القاهرة (الزمان التركية) – في الوقت الذي يعيش فيه المجتمع التركي حالة انقسام غير مسبوق بسبب حملات الاعتقالات والفصل من العمل على خلفية محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركيا منتصف يوليو / تموز الماضي والتي لم تشهد لها تركيا صاحبة التاريخ الطويل مع الانقلابات وتغيير الأنظمة يسعى الرئيس رجب طيب أردوغان لوضع نظام رئاسي يجعله المتفرد بكل شئ في البلاد ويحوله إلى شخصية مركزية تنمحي معها أية قوة أخرى.
يأتي هذا في الوقت الذي تتوالي فيه التقارير الاستخباراتية التي تكشف حقيقة ما حدث في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في منتصف يوليو 2016 ، وضلوع الرئيس التركي بنفسه في التخطيط لها.. وقدم موقع “دوت مصر” عرضا لهذه التقارير والذي كتبته سالي شبكة ونعرضه فيما يلي:
من المدبر الحقيقي لسيناريو الانقلاب في تركيا؟
لم يلبث أن انقضى الليل علي أحداث الانقلاب الفاشل الذي شهدته تركيا في 15 يوليو 2016، حتى خرج أردوغان علي العالم في اليوم التالي، بقائمة من الاتهامات المجهزة بعناية، معلنا أن فتح الله غولن، هو العقل المدبر للانقلاب وموجها أصابع الاتهام إلى حركة الخدمة بأنها من دبرت الحركة الانقلابية، ليستخدمها كتهمة سابقة التجهيز، لضرب كل أعدائه بحجر واحد.
اعتمد أردوغان في مزاعمه تلك، علي دليلين رئيسين أولهما وثائق منسوبة إلي جهاز المخابرات التركي بخصوص استخدام الانقلابيين لتطبيق “بايلوك” في مراسلاتهم، والثاني هو اعترافات العسكريين المتهمين بالمشاركة في الانقلاب على الشاشات الإعلامية بانتمائهم لحركة الخدمة، لكن هؤلاء العسكريون ما لبثوا أن أنكروا أي علاقة لهم مع حركة الخدمة فور مثولهم أمام القضاء الشهر الماضي، إضافة إلى تأكيدهم انتسابهم إلى “التيار القومي الأتاتوركي”، وأنهم لم يفعلوا شيئًا سوى تنفيذ الأوامر الصادرة من رئاسة هيئة الأركان العامة بحسب ماذكرته صحيفة “زمان” التركية.
التقارير الأمريكية والأوروبية تقول لأردوغان “لا تحاول خداعنا”
وجاءت تقارير المخابرات الأوروبية والأمريكية لتضيق الخناق على أردوغان، ومحدثة صدمة كبيرة في الشارع التركي والمجتمع الدولي، بداية من مقال لمجلة “فوكس” الألمانية، بعد أسبوع واحد من الانقلاب تحت عنوان “السلطة.. الهذيان.. أردوغان”، نشرت فيه تقرير أعدته المخابرات البريطانية، حيث أشارت إلى أنها حصلت على مكالمات هاتفية وبريدية مشفرة لمسؤولي الحكومة التركية أثناء حدوث الانقلاب الفاشل، تكشف أنهم خططوا لإلصاق الجريمة بحركة الخدمة حتى يختلقوا ذريعة لإطلاق حملة تصفية موسعة في أجهزة الدولة بعد إحداث جريمة “الانتماء إلى حركة الخدمة”.
كما شكلت الأحزاب المعارضة، وكذلك الحكومة، لجانا لتقصي الحقائق بعد حملات الاعتقال العشوائية التي قضت علي الأخضر واليابس، حتى إن زعيم المعارضة كمال أوجلو، بدأ يتهم علنا أردوغان بتدبير الانقلاب والانقلاب المضاد لخلق ذريعة من أجل أن يتمكن من تصفية خصومه.
ونشرت مجلة “تايمز” البريطانية تقريرا آخر، شهر فبراير الماضي، كان قد أعده مركز الاستخبارات في الاتحاد الأوروبي عام 2016، يؤكد ما توصلت إليه المخابرات البريطانية بعد أسبوع واحد من الانقلاب. وقال التقرير بشكل شبه صريح إن أردوغان هو من دبر هذه المحاولة الانقلابية الفاشلة، لكي يتمكن من الحصول على ذريعة لتصفية معارضيه، ووصف التقرير إدعاء أردوغان، إن فتح الله جولن، كان وراء المحاولة الانقلابية “بالاحتمال البعيد”.
الناتو يحكم القبضة حول أردوغان
وعلي ما يبدو فإن المصائب لا تأتي أردوغان فرادى، فقد أعلنت مصادر بارزة في حلف شمال الأطلسي لموقع aldirmer.no النرويجي الشهير أن قادة الحلف يعلمون ان أردوغان هو من دبر انقلابا على نفسه، ونقل الموقع عن مسؤول في الناتو قوله “إن ضباطا مخضرمين في الحلف يحملون ثلاث وأربع نجوم، ويتعاملون مع تركيا منذ 30-40 عاما، ويشرفون على تدريب الضباط الأتراك منذ 4 و 5 سنوات، لا يرون أن ما حدث في تركيا كان انقلابا.
كل حلفائك خانوك يا أردوغان
وتضاف هذه التصريحات إلى التصريحات الصادمة التي أدلى بها برونو كال، رئيس الاستخبارات الخارجية في ألمانيا والعضو في الحلف، لصحيفة “بيلد” الألمانية، يوم السبت الماضي، والتي قال فيها:“زارني هاكان فيدان في الشهر الماضي، وحاول إقناعي بوقوف جولن وراء الانقلاب لكنه لم ينجح في ذلك، ونحن كنا على علم بموجة التصفية الكبيرة التي خططوا لها قبل الانقلاب، ولأن العسكريين هم كذلك كانوا يعلمون خطتهم هذه بادروا إلى الانقلاب عليهم معتبرين هذا الأمر مسألة حياة أو موت”.
العلاقات الأمريكية التركية، هل تدخل في كهف مظلم؟
ونضيف كذلك إلى ما سبق التصريحات التي أدلى بها رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي ديفين نونيس، يوم الأحد، والذي قال في رد على سؤال قناة فوكس الأمريكية :“ليس هناك أي دليل يشير إلى تدبير فتح الله جولن لمحاولة الانقلاب في تركيا، وأن إدارة الرئيس أردوغان تتجه يوما بيوم إلى مزيد من الاستبداد والسلطوية، لذلك تعاني العلاقات الثنائية بين البلدين من توتر”.
كما نفى أي احتمالات تتعلق بإرجاع الولايات المتحدة جولن إلى تركيا، إضافة إلى توقعه أن العلاقات بين تركيا وأمريكا ستواجه مزيدا من الصعوبات بالتوازي مع زيادة الجهود المبذولة في سبيل تطهير كل من سوريا والعراق من عناصر تنظيم داعش.
ومن الممكن أن نجزم بأن هذه التصريحات بمثابة التعبير عن النظرة الرسمية للسلطات الأمريكية إلى الرئيس أردوغان والحكومة التركية، نظرا لأن ديفين نونيس، المنتمي إلى الحزب الجمهوري من أقوى حلفاء الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب، ويتمتع بعلاقات وطيدة مع كل الأجهزة الاستخباراتية في البلاد.
المخابرات التركية تبرئ تطبيق بايلوك
نشرت صحيفة “حريت” التركية في أكتوبر الماضي حوارا مع ديفيد كينز؛ صاحب برنامج وتطبيق بايلوك، حيث أكد أن التطبيق توقف تداوله وطرحه في كل من Google Play وAppStoreمنذ شهر يناير 2016، أي قبل ستة أشهر من وقوع الانقلاب الفاشل، وأن التطبيق استخدمه حوالي 600 ألف شخص، وهو مفتوح للجميع، وليس مقتصرا على المنتمين إلى حركة الخدمة، مكذبا بذلك مزاعم أردوغان بأن “بايلوك” كان الوسيلة السرية للتواصل بين الانقلابيين وأنه لا يمكن تحميله إلا من خلال بلوتوث. كما نشرت معظم الصحف التركية تقريرا أعدته المخابرات التركية، تؤكد فيه أن هذا التطبيق كان قد بدأ عرضه على المستخدمين عبر Google Play منذ بداية عام 2014 حتى مطلع عام 2016، أي انتهى عرضه قبل 6 أشهر من الانقلاب الفاشل، التقرير الذي أسقط مزاعم أردوغان.
قلق أمريكي أوروبي متزايد
تظهر التقارير السابقة أن القلق الأمريكي الأوروبي حول موقف الرئيس التركي، من الناتو قد وصل إلى ذروته، خاصة بعد أن أعلن أنه يعتزم شراء منظومة دفاع وصواريخ جديدة من الصين وروسيا، في خبر نشرته وكالة سبوتنيك الروسية الأسبوع الماضي.
حركة الخدمة مفتاح البطش بجهازي الأمن والقضاء
وكانت حركة الخدمة هي كبش الفداء من أجل التغطية على استعانة الرئيس التركي بالتنظيمات الإرهابية في مشاريعه، مثل داعش، بعد أن كشفها الجيش التركي عبر حادثة استيقاف شاحنات المخابرات التركية المحملة بالأسلحة المرسلة إلى داعش في سوريا.
وللتخلص من المؤسسة القضائية والعسكرية في خبطة واحدة استخدم أردوغان جريمة “الانتماء لحركة الخدمة” من أجل الإجهاز على جهازي الأمن والقضاء عليهما، وذلك بعد أن كشفته أجهزة الأمن والقضاء التي تضم موظفين من كل الانتماءات، متلبسا بجريمة “الفساد” عام 2013.
ثم أنشأ بالتعاون مع أنصاره وحلفائهم من جماعة “أرجنكون” جهاز للأمن وآخر للقضاء ، وذلك من أجل إخفاء وطمس جرائم الطرفين معا، كذلك القيام بانقلاب مضاد، في صبيحة ليلة الانقلاب، ليتمكن من الإطاحة بكل القادة في المؤسسة العسكرية، التي هي العلمانية والكمالية في جوهرها، وأعضاء القضاء الأعلى المنتمين إلى تيارات مختلفة، مستخدما التهمة ذاتها، سواء كانوا منتمين إلى حركة الخدمة أو لم يكونوا على أي صلة بها.
ولعله بات واضحا أن الرئيس التركي الساعي إلى توسيع صلاحياته عبر تعديل دستوري يتيح تغيير نظام الحكم من برلماني إلى رئاسي، بدأ الهذيان عندما أدرك أنه في الفصل السياسي الأخير، وأن مشهد النهاية أصبح وشيكا بعد فشل مخططات الربيع العربي، وتخلي حلفائه في القارة العجوز عنه، وبخاصة بعدما أجمعت التقارير الاستخباراتية على أن الخيارات الخاطئة يمكن أن تكون تداعياتها كارثية وتتجاوز في آثارها حدود تركيا