بقلم: ممتاز أر توركانه
لم تكتف الحكومة التركية يإعلان الحرب ضد جماعتي “الخدمة” و”السليمانيين”، وإنما تعمل أيضا على” تشكيل جماعات ضد الجماعات الأخرى”، كما نبّه إلى ذلك الكاتب الصحفي “على بولاج”.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إن السعي لجعل جميع القنوات الدينية الحيوية حكراً على الدولة، وتأميمِ حاجة التعليم الديني للمجتمع وجميعِ مظاهر التديّن، لن يكون في الحقيقة لصالح المسلمين ولا لصالح الدولة، بل سيصبح الأمر عبارة عن تقديم الدين إلى السلطة الحاكمة لتستخدمه مثل العصا وفق مصالحها السياسية.[/box][/one_third]وما كتبه الشيخ “خير الدين كارامان”، بصفته المفتي الخاص لحزب العدالة والتنمية الحاكم، في مقالين له، نشرتهما صحيفة “يني شفق” الموالية للحكومة بتاريخ 22 و26 يونيو/ حزيران الماضي، في معرض دفاعه عن الجمعيات والأوقاف المحسوبة على الحكومة، مثل وقف” توركاف” العائد لنجل أردوغان، و”أوندار” و”أنصار”، يثبت صحة طرح بولاج، وتتضح الصورة أكثر إذا أضفنا إلى ما سبق مشروع القانون المطروح على البرلمان، الذي يقترح السماح بتقديم تبرّعات لمثل هذه الأوقاف والجمعيات.
دعونا نذكر هنا معلومة أصبحت معروفة لدى الرأي العام التركي، وهي أن القانون الذي غيّر نظام التعليم الوطني من أساسه، وصارت بموجبه مدةُ التعليم الإلزامي إثني عشر عاما، أربعة أعوام للمدرسة الابتدائية وأربعة للمدرسة المتوسطة وأربعة للمدرسة الثانوية، بهدف توسيع نطاق” التعليم الديني الرسمي”، لم يكن من صنع وزير التعليم في حكومة حزب العدالة والتنمية، ولا صدر عن مجلس الوزراء، وإنما اخترعته بصورة مباشرة تلك الجمعياتُ والأوقاف التي يتحدّث عنها الشيخ خير الدين، وهذا يعني أن البعد الحقيقي لعملية “تشكيل جماعات في مواجهة جماعات أخرى” ،هو نفوذ بعض الجماعات في الدولة وتأميم تلك الجماعات من قبل الدولة، فإذا أصبحتم تعتمدون على تمويل الدولة وسلطتها، سواء كان عن طريق الحصول على عمولات من المناقصات العامة أو بالطرق القانونية، فإنكم حينئذٍ تصبحون من “منتجات الدولة”، ومن أية زاوية نظرتم، فإن النتيجة هي عملية تأميم للإسلام.
إن السعي لجعل جميع القنوات الدينية الحيوية حكراً على الدولة، وتأميمِ حاجة التعليم الديني للمجتمع وجميعِ مظاهر التديّن، لن يكون في الحقيقة لصالح المسلمين ولا لصالح الدولة، بل سيصبح الأمر عبارة عن تقديم الدين إلى السلطة الحاكمة لتستخدمه مثل العصا وفق مصالحها السياسية.
يقول أردوغان “دعوانا”، فأية دعوة هذه؟ هل الدعوة هي التي تخدمكم، أم أنكم أنتم من تخدمون الدعوة؟ إن من يسيطر على الدين بفضل الإمكانيات التي توفّرها الدولة، يسيطر على المجتمع أيضاً، وعلى سبيل المثال، إن أدليتم بأصواتكم لصالح حزب آخر غير الحزب الحاكم في الانتخابات البلدية، مثل جماعة السليمانيين، فإن جميع التصاريح الممنوحة لكم ستلغى.
إنكم إذا قرأتم “الدولة الموازية”، التي يتهم أردوغان بها حركةَ” الخدمة” ،على أن المعني بها هو “منظّمة المجتمع المدني”، فإن كل شيء سيتضح بصورة جلية، فمنظمة المجتمع المدني هي البديل عن الدولة، ولنبسّط الأمر أكثر: هناك نوعان من المجتمع، الأول مجتمع سياسي يتعاطى بشكل أو بآخر مع الدولة، ويستمدّ وجوده منها، والثاني مجتمع مدني يدبّر كل أموره بنفسه دون الاعتماد على الدولة.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ]إنكم إذا قرأتم “الدولة الموازية”، التي يتهم أردوغان بها حركةَ” الخدمة” ،على أن المعني بها هو “منظّمة المجتمع المدني”، فإن كل شيء سيتضح بصورة جلية، فمنظمة المجتمع المدني هي البديل عن الدولة، ولنبسّط الأمر أكثر: هناك نوعان من المجتمع، الأول مجتمع سياسي يتعاطى بشكل أو بآخر مع الدولة، ويستمدّ وجوده منها، والثاني مجتمع مدني يدبّر كل أموره بنفسه دون الاعتماد على الدولة.[/box][/one_third]وعلى ذلك، فإن حزب العدالة والتنمية الحاكم يؤسّس “سلسلة بونزي” ، (نوع من المخدرات الاصطناعية واسعة الانتشار في تركيا)، الخاصة به عن طريق توسيع المجتمع السياسي وتضييق الخناق على المجتمع المدني، ولذلك يصارع المجتمع المدني الذي يرفض الخضوع لعملية التأميم هذه.
وليست المسألة الدينَ أو التدين، إنما المسألة هي فتح مناطق نفوذ وانتشار للدولة والسلطة الحاكمة، أما الوسيلة المستخدمة لتحقيق ذلك فهي تأميم الإسلام.
في عام 1924، احتكرت الجمهورية التركية الحديثة الدين، استناداً إلى قانون توحيد التدريس والشؤون الدينية، وتجاوزت في ذلك ما كان قائما في الدولة العثمانية، والآن يسعى حزب العدالة والتنمية لتوسيع مجال هذا الاحتكار ونشره في قاعدة المجتمع عبر تأميم الجماعات.
إن سياسة حزب العدالة والتنمية في التعليم الديني، القائمة على فتح مدارس الأئمة والخطباء وتدريس المواد الدينية تنطلق من المنطق ذاته الذي انطلقت منه تعديلات انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول العسكري، وهو إدامة احتكار الدولة للدين، والسيطرة بذلك على المجتمع.
والسؤال الآن: “كيف ستواصل هذه الجماعات المؤمَّمة الحفاظَ على جهازها المناعي؟ والأكثر من ذلك، لأي أغراض مشبوهة ستستخدم الدولةُ تلك الجماعاتِ الخاضعة لها عندما تغلق أبواب السلطة أمامها؟