بنسلفانيا (أمريكا) (الزمان التركية): نفي الداعية التركي فتح الله كولن الذي يتهمه الرئيس رجب طيب أردوغان وحكومته بالوقوف وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا منتصف يوليو/ تموز الماضي أن يكون دخل في يوم من الأيام في تحالف سياسي مع أردوغان معتبرا أن حزب العدالة والتنمية نقض وعوده للشعب بتحقيق الديمقراطية والعدل وسيادة القانون.
وفند كولن في لقاء مع قناة ((NRT مزاعم المسؤولين الأتراك عن تخطيطه للعودة إلى تركيا كما عاد الخوميني إلى إيران قائلا إن هذا الأمر لم يراوده حتى في الأحلام.
وإلى نص الحوار:
المراسل: بداية أشكرك لإتاحة الفرصة لإجراء هذه المقابلة، أريد أن أستهلّ أسئلتي بالسؤال الأول، وهو: هناك من يتحدثون عن عودة السيد فتح الله كولن إلى تركيا وستكون عودته على شاكلة عودة الإمام الخميني إلى إيران في سبعينيات القرن الماضي فهل سيحدث ذلك؟ وإذا أردت العودة فهل ستعود قريبا؟
أنا جئت إلى أمريكا في حين كانت هناك ضغوطات سياسية كبيرة في تركيا، وكانت الأجواء السياسية مشحونة، والدعايات الانتخابية في وضع سيئ، لقد جئت إلى هنا لإجراء عملية جراحية وتلقي العلاج، وعندما وصلت إلى هنا وجدت المكان يتحلى بالسلام والأمان، فبدأت بالكتابة وتأليف الكتب وتربية الطلبة وتعليم أصدقائي، ورغم أني أعتبر الابتعاد عن الوطن كبركان يلتهب في قلبي إلا أنني وجدت المكان هذا يمتاز بالأمان والاستقرار كما تراه بعينك، وفيما يتعلق بالدعايات والتهم التي تتحدث عن عودتي إلى تركيا كما عاد الخميني إلى إيران فإنني لم أفكر بذلك أبدًا، ولم يراودني هذا التفكير حتى في الأحلام.
- كنتَ أنت وأردوغان صديقان وبشكل من الأشكال كنتما حليفين، وحركتك هي أشبه ما تكون بحركة تربويّة فما الذي دفعك إلى السياسة وما الذي حصل بينك وبين أردوغان فعرقل استمراريّة صداقتكما كما كانت؟
الحقيقة لم يكن هناك تحالف بيني وبين أردوغان في شكل تحالف سياسي وحيث كانوا يحاولون تأسيس حزبهم زارني أردوغان مرة واحدة، وأنا تحدثت معه، واجتمعت معه مرة أخرى حين كان محافظًا لإسطنبول، وكنا قد نظمنا آنذاك مباراة خيرية لضحايا البوسنة والهرسك فإني التقيت أردوغان مرة أو مرتين آنذاك ورغم ذلك فلم يكن هناك أيّ تحالف بيننا وكان الناس يعتقدون بأننا متحالفون فطبيعة العلاقة الحقيقية بيننا كانت مبنية على الوعود التي تم عليها تأسيس حزبهم، فهم وعدوا بسيادة القانون وتطبيق العدالة، وعدوا باحترام الرأي الآخر ولو كان مخالفًا، ووعد حزب أردوغان باحترام الحريات الدينية، والانفتاح العالمي، فعلى أساس كل تلك الوعود ساند شركائنا وأغلبية شعب تركيا أردوغان كما ساندوا السياسيّين قبلهم ومنهم “سليمان ديميرال” رئيس الوزراء التركي الأسبق الذي ترأس مجلس الوزراء وأصبح رئيسًا لتركيا فيما بعد أو “طورغوت أوزال” والذي كان أيضًا رئيس وزراء ومن ثم أصبح رئيسًا لتركيا أو “بولند أجاويد” الذي كان رئيس وزراء لدورة واحدة وأصبح رئيسًا لتركيا، فكل واحد من هؤلاء تمكن من الحصول على دعم الشعب التركي في أزمنة مختلفة كالتي حصل عليها أردوغان، وعلى أساس تنمية الديمقراطية واحترام سيادة القانون والحريات والذي ألاحظه الآن هو أننا لم نر من أولئك المسؤولين السابقين تلك المعاملة التي نواجهها اليوم من أردوغان، فلم نر من سليمان ديميرال ولا من بولند أجاويد هذا النوع من الابتزاز والقمع الذي يتعرّض له المواطنون في تركيا على يد أردوغان فهذه عبارة عن مجموعة أشياء لم نجربها قط في السابق، ولقد كنا داعمين ومساندين لأيّ إصلاح في الدستور يتم على أساس ديمقراطي، فمثلًا ساندتُ التعديل الذي جرى على الدستور عام (2010م) وكان الهدفُ منه إدخال الديمقراطية على النظام القضائي، ولكننا لم نؤسّس أيّ حزبٍ سياسي، ولم نتصل بأي حزب ولم نجعل من أنفسنا سياسيين ولكننا وببساطة كنا وما زلنا مدافعين عن الخط الفكري والقيم الرئيسة لنا والتي تتمثّل في أربعة أسس رئيسة هي (القيم الإنسانية العالمية – والسلام العالمي – والتعايش – ومواجهة الفقر) وهذه هي الأسس الرئيسة الأربعة التي تبنّيناها ولم نعدل عنها، فإننا إذا ما كنا راغبين في المشاركة الحزبية والمطالبة بمقاعد برلمانية أو مناصب حكومية لكنا فعلنا ذلك واستطعنا، لكننا لم نرغب في ذلك أبدًا، فهؤلاء هم من وضعوا خريطة البرلمان والتشكيلة الحكومية والدستور بالشكل الذي تمنّوه لأنفسهم والعالم يشهد على كل هذا, وإنك إذا أردت الحديث عن الانشقاقات والتجزئة فإن أسبابها هي أن أردوغان وحزبه قد عدلوا عن كل تلك الوعود التي قطعوها على أنفسهم للمواطنين في تركيا، فإننا لم نغير مواقفنا وقيمنا الرئيسة بل هؤلاء هم من نكثوا عهودهم وخالفوا وعودهم، وهذا هو السبب في عدم دعمنا لهم .
- أنت تتحدث عن العدالة والاختلاف في الرأي فهل أنت على علم بأن تقارير حقوق الإنسان المتعلقة بتركيا تشير إلى أن الآلاف من الكرد راحوا ضحايا؟ و أن آلاف آلاف البلدات والقرى تمت تسويتها مع الأرض لمجرد أنهم يحملون الهوية الكردية!؟ وبإمكاني القول: ليس الكرد هم فقط الضحية، فهناك صحفية أمريكية تقول بأن تركيا أصبحت معتقلًا كبيرًا للصحفيين، فما هو موقفك حيال هذا وخصوصًا المواطنين الكرد المدنيين والأطفال والنساء ممن ليس لهم أي علاقة بالسياسة ولكنهم يسقطون ضحايا العمليات العسكرية التي تنفذها حكومة أردوغان؟
لم يتغير رأيي طوال الأعوام الأربعة والخمسين الماضية؛ فإن كاتب النشيد الوطني التركي حين كتب النشيد قد ذكر اسم صلاح الدين الأيوبي الكردي مع السلطان محمد الفاتح التركي, وإن لنا مع الكرد مواقف موحدة وشاركنا في القتال ضد القوى الغربية في معركة الدردنيل، كما شاركنا في الحملات ضد الصليبيين وكنا معًا في خندق واحد، وإن اسم “نور الدين زنكي” واسم “شيريكوه” قد ورد ذكرهما معًا في قصيدة واحدة.. وإنني قبل عشرة أعوام أرسلت برقيّة إلى رئيس الوزراء التركي والذي أعتقد بأنني استعملت فيها صلاحيات تفوق صلاحياتي، وكانت البرقية عبارة عن طرح فكرة تتضمن عشرة مقترحات على شكل طلبٍ لتحسين ظروف الكرد في مناطق شرق وجنوب شرق تركيا فتحدثْت خلالها عن مجموعة من المقاييس لتحسين ظروف الكرد الذين كانوا يعيشون في تلك المناطق وتحدثتُ عن كيفية تحسين الظروف المعيشية للكرد في تركيا، فاقترحت أن تتحسّن ظروفُهم وترتقي إلى مستوى ظروف حياة الكرد في شمالي العراق، لقد اقترحت أن تقوم الحكومة بتوفير احتياجاتهم الضرورية كي يرضوا عن الحكومة وطلبتُ من الحكومة أن تتيح الفرصة لمن لديه مشاريع جديدة, وتحدثت عن ضرورة أن توفر الحكومة الفرصَ التربوية لتلك المناطق الكردية مع التأكيد على السماح باستعمال اللغة الكردية، كان المرحوم سعيد النورسي يتحدث قبل بضعة سنوات عن إنشاء جامعة في تلك المناطق الكردية بحيث تكون الدراسة والتحدث فيها باللغات العربية والتركية والكردية وكنت أتحدث عن إنشاء مراكز صحية في تلك المناطق فاقترحت أن تكون لكل عائلة كردية طبيب خاص بها, وتحدثت عن إنشاء وحدات صحية في المدارس الابتدائية ليلقي المتخصصون محاضراتهم فيها، واقترحت بأن يكون انتخاب الحكام والقضاة والمسؤولين من قبل الناس ومن خلال عقلية التعددية والعدالة وليس تعيينهم دون الانتخابات، وأن تتكفل الدولة بتقديم الحماية والأمان والعون للمجتمع كله. إلا أن طلبي ومقترحاتي تم رفضها بذريعة أن الحكومة عينت مسؤولًا عن تلك المناطق، لكنه مع الأسف لم يستطع خدمة المواطنين هناك، ورغم أن مقترحاتي أهملت ووضعت على الرفوف أو في طيِّ النسيان إلا أنني ما زلت أكررها ذاتها دون زيادة أو نقصان، -إنني أعتبر نفسي كلب كهفِ أصحاب الكهف- وإنني على الرغم من عدم أخذهم بمقترحاتي السابقة إلا أنني أقولُها وأذكّر بها انطلاقًا من شعوري بالمسؤولية تجاه أمتي، وابتغاء رضى ربي فحسب. وأنت إذا أردت التأكُّد من ذلك وأنني نبّهتهم إلى هذه الحلول منذ عقود طويلة؛ فبإمكانك مطالعة كتاباتي ومقالاتي التي كتبتها في الأعوام الخمسين الماضية، فإن وجدتَ شيئًا مناقضًا لما أقوله الآن فائتني به.. والآن وبدلًا من تفعيل مقترحاتي فإن تلك المناطق الكردية تحوّلت إلى مستنقعات دماء، لقد تعايشنا مع المواطنين الكرد في تركيا وفي تلك المناطق طوال التاريخ وخضنا المعارك معًا، وتقاسمنا الحلو والمر، ودافعنا عن عظمة الإسلام معًا، إن هذا هو رأيي على الإطلاق، ولكن الأوضاع في تلك المناطق تحولت مع الأسف إلى برك دم.
– المراسل: كنتَ قد تحدثت عن المرحوم سعيد النورسي أودّ أن أعلم هل أنت الآن على أي علاقة بأي عالم أو قيادي ديني أو سياسي كردي؟ وما رأيك بشأن عملية السلام؟ هل سيسود السلام في تركيا؟ وماذا لديك من حلول وبدائل عن العمليات العسكرية التي تشنّها الحكومة التركية ضدّ الأقليات في تركيا, أريد أن ألتمس منك المقترحات والنصح بشأن تلك القطعة من العالم كيف يمكن أن يسود السلامُ هناك من وجهة نظرك؟
خلال فترة حياتي التي قضيتها في تركيا قابلتُ أعدادًا من علماء الكرد والقادة الدينيّين منهم، وللأسف لم أتذكر أسماء جميعهم إلا أنني أتذكر اسم الشيخ بدر الدين والشيخ نور الدين، وبعد تركنا لتركيا فقد زارهم إخوتي وأقربائي هناك, وحين فقد الشيخان الفاضلان أولادهما قام الإخوة بزيارتهم وتقديم التعازي لهما، وإننا نأمل في أن يشارك أجيال هؤلاء القادة الكرد المفكّرين في نشاطات حركة الخدمة, والحقيقة أن مجموعةً من هؤلاء بدؤوا العمل في عدة منظمات غير حكومية تم تعيينهم من قبل أعضاء حركة الخدمة في العالم وقبل ذلك حينما كنت واعظًا في مناطق الشرق وجنوب شرق تركيا -ومنها مدينة ديار بكر ذات الغالبية الكردية- كنتُ ألقي خطبًا عامة فكان معظم المشاركين فيها من الكرد، لقد كانوا يمدحونني ويقدرونني في حين لم أكن حقًّا جديرًا بذلك، فلم أستخدم مصطلح لغتنا ولغتهم، ولا أمتنا وأمتهم.. فنحن جميعا أمة واحدة.. نحن من سكّان الأناضول، وفينا جذور الإسلام، ويجب أن تبنى علاقتنا مع المواطنين الآخرين على أساس الاحترام المتبادل، وهذا ما دفعتُ من أجله جلَّ حياتي، ولقد حاولت أن أحمل رموز لغتهم فوق رأسي، ومع الأسف فإن الأمور أخذت منعطفًا خطيرًا ألا وهو إيذاء الكرد، لطالما حذرتُ بشأن ذلك ووجهتُ الرسائل إلى المسؤولين في الحكومة وقلت لهم بأن هذا المسلك غير صحيح، إلا أنهم للأسف لم يصغوا إلينا لمنع استخدام القوة القمعية، لم يستمعوا إلى نصائحنا بهذا الشأن كما لم يسمعوا ما قدمنا لهم من نصائح بشأن المشاكل والمسائل في سورية، فحين زارني مسؤولو الحكومة التركية مثل وزير الخارجية السابق أحمد داود أغلو قلت لهم: إنهم لا يستطيعون حل مشكلة سورية بتوفير الملاذ للاجئين السوريين فقط, قلت لهم بأن عليهم مساعدة سورية، وأن يعملوا مع بشار الأسد لمرحلة الانتقال الديمقراطي وتقديم المساعدات المادية إن لزم الأمر من أجل مساعدة سورية والانتقال إلى الديمقراطية بشكل تدريجي, وحينما يتم إرساء دعائم الديمقراطية بقوة وثبات؛ فإن كافة المكونات من الكرد والعرب والتركمان والسنة والآخرين سيتمتّعون بمناصب في البرلمان وسيكون لهم التمثيل ضمن سورية التي تتمتّع بالديمقراطية .
هذه هي توصياتي التي كنتُ أقدمها للحكومة باستمرار.. ولكن الواضح أنهم يفكرون بشكل آخر، ويقولون كيف يمكن أن نستمع إلى داعية؟ وبذلك كانوا يعتبرون أنفسهم بأنهم في مواقع أعلى ويتكبّرون على الآخرين بحيث لا يستمعون إلى النصائح، وكنتُ أُردّد موقفي الذي ما زلتُ مصرًّا عليه، وهو أن هناك مشاكل لا تُحل بتوجيه فوّهة البنادق إلى بعضنا البعض، وإنما يمكن حلها من خلال الاحترام والثقة المتبادلة، ويجب أن نفتح صدورنا لكافة الناس حتى لمن يوجهون فوهة بنادقهم إلينا، نحن بحاجة إلى نشءٍ جديدٍ أشبه ما يكون بالمزهرية القابلة لأن تضع فيها باقة من الورود.