بقلم: مصطفى مجدي
من السهل الوقوف من بعيد ورميُ الناس بالأباطيل والاتهامات تبعاً لهواك، فكثيراً ما نحكم على أخلاق الناس ونحن فى أمسّ الحاجة إلى هذا الحكم على أخلاقنا، نحكم على علمهم وإذا نظرنا إلى أنفسنا نجد أننا لا نضاهيهم فى علمهم بشئ.
إن كثيراً من الناس نصبوا أنفسهم حكماً على الآخرين دون أن يعاملوهم، ودون أن يدخلوا تحت مظلتهم ويستزيدوا من منبعهم، كما هو حال بعض الناس مع متطوعي حركة الخدمة في هذه الأيام، حيث وصل الأمر بهم لمحاربتهم والتشديد عليهم ومنعهم من إعلاء كلمة الله وخدمة البشرية التى أمرهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كما يحدث فى كثير من أنحاء العالم نرى من لا يفقهون شيئاً من الدين أو الدنيا والمحسوبين على الإسلام وأشباه طلبة العلم والقادة الذين ينادون الناس باسم الإسلام بدلاً من أن يقفوا بجانب علمائهم ويشدون من أزرهم لكى يرتقوا بأمتهم، نراهم يضيقون عليهم ويرمونهم بأقبح العبارات ويتطاولون عليهم ويشوهون صورتهم على رؤس الأشهاد فى الصحف والمجلات والمساجد وينفرون عامة الناس منهم.
الحكم على الناس لا يكون بالمظاهر ولا من خلال ما سمعتَه عنهم ولا من خلال عاطفتك تجاه الجانب الآخر ولا بالهيئات والمناظر ولا أن تضعهم فى سلة واحدة وتعاملهم بفكر واحد، بل لا بد من بحث وتدقيق وتعامل وتعاطٍ بينك وبين من اتهمت حتى تستطيع أن تكوِّن فى ذهنك فكرة عامة ومن ثم تصدر الأحكام.
فمثلا ما يتعرض له حركة الخدمة فى تركيا من تضييق عليهم وعلى عالمهم الوقور الجليل الذى عاش طيلة عمره يخدم أهل وطنه بل ويخدم الإنساينة جمعاء من خلال مشاريعه ومدارسه المنتشرة فى أنحاء العالم أتعجب لما يحدث له برغم بعده عن وطنه سنوات كثيرة وبالرغم من الإساءة إليه دائما وما يتعرض إليه بكلمات وأوصاف لا يجوز أن تقال فى حق واحد من عامة الناس فضلا أن تقال فى حق واحدٍ من علماء الأمة لم يتوانَ عن المساعدة ولم تقف عن الحركة ساكناً رغم كل التهديدات.
فهل هذه هى الطريقة السليمة لإقامة الخلافة كما يدعون؟ هل العلماء هم العائق من إقامة دولة الخلافة؟ أم أنكم تعلقون فشلكم على عاتق الآخرين؟
هل كلامه ودروسه وكتبه تنضح بالجهل والإرهاب كما تدعون؟!
وهنا أتسائل ..
ما الذى تغير؟ بالأمس كنتم تمدحونه وتبجلونه وتثنون على مشروعاته وخدماته فى العالم أجمع… واليوم تقدحون فيه وفى علمه وتحاربونه وتسعون لإغلاق كل منفذ فتحه قبل ذلك بكلماته الرقيقة الرنانة.
فهذا الأسلوب شبيه بالأسلوب الذي كان يسير عليه المنافقون قديماً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث كانوا يصفونه قبل البعثة بالأمين والصديق والحكم والثقة…
ولكن بعدما جاء بالرسالة ماذا قالوا؟ قالوا عنه: ساحر، كذاب، كاهن، مجنون!
وللأسف الشديد يتبع اليوم هذه الطريقة بعض المسلمين ومن يحسبون أنفسهم على الإسلام السياسي، حيث ينعتونك عدواً للدولة لمجرد اختلافك معهم في الفكر والعمل، ويقولون فى حقك أقدح الكلمات بل يصل الأمر بهم إلى تكفيرك.
ألم يروا الشباب الذين يدخلون تحت مظلتهم ويتعلمون فى مدارسهم؟ ألم تحسوا بتغير فى سلوكهم من الأسوأ إلى الأفضل؟!
ألم يسمعوا اعترافات الآباء والأمهات بالتغير الملحوظ فى سلوكيات وأخلاق أبناءهم وبناتهم الذين يتلقون التعليم في مؤسسات الخدمة؟!
هؤلاء الأبناء لقد أصبحوا الآن أكثر اعتمادًا على أنفسهم، تحسنت وارتقت سلوكياتهم، ويسعون للسير فى الطريق الصحيح ليخدموا أمتهم والإنسانية كلها.
فكل متأمل صادق غير مغرض فى الشؤن التركية لا يملك إلا الاعتراف بتلك القدرة العظيمة التى طورت وأنشات وأنقذت فى تاريخها إيمان آلاف شبان المسلمين، بعد أن كانوا أكثر عرضة للفساد تجدهم الآن جيلاً متمسكاً بدينه محافظاً على شريعت. ولكن فى المقابل تجد من يسعى إلى إغلاق هذه المنابع ويتجرأ على العالم فتح الله كولن ومن يتبعونه بأقبح الألفاظ ويتهمه بالكفر لمجرد اختلاف فى بعض وجهات النظر حول مختلف القضايا.
فهل حقا تريدون أن تجففوا منابع الفساد أم منابع الخير؟!
هل عندكم استعداد لمساعدة هؤلاء المتعطشين من أبناء العالم لمثل هذا التعليم والتربية الذين تقدمهما مؤسسات الخدمة؟
هل من تفسير منطقي للمساعي الرامية إلى تدمير مثل هذه الحركات وهذه الجمعيات والحيلولة دون استفادة المحتاجين والراغبين منها حق الاستفادة؟
ماذا تريدون بالتحديد؟ هل فعلا تريدون محاربة الفساد أم اغتيال أحلام ملايين البسطاء والأيتام والطلاب؟!
إن الأمة التى لا تقدر ولا تحترم علمائها ولا تعرف مكانتهم وفضلهم في العلم والدعوة تستحق أن تبقى في ذيل الأمم.
أيها الأخوة! الخلاف موجود، نعم، ولكن لابد أن لا يأخذنا الخلاف الى التطرف والبعد عن الحق أو إلى أن يطعن أحدنا فى الآخر.
أليس “فقه الاختلاف” من أهم المزايا التي تتفرد بها هذه الأمة؟
وإذا ألقينا نظرة سريعة على الاتهامات الموجهة إلى الأستاذ كولن وأهل الخدمة، سواء في تركيا أو في العالم العربي نرى أنها نمطية لا تقوم على أساس موضوعي، فضلاً عن أن أصحابها تبنوها دون تلمس وقراءة كتبهم التي تتضمن الآراء والأفكار حول منظورهم الفكري والعملي، بل هي مجرد أحكام مسبقة مبنية على الروايات والشائعات المفتقرة إلى البراهين والأدلة ونابعة عن شعور الحقد والحسد والكراهية والمنافسة.
وكما يقول المثل من ذاق عرف ومن لم يذق لم يعرف!
لذلك ندعو الراغبين في الاطلاع بصدق على حقيقة الأستاذ كولن وحركة الخدمة إلى دراسة مؤلفاته أولاً دراسة عليمية موضوعية ومن ثم إلى البحث الميداني من خلال زيارة المدارس والجمعيات وإجراء مقابلات مع المدرسين وكذلك الطلبة الدارسين فيها، إذ ليس الخبر كالمعاينة.