزاع ، بل لديها قلق و خوف من تزايد النفوذ الروسي في سوريا ، و هي أيضا تشعر بقلق من التدخل التركي والاميركي ، و لكنها مضطرة للقبول بتقسيم العكة حتى لا تفقد كل شيء ، و هناك مسالة مهمة تقربها من أنقرة و هي المسالة الكردية ، فالسلطات الإيرانية و التركية متفقتان ضمنيا و عمليا و ربما هناك بينهما اتفاقات ل” منع قيام اي كيان او منطقة حكم ذاتي او فيدرالي للأكراد في سوريا ” لانهما مقتنعتان ان حصول الأكراد في سوريا على أي إنجاز و لو بسيط سيشجع الأكراد في تركيا وإيران.
إيران حاولت من خلال أستانة أن يكون لها دور في النزاع مستقبلا ، فهي المتحكمة على اﻷرض ، وإبعادها عن اي مؤتمر للسلام أو الحل يعني استمرار المشكلة . وهي لن تتخلى عن النظام ورؤيتها بالأساس للحل لا تختلف عن رؤية النظام ، و لكنها تناور سياسيا ودبلوماسيا مثل القوى و الدول الأخرى .
أما اللافت فهو موقف السلطات التركية ، التي أصرت على رحيل النظام السوري لسنوات ودعمت جميع المجموعات المعارضة ضده بما فيها تنظيما داعش وجبهة النصرة . و لكنها و بعد مسرحية الانقلاب الفاشل التي اتهمت فيها حركة الخدمة و كل المعارضين لسلطة أردوغان ، وخدمة لمصالحها السلطوية ، و التي سمتهما بالمصالح( اﻷمنية و القومية) غيرت مواقفها ورؤيتها للنزاع السوري 180 درجة. و لم تعد تصر على رحيل الأسد ،و قدمت لروسيا من التنازلات ما لم يتوقعه أحد قبل ذلك ، و كل ذلك لغايات سياسية تخصها هي كسلطة وحكومة ، لعل اهمها هو اولا -إقامة منطقة نفوذ في الشمال السوري على غرار شمال قبرص ،مرتبطة مع أنقرة عبر مسميات المنطقة الآمنة وحماية حدودها من الإرهاب تديرها مجموعات متطرفة تأتمر بأوامر أردوغان مباشرة .ثانيا -منع الأكراد من التقدم وتحقيق مشروع الاتحاد الفيدرالي في شمال سوريا .
روسيا و تركيا و إيران دول مهمة و لكن هناك أيضا الولايات المتحدة التي لن تقبل لو تم تجاهلها، و لها نفوذ في سوريا ولها حلفاء، و حلفاؤها يسيطرون على مساحات مهمة واسعة، ولذلك فان فرض اي حل بدونها لن يكتب له النجاح ،والعالم بدأ يراقب ما ستفعله إدارة ترامب الجديدة في سوريا ،و كما يبدو من أولى تصريحات ترامب بشأن موافقته على إقامة مناطق آمنة في سوريا سيكون تدخله أقوى من تدخل إدارة أوباما ،و لكن ما يزال الوقت مبكرا بشأن ما سيفعله عمليا في سوريا ،أو ما يخطط له .
باختصار أستانة هي خطوة كان من المفروض ان تكون باتجاه الحل الذي يوقف شلال الدم ، و لكنها كانت فعليا خطوة في اتجاه اللاحل . فالممثلون الحقيقيون تم إقصاؤهم و منعهم من حضور المؤتمر ، و كل الذين حضروا يمثلون أجندات إقليمية ودولية لا تخدم مصالح المكونات السورية .
نور الدين عمر -كاتب كردي سوري