كان يصعب رؤية وقوع حادث أرهابي فى عاصمة الاسلام السياسي لندن، فذلك كان مستبعدا لاعتبارات كثيرة، ولنفس الاسباب تقريبا يستبعد حدوث مثل تلك العمليات الارهابية فى دولة الاحتلال الاسرائيلي، او نسختها العربية المسماه بدولة قناة الجزيرة، المعروفة باسم قطر.
فعاصمة الضباب، لندن، باتت عاصمة الاسلام السياسي قبل أن تكون عاصمة المملكة المتحدة، وباتت هى المأوى الأول والملاذ الآمن لجميع عناصر وقيادات الجماعة الام، والحاضنة الاولى لتيار الاسلام السياسي، والعباءة الواسعة لكافة التنظيمات الاصولية من بعد ذلك، الا وهي جماعة الإخوان المسلمون، التى كانت أحد اهم أذرع المملكة المتحدة للسيطرة على العالم الاسلامي، ولا ننسى أن شهادة ميلاد جماعة الاخوان أستخرجت من مقر المخابرات البريطانية، وعلى مر العقود لم نر اي صدام بين الاسلاميين وبريطانيا، بل شكلت لندن دائما للاسلاميين الحضن الدافئ، وبعد أن تولت واشنطن ادارة ملف الاسلام السياسي، مع صعود الاسلاميين الى سدة المشهد بعد ثورات الربيع العربي، ولكن بعد فشل استمرار الاسلاميين على الساحة بعد ثورة 30 يونيو في مصر، عادت لندن من جديد لتسترد ملف الاسلاميين بالكامل كي تديره هي من جديد، وحتى وقتنا ذلك تعد لندن الداعم الرئيسي للاسلام السياسي، فهى من ترعي الصغار المشردين منهم، وهى من توجه قياداتهم، او محركيهم بالمنطقة كتركيا وقطر، ويتجلى ذلك فى الملفين السوري والليبي أكثر.
فلماذا اذن بعد كل ذلك الشرح، يكون تنظيم داعش هو منفذ عملية لندن، حتى وإن تبنى العملية؟! لماذا وبريطانيا أقل الفاعلين فى التحالف الدولي الذى قتل من المدنيين وجنود الجيش السوري أكثر مما قتل من داعش بسوريا؟
المنفذ الحقيقي لتفجيرات لندن قد يكون داعش بما انه هو من تبنى الحادث، وهو الامر المعتاد فى أي كارثة تحدث فى اي بقعة بالارض، ولكن دعونا نتساءل ونفكر سويا، من هو تنظيم داعش أصلا؟ الم يكن هذا التنظيم هو النسخة المتطورة من البلاك ووتر 2003.
من هو تنظيم داعش الذى يتواجد بسوريا والعراق وليبيا وشمال مالي، ونيجيريا، ودول الساحل والصحراء، وينفذ عمليات بمصر والخليج العربي وأوروبا، وذئابه المنفردة تطول جميع بقاع الارض؟
نعم داعش هو نتيجة التربة الاصولية الخصبة التى تتوافر في جميع البلدان العربية والاسلامية، البيئة التى طرحت لنا بن لادن والظواهري وابو بكر البغدادي وغيره، ولكن من الذى مول هولاء ودربهم ومدهم بأحدث الاسلحة، من كان عقل كل هولاء الاصوليين الذى لا يشغل عقلهم (هذا أن وجد عقل أساسا) سوى حور العين وليس أكثر من ذلك.
والان أسمحو لى ان أطرح السؤال بشكل مباشر، من هو المنفذ الحقيقي لحادث لندن بعيدا عن الخبر السطحي بخصوص تبني تنظيم داعش لتلك العملية، من هو الوجه الحقيقي القابع خلف قناع داعش.
حقيقة الامر لندن تعاقب لخروجها من الاتحاد الاوروبي، ويتم توجيه جرس انذار لمن يفكر فى الخروج من الاتحاد الاوروبي والسير على خطي بريطانيا، فلم يكن وقت وقوع الحادثة ومكانه صدفة، فبالقرب من البرلمان واثناء مناقشة خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي، بالتزامن مع بحث اسكتلندا أنفصالها عن المملكة، لرغبتها في الاستمرار فى الاتحاد، ثم يأتى رد الفعل الشعبي من أنصار البقاء فى الاتحاد الاوروبي سريعا جدا، بعمل مسيرة تحمل اسم “اتحدوا من أجل أوروبا”، حاملين فيها أعلام الاتحاد الأوروبي، منددين بكل مسؤول فى الحكومة سيوافق على خروج بلادهم من الاتحاد، بدل الاكتفاء بتأبين شهداء الحادث الارهابي، أو حتى دعم الحكومة الانجليزية أمام أي تهديد مستقبلي (كحال ردة فعل الشعوب الغربية بعد وقوع أي حادث أرهابي).
هنا الرسالة كانت واضحة جدا، وتجلت أكثر بعد لقاء قادة الاتحاد الاوروبي فى العاصمة الايطالية، بعد مرور أقل من 48 ساعة على الحادث، وفي الذكرى الستين لاتفاقية روما التي عملت على إرساء أسس الاتحاد بين الشعوب الأوروبية، كي يؤكد زعماء الاتحاد فى “إعلان روما” اصرارهم على وحدتهم، فى سلسلة تصريحات جاءت جميعها كرد على البريكسيت.
ولان التوقيت أحد العوامل التى تعطينا الاجابة، أتت زيارة المرشحة للرئاسة الفرنسية ماري لوبان (الداعمة لخروج بلادها من الاتحاد الاوروبي) لموسكو بالتزامن مع ذلك المشهد بأوروبا، فتوقيت مقابلة لوبان مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعكس دلالات كثيرة، ويجيب عن اسئلة لا نهاية لها، فبوتين عازم على تصعيد ترامب آخر ولكن فى تلك المرة بقصر الاليزية.
وسننتظر ما ستحمله الأيام القادمة فى عام هو أوروبي بامتياز، ومن المؤكد لن يكون مشهد ويستمنستر هو النهاية، فى ظل قارة عجوز تخشى أن ينتقل لها ساحة الصراع من الشرق لاراضيها، فى ظل عواصف تضربها قادمة من موسكو وواشنطن وانقرة.
فادى عيد
الباحث و المحلل السياسى بشؤون الشرق الاوسط