(الزمان التركية) – القلق يساور المواطن التركى مما ستؤول إليه بلده بعد الاستفتاء الذى سيجرى غدا ، ويتساءل : هل النتيجة ستكون فى مصلحة بلده أم لا .. هذا ما نقله الكاتبان “آيرين كايلان؛ وماكسميليان دوب” وكتباه فى مقالهما بمجلة (ديرشبيغل)2017/4/19 الألمانية وترجمه عبد الرحمن الحسيني لصحيفة الغد الأردنية حيث يقول :
مع إجراء الاستفتاء غداً الأحد في تركيا على منح الرئيس رجب طيب أردوغان صلاحيات رئاسية كاسحة، يشعر حتى الداعمون له منذ وقت طويل بالتردد. قد يكون زعيم البلاد قد أفرط في البحث عن السلطة -ويمكن أن تؤدي هزيمة الاستفتاء إلى الكشف عن مشاكل.
* * *
خاطر أحمد ممشو بحياته من أجل رجب طيب أردوغان. نزل إلى الشوارع تأييداً للرئيس التركي، ووقف في وجه محاولة الانقلاب في الصيف الماضي، حتى أنه كان قد ساعد في تنظيم حملات أردوغان في الماضي. أما الآن، كما يقول، فإنه لم يعد من هو الذي يجب أن يقاتل معه بعد الآن: “من أجل تركيا؟ أم من أجل حزب العدالة والتنمية؟ أم من أجل أردوغان وحده فقط”؟
يجلس ممشو البالغ من العمر ستة وثلاثين عاماً، نحيل الجسم والملتحي، في مكتب ابن عمه في مدينة بورصة، التي تقع في غربي الأناضول. وهو لا يريد نشر اسمه الحقيقي، لأن الشكوك تساوره في مثله الأعلى وقدوته، ولا يمر نشر الاسم من دون مخاطرة يتعرض لها صاحبه في تركيا اليوم.
يوم الأحد، 16 نيسان (أبريل) سوف تصوت تركيا على مأسسة نظام رئاسي يخول صلاحيات إضافية كبيرة للرئيس أردوغان. ويعتقد ممشو أن هذا الإصلاح سوف يحول تركيا إلى دولة رجل واحد. ويقول: إن أردوغان يقطع شوطاً مفرطاً ويتمادى جداً.
ويوافق ابن عمه على قوله ويقول: “كنت أصوت دائماً لصالح حزب العدالة والتنمية، والآن انتهى ذلك”؟ ويضيف أن أردوغان قد خان مُثل الحزب: “إنه هو الرئيس. وهو يعيش في قصر. لكنه يريد المزيد والمزيد من السلطة”.
يشعر أحمد ممشو منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز (يوليو) من العام 2016 بأنه أصبح مغترباً عن حزبه. ومنذ ليلة الانقلاب، كان عليه أن يشاهد بينما يتعرض أناس أبرياء إلى السجن كمتآمرين. ويقبع والد زوجته حالياً خلف القضبان، لأنه كان قبل أعوام قد عمل مع منظمة مساعدات مقترنة برجل الدين الإسلامي فتح الله غولن، الذي يتهمه أردوغان بالوقوف وراء المحاولة الانقلابية. ويقول ممشو: “إن البلد كله يعاني بسبب الحرب بين أردوغان وغولن”.
ويعطي ممشو بكلماته تعبيراً عما كان منظرو حزب العدالة والتنمية يقولونه منذ أسابيع في دوائرهم السرية: إن الدعم للنظام الرئاسي ينكمش. وربما يعطي أردوغان الانطباع خلال خطاباته التي تشبه التجمعات الدينية بأن البلد برمته يقف خلفه. ويوم الأحد قبل الماضي، استقبلته عشرات الآلاف من الجماهير في أنقرة بالتحية والهتاف.
لكن بعض مستطلعي آراء الناخبين يرون أن معسكر “لا” يتقدم بنسبة تبلغ نحو 10 في المائة. وحتى أنصار أردوغان الذين كانوا موالين له في السابق، بمن فيهم العاملون في الحزب نفسه، لا يفهمون لماذا يريد الرئيس إجراء هذا الاستفتاء على هذا النحو اليائس. ووفق استطلاعات الرأي العام، فإن ثلث ناخبي حزب العدالة والتنمية يبدون تردداً بين التصويت بنعم أو بلا. وينص النظام الجديد على التنازل عن صلاحيات لصالح الرئيس، والتي لم يكن حتى مؤسس الدولة التركية الحديثة، كمال أتاتورك، يتمتع بمثلها. وبموجب النظام الجديد، سيكون الرئيس قادراً على تعيين الوزراء، وما بين 12 إلى 15 من القضاة الدستوريين، كما أنه سيتمتع بصلاحية حل البرلمان في أي وقت يشاء. وسوف يتم إلغاء منصب رئيس الوزراء. ويدعي أردوغان بأن هذا الإصلاح ضروري لتأمين الاستقرار ومنع المزيد من محاولات الانقلاب. لكنه يتمتع مسبقاً بقدر من الصلاحيات التي لم يسبق أن تمتع بها أي سياسي في التاريخ التركي الحديث.
مشكلة في بلد أردوغان
تتدلى ملصقات الحملة التي تحمل صور وجه أردوغان في كل مكان في بورصة. وتتزين الشرفات بالأعلام التركية. وتمر السيارات في الشوارع وهي تبث أغاني وأناشيد انتخابية. ويحاول حزب العدالة والتنمية خلق حس من الإثارة، ويجب أن لا يكون ذلك صعباً جداً هنا في بورصة. فهذه المدينة رابع أضخم مدينة في تركيا، وكانت نسبة مواطنيها الذين صوتوا لصالح حزب العدالة والتنمية في الانتخابات البرلمانية في العام 2015 أعلى من المعدل.
لفترة طويلة من الوقت، كان مواطنو بورصة يسيرون على الطريق التي أراد لهم أردوغان أن يسيروا عليها: أن يكونوا عمليين مجدين وورعين. وقد تطورت المدينة لتصبح مركزاً صناعياً، وبنت الحكومة فيها ضواحي سكنية جديدة ومراكز تسوق ومساجد. لكن الاقتصاد هنا انهار منذ المحاولة الإنقلابية، وتبدو واجهات العرض في المخازن الآن خاوية على عروشها. ويقول ابن عم ممشو الذي يدير مصنعاً للأنسجة أن عائده هبط من 50 مليون ليرة إلى 2 مليون ليرة في العام الماضي.
وكان ممشو، المسلم الورع، قد بنى مقراً محلياً لحزب العدالة والتنمية. وكان الحزب منزله. وهو لم يترك الحزب رسمياً، لكنه انسحب من الحملة الخاصة بالاستفتاء المقبل كما فعل العديد من رفاقه أعضاء الحزب. وفي السابق، كان حزب العدالة والتنمية يستطيع التعويل على جيش من المتطوعين للعمل في حملته الانتخابية. والآن، وفقاً لممشو، ثمة نصف رؤساء مناطق حزب العزالة والتنمية تقريباً تنحوا في بورصة وحدها. وفي طول البلاد وعرضها، يشتكي برلمانيون من الافتقار إلى الحماس أيضاً في صفوف أعضاء حزب العدالة والتنمية. لقد انقسم الحزب، حيث أدار جزء منه ظهره للرئيس، بينما يعبده الجزء الآخر مثل زعيم طائفة دينية.
تقف فاطمة أردونميز بجوار خيمة لحزب العدالة والتنمية أمام مسجد سهريكوستو في بورصة، وتوزع نشرات إعلانية مطبوعة عليها كلمة “إيفت” أو نعم. وتصدح أغنية حملة حزب العدالة والتنمية -ترنيمة لأردوغان “مهندس تركيا الجديدة”- من مكبرات الصوت. وتقول أردونميز: “تصور المعارضة النظام الرئاسي بصورة سيئة عبر نشر معلومات خاطئة. ومع ذلك سوف نفوز”.
تعمل أردونميز البالغة من العمر 38 عاما مهندسة في مشاريع والديها. وهي تضع غطاء للرأس وتتحدث الإنجليزية باتقان وطلاقة بعد أن أكملت دراستها الجامعية في الولايات المتحدة، لأنه لم يكن يسمح للنساء اللواتي يرتدين غطاء الرأس بدخول الجامعات التركية في فترة ما قبل أردوغان. وفي العام 2005، عادت إلى تركيا وشعرت في الحال بأن البلد الذي عادت إليه أصبح أفضل مما كان عليه في السابق. ولذلك أرادت أن تكون جزءاً من التغيير، وما تزال تشارك في تنظيم حملات حزب العدالة والتنمية في بورصة منذ ذلك الحين.
وأردونميز معتادة على تسجيل إنجازات حزب العدالة والتنمية، وهي تستطيع بسهولة ذكر عدد رياض الأطفال والمدارس والمستشفيات التي بناها الحزب في بورصة. لكنها تجد نفسها هذا المساء وهي تواجه أسئلة حساسة. ويريد أحد الرجال أن يعرف لماذا عين أردوغان صهره وزيراً للطاقة، على الرغم من أنه كان قد تعهد بعدم جلب أي من أفراد العائلة إلى الحكومة. وثمة امرأة ترتدي غطاء للرأس، والتي تشتكي من أن عائلتها لم تعد تستطيع دفع إيجار المنزل إلا بشق الأنفس الآن بسب هبوط قيمة العملة التركية. وتبتسم أردونميز مجاملة، وتعد بأن يعود الأمن والازدهار إلى المدينة فور تطبيق النظام الرئاسي الجديد.
ولكن، حتى أعضاء فريقها الخاص يخالطهم الشك. ويجيب متطوع في الحملة على سؤال عما إذا كان سيصوت بنعم أو لا بقوله: “أريد الأفضل لبلدي فقط”.
أردوغان خلق أعداءه بنفسه
يجد حزب العدالة والتنمية صعوبة في إخفاء مشاعر عدم الارتياح في صفوف أعضائه. وأصبح يترتب الآن نقل أنصار الحملة في حافلات لحضور مناسبات الحملة في شرقي الأناضول، وحتى في مركز القوة في أنقرة، أصبحت وتيرة الانتقاد لأردوغان آخذة في النمو بين حلفائه.
في وقت مبكر من رئاسته للحكومة في العام 2003، جمّع أردوغان ائتلافاً عريضاً لدعمه، بمن فيه أعضاءً من حركة ميللي غورتيس ومن المعتدلين المسلمين والمعارضين الليبراليين في الجيش. لكنه ضحى في المسيرة الطويلة على الطريق إلى الحكم الاوتوقراطي بحليف بعد الآخر.
الرئيس السابق عبدالله غول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو ونائبه بولنت أرينك تقاعدوا كلهم من السياسة. وهم يرفضون المصادقة على النظام الرئاسي الجديد. كما أن وزير الاقتصاد السابق علي بابا خان، الذي كان يحظى باعجاب منقطع النظير من جانب المستثمرين الأجانب، أصبح يُنظر إليه منذ وقت بعيد على أنه منتقد. ومن أصل المؤسسين الخمسين لحزب لعدالة والتنمية، تبقى في الحزب أقل من النصف.
كان المحامي دنجير مير محمد فيرات واحداً من هؤلاء المؤسسين الذين تركوا الحزب بسبب الاحتكاك مع أردوغان. وقد أدار ظهره لحزب العدالة والتنمية في العام 2014. ويقول: “كان حزب العدالة والتنمية أكثر من حزب. كان وعداً بمزيد من الديمقراطية”. ويضيف: “لكننا سُحرنا كثيراً بنجاحنا لدرجة لم نر معها الميول الاستبدادية”.
ويعتقد فيرات أن هناك ثلاثة تطورات كانت وراء تطرف وانقسام حزب العدالة والتنمية: الصراع على السلطة مع الجيش؛ واحتجاجات متنزه غازي في العام 2013؛ والصراع مع حركة غولن الإسلامية.
ذات مرة، كان أردوغان وغولن حلفاء. وعملا سوية على تقليم أجنحة الجيش، لكنهما تعاركا في العام 2013 بسبب توزيع السلطة المكتسبة حديثاً.
من المؤكد أن المحاولة الانقلابية التي يلقي أردوغان باللائمة فيها على غولن قد قسمت الحزب إلى قسمين. وقد تم تسريح حوالي 130.000 موظف عام من أعمالهم، بينما اعتقل 45.000 آخرين على اعتبار أنهم مشتبه بهم في التآمر. وأثرت حملة التطهير أكثر ما يكون على الناس من حزب ميللي الإسلامي المحافظ، الذي كان في السابق داعماً بقوة لحزب العدالة والتنمية.
والآن، في الأيام التي سبقت يوم الاستفتاء، ارتفع منسوب التوتر في الحزب. في السابق، كان أردوغان يستطيع دائماً توحيد الحزب خلفه قبل الانتخابات. لكنه لم يعد بالإمكان إنكار أن هناك انقساماً موجوداً في داخل حزب العدالة والتنمية.
ماذا إذا خسر أردوغان؟
يقول آيتين مكوبيان، الذي ينوي التصويت بـ”لا” يوم 16 نيسان (ابريل): “عند إحدى النقاط، أقنع أردوغان الناس من خلال شخصيته الكارزمية ورؤيته لتركيا الديمقراطية القوية. لكنه اليوم يحكم من خلال الترويع والخوف”. وكان هذا الصحفي التركي الأرمني داعماً لحزب العدالة والتنمية، ومستشاراً لرئيس الوزراء السابق أحمد داود اوغلو. وفي العام 2011، دعم الحزب في محاولته إصلاح الدستور الذي كان قد صاغه الجيش بعد العام 1980. وعلى مدار عامين، عكف ائتلاف من ساسة وأكاديميين وممثلين للمجتمع المدني على صياغة مسودة قانون من شأنها تقوية حقوق الأقليات وضمان استقلال الجهاز القضائي. وفي النهاية فشل المشروع.
ويحاجج مكوبيان بأن اقتراح تقوية النظام الرئاسي الذي تطلب الحكومة من الناس الآن دعمه سيحول البلد في الحقيقة إلى نظام استبدادي. ويضيف: “ستكون تركيا مشابهة للعراق تحت حكم صدام حسين، وليس لأوروبا بعد اليوم”.
لكن لدى السيد أردوغان مشكلة إضافية: سوف يحتاج منه كسب الاستفتاء إلى أن يجتذب ناخبين إضافيين -وحالياً يمكن العثور عليهم بين ظهراني حزب الحركة القومية المتشددة. لكن إغواء هؤلاء الناخبين بهتافاتهم الفاشية يذهب شوطاً بعيداً مفرطاً جداً، حتى بالنسبة للأتراك القوميين المحافظين. وفي وقت ليس بالبعيد، كان أردوغان قد نعت رئيس الحزب المذكور بأنه “عنصري”. والآن، يبدو أنه رفع من إمكانية أن يصبح نائباً للرئيس.
ثمة شيء واحد لم يعد أردوغان العدة له: الهزيمة. لكن المراقبين يقولون إنه في حال فشل الاستفتاء، فإن الرئيس سوف يدعو إلى عقد انتخابات جديدة حتى يحصل على ثلثي الأغلبية النيابية التي يحتاج إليها لتعديل الدستور. ومن غير الواضح ما إذا كان سينجح في ذلك.
ربما يكون أردوغان قد أساء الحكم، وربما يكون قد بالغ في التصرف. ربما يكون قد أسكت الناشطين في حزب العدالة والتنمية بسلوكه الاستبدادي، لكنه إذا خسر الاستفتاء، فإنهم ربما يعودون كمعارضين معلنين لحكمه.
لكن هناك شيئاً واحداً أكيداً: بغض النظر عن محصلة الاستفتاء، سوف تكون تركيا بلداً مختلفاً بعد 16 نيسان (أبريل).