في هذا الجزء من الحوار يرد الأستاذ فتح الله كولن على من طالبه بالنزول إلى الشارع لتعبير عن الظلم الذي يقع على الخدمة، والغاية التي يسعى أردوغان كسبها من وراء ما يفعله الآن. وإليكم نص الحوار
– برغم سياسات وإجراءات أردوغان العدائية تجاه الخدمة.. لماذا لم تعملوا بما لديكم من ثقل مجتمعي على حزبه أو إيجاد بدائل أخرى له أو دعم حزب آخر معارض له؟
إننا مسلمون، وبمقتضى تربيتنا الإسلامية لا يمكن أن نفعل شيئا يتناقض مع مبادئنا التي تربينا عليها فالألاعيب السياسية والتفكير في إضرار من يعتبروننا منافسين أو السعي إلى إزاحتهم من الساحة وفق المنطق الميكيافيلي، كل هذا بعيد كل البعد عن رؤانا التي نتبناها. فمهمتنا هي البناء والإنشاء، أعني العمل الإيجابي.. وكما قال الأستاذ بديع الزمان النُّورْسي: نحن فدائيو المحبة، ولا وقت لنا للخصومة، وإن كان لا بد أن نعادي، فعدونا هو العِداء ذاته.. لذلك لم نفكر قط في تسيير قافلتنا على حساب الآخرين أومن خلال العمل على تعويقهم، ولن يكون ذلك في المستقبل أيضا.. فكما ذكرت سابقا، لم أقل للمتعاطفين مع الخدمة: صوِّتوا للحزب الفلاني، كذلك لم أقل لهم لا تصوتوا للحزب الفلاني أيضا.. فكل فرد منهم واعٍ بقيمه، وكل حزب يقترب من تلك القيم فسيصوِّت له حتما، يصوت لمن يشاء، ويدعم من يشاء.. وإذا رأى أن حزبا يناقض قيمه تلك فلن يصوت له.. كما أن وعود الأحزاب السياسية وإنجازاتهم معلومة للجميع، لذا فإني أرى توجيه الناس في هذا الصدد نوع من الاستخفاف ببصيرتهم وفراستهم..
– قامت السلطات التركية بمصادرة أصول ومؤسسات الخدمة ثم إغلاقها، لماذا اخترتم الاستسلام وعدم المقاومة؟ ولماذا لم تدع أتباعك إلى التظاهر والخروج إلى الشوارع والميادين أعتراضا على هذه الممارسات؟
من الوارد أن هناك فئة كانت تستهدف حدوث ذلك، أعني الانجرار إلى الميادين، فمنذ أعوام وهم يضعون مؤسسات الخدمة وأبناءها تحت المجهر، ولجانُ التفتيش لم تترك شاردة ولا واردة إلا فحصتها فحصا دقيقا أملا في العثور على تهمة أو شيء يشوهون به الخدمة ويشنعون عليها، ولكنهم لم يعثروا على شيء، ولو كانوا عثروا على شيء طفيف لضخَّموا الأمر وجعلوا من الحبة قبة كما يقال، ولطاروا به إلى كل الدنيا. ولعلكم تابعتم بعضا مما تسرب من هذه الأفعال إلى الخارج، فقد حاولوا أن يغتالوا الشخصية المعنوية لهذه الحركة التي أفنى أبناؤها ذواتهم فيها في سبيل العمل على نشر القيم الإيمانية والإنسانية التي يؤمنون بها، فعمدوا إلى وصمهم بالإرهابيين وتوسلوا إلى ذلك بمخطط شيطاني، وهو أن يضعوا السلاح في بعض أماكنهم التي يتواجدون فيها ثم يقومون بمداهمتها وتصويرها قائلين: ألم نقل لكم إن هؤلاء إرهابيون؟ وها هو سلاحهم، لكن كل ذلك لم ينجح، ولن ينجح.. بل حتى الذين كانوا يتخذون موقفا عدائيا ضد الخدمة سخروا من هذه الترهات، وقالوا لهم: “صفوهم بما شئتم، وقولوا في حقهم ما تريدون، لكن لا تصفوهم بأنهم إرهابيون، فإن ذلك لن ينجح”..
– إلى أي شيء يهدفون بهذه الإجراءات بحقكم؟
لقد كان هدفهم من إغلاق المؤسسات وتدميرها بهذا الشكل العنيف، وإهدارِ كل الجهود المتراكمة على مدار السنين، بالإضافة إلى إطلاق أعوانهم والموالين لهم لينهبوا هذه المؤسسات ويستولوا عليها هو الضغط على مشاعر أبناء الخدمة واستدراجهم إلى الشوارع وتصويرهم عندها على أنهم إرهابيون مخربون.
ولكننا بفضل الله أولا، ثم بفضل التربية التي نشأنا عليها لم نحقق مرادهم ونُستدرج إلى ما يريدون، فلم يصدر من أبناء الخدمة رد فعل على كل هذه الاستفزازات حتى ولو بوكزة، وأكثر ما سرني في خضم هذه الأحداث المليئة بالأحزان هو أن أحباءنا تَخَطَّوْا هذه الامتحاناتِ أيضا بنجاح باه. وبهذه المناسبة رأى العالَم بأم عينيه من خلال هؤلاء الأخيار مدى أهمية الاستثمار في الإنسان، ونوعيةَ الناس الذين قامت الخدمة بتربيتهم.
– إذا كنتم إزاء كل هذه الممارسات والانتهاكات قد رجحتم ضبط النفس وانتهاج السبل القانونية، فلماذا لم تتلقوا دعما من المعارضة السياسية في تركيا؟
هناك إشكال في تركيا وهو غياب المعارضة السياسية الحقيقية. لا يوجد معارضة قوية وجادة في أمريكا ديمقراطيون وجمهوريون، أحيانا يتفوق الأول على الثاني أو الثاني على الأول ببعض النقاط الطفيفة، بما يعني أن هناك منافسة ندية، تمكن من تداول السلطة، هناك انتقادات ذاتية ومحاسبة دقيقة للسياسات حتى لا يخسروا في الانتخابات، وهو ما يدفعهم للالتزام بمبادئ الديمقراطية أكثر.
في تركيا تم تدجين المعارضة بالكامل، وربما الظروف تطورت في ذلك الاتجاه. سابقا كان كلٌّ مِن حزب الطريق القويم وحزب الوطن الأم يشكلان الأغلبية. ولكن بعد تداعي هذه الأحزاب من الداخل وفقدها لتأثيرها أقبلت جماهير الشعب على دعم الحزب الحاكم حاليا ومن ثم بدأت شوكتهم تزداد يوما بعد يوم، مع غياب حقيقي لأحزاب المعارضة، وهذه هي إحدى كبرى مشاكل تركيا حاليا.
أضف إلى ذلك أن بعض أحزاب المعارضة كان لها موقف سلبي إزاء حركة الخدمة من قديم. لا أريد أن أسميه، لكن واحدا من الأحزاب الكبرى في المعارضة كان يمنع أعضاءه من الحضور في أولمبياد الثقافة واللغات التي كانت تقوم مدارس الخدمة بتنظيمها. لكن بعض الأوفياء منهم كانوا يقولون للإخوة، سنأتي إكراما لكم ووفاء، ولكن نرجو ألا تجلسونا في الصفوف الأمامية، دعونا نجلس في الوراء حتى لا نظهر. إذن هناك نوع من الانزعاج وعدم الاستساغة منذ ذلك الوقت. يمكنني أن أقول الشيء نفسه بالنسبة للحزب الآخر كذلك (حزب الشعب الجمهوري). بل يمكنني القول نفسه لمن كانوا سابقا يهانون ويطردون ويهمشون في جنوبي شرقي تركيا (حزب الشعوب الديمقراطية). لقد كانوا يحملون النوايا والأفكار ذاتها في قرارة أنفسهم.
– ما سر ذلك الانزعاج لحركة الخدمة من جانب تلك الأحزاب؟
الأزمة الراهنة استحسنوا ما وقع فقالوا: “ليأكل هؤلاء (قيادة أردوغان) الطرف الآخر (الخدمة)، لينكلوا بهم ويقضوا عليهم”. نعم ذهبوا في هذا الاتجاه ولم يكونوا مخلصين لمبادئهم، تجاهلوا المستقبل، توقعوا أن الأمور ستجري على هذا الشكل إلى الأبد.
يمكن أن نقول إنهم وجدوا قاسما مشتركا فيما بينهم، موضوعا اتفقوا عليه جميعا، هو القضاء على حركة الخدمة. حركة الخدمة حركة إنسانية انطلقت تخدم الإنسانية في ١٧٠ بلدا في العالم. تسعى إلى أن يعانق الإنسان أخاه الإنسان بمحبة… المساجد إلى جانب الكنائس والصوامع مع المعابد جنبا إلى جنب دون حرج، في ولاية هوستون رأينا نموذج المسجد وإلى جانبه كنيسة، في تركيا رأينا مشروع مسجد وإلى جانبه دار الجمع لإقامة روح التعايش بين العلويين والسنيين. هذه المشاريع تمت بإذن الله وعنايته، وفشلت جميع مخططاتهم التي تخدم روح التفرقة، لذا لم يستسيغوها بل حقدوا عليها، يقولون اليوم: “لا تتفوهوا بكلمة اعتراض على المظالم التي تقع، اتسعت أنشطة هؤلاء كثيرا، دعوا القيادة الحالية تقضي عليهم، ولا شك أن السياسات المجحفة التي تنتهجها الحكومة ستضعفها هي كذلك، ومن ثم نوقع عصفورين بحجر واحد”. أعتقد أنهم يرددون أيضا:” غدا ستتدخل القوى العظمى في هذا الموضوع وستقضي على القيادة الحالية، فيفتح لنا المجال ويكون لنا دور يومئذ”. لا نستبعد هذا النوع من التفكير البراغماتي لدى هؤلاء. هذه توقعاتي من خلال قراءتي المتواضعة للمشهد من الزاوية الاجتماعية والسيكولوجية.
كولن للأهرام العربي: الخدمة مشروع تطوعي بالمنطق القرآني (1)
كولن للأهرام العربي: أردوغان يتهم الخدمة دون أي دليل (2)
كولن للأهرام العربي: إذا قدر الله لتركيا أن يزول عنها الطغيان سأعود إليها (3)
كولن للأهرام العربي: نحتاج إلى الأزهر كحاجتنا إلى الخبز والماء (4)