بين الأستاذ فتح الله كولن رأيه في العلويين في تركيا من خلال حوار صحفي مع شبكة “بي بي سي” الفضائية بتاريخ 27 يناير 2014
س: تتحدثون عن حوار الأديان على مستوى العالَم، بينما في تركيا هوة واسعة بين السُّنَّة والعلويين ، وأعتقد أن حديثكم عن مشروع ” المسجد وبيت الجمع جنبا إلى جنب
يعود إلى سنة 1995م، ولكن عندما نُفِّذَ المشروع عبَّر بعض العلويين عن مخاوفهم من التعرُّض لموجة قوية من ذوبان الهُوِيَّة. كيف يمكن أن تجيبوا عن مخاوف العلويين تلك؟
ج: أعتقد أنه ليس كل العلويين يفكرون كذلك، بل يُبدِي بعضهم تقديرَه لهذه المبادرة، لا سيما بعض المعروفين في تركيا، مثل «البروفيسير عز الدين دوغان». معرفتنا تعود إلى سنوات عديدة، والتقينا مِرارًا. ذهبت إلى بيته لزيارته، وهو كذلك جاء لزيارتي. وقلنا فيما بيننا في ذلك الوقت إن مشروعا كهذا سيواجه مشكلات بلا شكّ. لقد آمنَّا بأن هذه المبادرة مهمة جدًّا لتأسيس الوحدة والتآلف بيننا وبين إخواننا العلويين، لا أدري هل أخطأنا في هذا، فالإنسان خَطّاء، لكن كثيرين رحَّبوا بالمشروع وأيَّدوا المبادرة.
نعم، تَحَدَّثَ البعضُ عن ذوبان الهُوِيَّة، ولكن كان هؤلاء ممَّن لا يعرفون سيِّدنا عليًّا أصلًا، ويُدْعَون في الغالب «علويين بلا عليّ»، أي إن سيدنا عليًّا -حسب اعتقادهم- بطل رمزي فقط، قد ثار على بعض الأمور، لذلك يستحقّ التقدير والاحترام. أما موضوع “كان عليٌّ مسلمًا، وكانت أفكاره كذا وكذا” فيقولون “هذه قضايا لا تهمُّنا أصلًا”. المعارضون في الغالب كانوا من هذا النوع. أعتقد أنه سيأتي يوم يندم فيه هؤلاء كذلك على معارضتهم. لماذا؟ لأن مبادرة “المسجد وبيت الجمع جنبا إلى جنب” لم تنطلق لاستيعاب أحد أو محو هُوِيَّته. ولكن الواقع أنه منذ سنوات لُقِّنَ أهل السُّنَّة بعضَ المخاوف، مثل: “سيأتي العلويون ويأكلونكم مثل آكلي لحوم البشر”، وكذلك قيل للعلويين: “سيأكلكم أهل السُّنَّة مثل آكلي لحوم البشر”. ولما مارست الدولةُ التركية عليهم بعض أعمال القمع في سنتَي 1937 و1938م، لا سيما في “أحداث درسيم (Dersim)»[1]، تسبب ذلك في جروح غائرة، وأدَّى إلى تبنِّي هؤلاء هذه الأقوالَ والأفكارَ الزائفة.
الزمن سيُرِينا أُخُوَّة أهل السُّنَّة والعلويين
إن هذا المشروع يعني أن من أراد أن يذهب إلى المسجد ليصلِّي يفعل، ومن أراد أن يذهب إلى بيت الجمع ليقيم مراسم «السَّمَاح» يفعل كذلك. وعندما يخرجون سيلتقون في مكان مشترَك، ويأكلون الطعام معًا، ويشربون الشاي، ويجلسون معًا، فيرى الجميع أنهم لم يأكل بعضهم بعضًا. فالأكل المتبادَل أصبح من المسلَّمات اللاشعورية، بحيث يراه الناس في أحلامهم، ويحلمون به في قيامهم وقعودهم. ما مدى صحة تلك المخاوف؟ الزمان سيرينا ذلك.
فضلًا عن أن مبادرة من هذا النوع قد تَمَّت في تركيا قبل 20 سنة، والإعلام نشر ذلك، أي إن الموضوع ليس جديدًا أو مُحدَثًا، لكنه تحوّل إلى مادة إعلامية، ولعل ذلك كان لصالح المشروع، ومن ثم يمكن إنشاء مشروع آخر مماثل له، فإذا كان هذا في أنقرة فيمكن التفكير في تنفيذه في «إزمير»، وفي «إسطنبول» كذلك. وبالتأكيد سوف يفكِّر البعض في إقامته في أماكن يعيش فيها إخواننا العلويون بكثرة. وسوف تُمنَح لهم الإمكانيات التي مُنِحَت لمؤسَّسة الشؤون الدينية، أي سيأتي مشايخهم ويشرفون على العمل وتُوضَع لهم رواتب، فيمارسون قيمهم وعاداتهم ويمثلونها هناك. وكذلك يمثِّل أهل السُّنَّة قيمهم، فقد استهدفت المبادرة تأسيس هذه الأُخُوَّة على أرض الواقع، ولا يحمل أحد فكرة استيعاب أو إذابة أحد.
إضافة إلى ذلك، بما أن العلوي متعاطف مع سيِّدنا عليّ ومُحِبٌّ له، فقد سعى الفُرس مِرارًا إلى استغلال هذا المدخل، فذهبوا بالناس من تركيا إلى مدينة «قُم» ، ومَن عاد إلى تركيا عاد يحمل في قلبه عداءً للمجتمع التركي، بينما الفرق شاسع بين العلوي في الأناضول وشيعة إيران. فالعلويون في تركيا يحترمون تقاليدنا التي تعود إلى أكثر من ألف عام. كما أن لهم مراسم وطقوسًا خاصة بهم تشبه مراسم “السماع” لدى مولانا جلال الدين الرومي، وينبغي أن لا ننظر إلى هذه الفروق كأنها أسباب للنزاع، بل ينبغي احترامها. أما الأوهام والهواجس المثارة فالزمان سيُثبِت لنا مدى صحتها. الزمان سيثبت لنا أنه لا أحد منا يهدف قطعًا إلى محو هُوِيَّة آخَرَ.
[1] اسم يطلق على الأحداث التي وقعت نتيجة خلافات بين الحكومة المركزية وعشائر «درسيم (Dersim)» في 1937-1938م؛ حيث قام الجيش بتنظيم مجموعة من العمليات العسكرية بهدف بسط سيادة الدولة في «درسيم». وقد قتل خلال هذه الأحداث أكثر من 13000 مدني و110 جنود، وهُجّرَ ما يقرب من 12000 مواطن قسرا.