في هذا الجزء الأخير من الحوار مع جريدة الأهرام العربي، يتحدث الأستاذ فتح الله كولن عن أن سلوك الإنسان ومعاملاته هي التي تعبر عن مدى التزامه بالدين، وأن سياسة أردوغان قامت بإحراق كل مكاسب البلاد للتغطية على فضائح وأحداث الفساد الأخيرة في تركيا. كما أنّ السياسية الخارجية للرئيس أردوغان متقلبة في السنوات الأخيرة فعدو الأمس صديق اليوم وصديق الأمس عدو اليوم. وإليكم نص الحوار:
– كيف تنظرون إلى انعكاسات قضايا الفساد على صورة أردوغان وحزبه الحاكم؟
إن من يزعمون أنفسهم “متدينين” هم المسؤلون بشكل كبير في وقوع هذا الضرر، فقد عمدوا إلى استغلال مشاعر الناس الدينية، ولم يقدموا شيئا يخدم الدين، ويبدو أن المناصب الفخمة التي شغلوها والأماكن الراقية التي سكنوها بعدما كانوا يسكنون في أطراف المدن قد أثرت فيهم تأثيرا سلبيا، فقد تعرَّضوا لمفسدة المنصب والقوة.. ولم تمض فترة قليلة حتى أحاط بهم مجموعة من النفعيين، وبما أنهم لم يضعوا مسافة بينهم وبين الدنيا سرعان ما وقعوا تحت تأثير هؤلاء المحيطين بهم. و ما يحز في النفس أنهم لم يجدوا حرجا في أن يُغلِّفوا كل ما اقترفوه بلباس الدين، بل حصلوا على فتاوي من أناس تخيلوا أنفسهم في مقام شيخ الإسلام تبيح لهم تلك الأفعال، فارتكبوا المعاصي باسم الدين، ونفّروا الناس بسلوكهم هذا من الدين، حتى وصل الحد ببعض الناس إلى أن يقولوا: “إذا كان ما يعمله هؤلاء دينا فنحن منه بُرَءاء”، ففقدوا بذلك ما تبقى لديهم من احترام وما توارثوه عن أجدادهم من قيم.
هؤلاء تخطوا كل الحدود في إيثار المقربين منهم وإقصاء من ليس منهم، وإذا أمعنتَ النظر فيما يقولون ويكتبون ف فستلاحظ التبرير المستمر لكل فساد أو رشوة أو مخالفات شرعية تصدر من هؤلاء المقربين، وكأن المقرب منهم معصوم.
إن سلوك الإنسان ومعاملاته هي التي تعبر عن مدى التزامه بالدين، فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى الصور، بل إلى القلوب وما فيها من إيمان.
– ما حجم الفساد والانحلال الذي تتحدثون عنه؟
لقد انخفض سنُّ تعاطي المخدرات حتى وصل إلى مستوى تلاميذ المرحلة الابتدائية، والانحلال الأخلاقي يعيش عصره الذهبي، ولكن لا حياة لمن تنادي.
لقد بلغت فضائح قضايا الفساد في 17/25 من ديسمبر/ كانون الثاني عنان السماء، وقد قاموا بإحراق كل مكاسب البلاد للتغطية على هذه الفضائح. إن الإنجازات التي حققوها إلى ذلك اليوم كانت رائعة، لقد كان بإمكانهم أن يقولوا حين انكشفت تلك الفضائح:” على كل مَنْ تورط في قضايا الفساد هذه أن يمثل أمام العدالة ليبرئ نفسه ثم ليأتنا”، ولو فعلوا لضربوا أروع الأمثلة في النزاهة والعدالة ولَعدوا من أبطال التاريخ، لكن يبدو أن المستنقع كان من العمق بحيث لم يتجاسروا على ذلك، وغيروا وجهتهم من أجل إنقاذ أنفسهم وعائلاتهم، ولكنهم للأسف يجرون البلاد الآن إلى مغامرة مجهولة العواقب..لقد زادت حدة سياسة الاستقطاب منذ ذلك الحين، وقد كان الرئيس يستخدم لغة التصعيد للتغطية على كل هذه الفضائح، ومنذ ذلك الحين لا يزال يستخدم تلك اللغة. ليس هو فحسب بل صارت هذه اللغة لغة الحكومة والموالين له، وبدلا من التعقل ومعالجة الأمور بحكمة أدخل البلاد في حالة جهنمية، وصار يتعامل مع نصف الشعب وكأنهم لاشيء، على الرغم من اعتلائه كرسي الرئاسة الذي يفرض عليه أن يكون رئيسا للجميع، وفي ظل وضع كهذا لا يمكن الحديث عن الاستقرار في البلاد.
-كيف تنظرون إلى تزايد حدة الاستقطاب المجتمعي جراء السياسات المتبعة حول الهويات العرقية؟
وإذا راقبتم تصريحاته في السنوات الثلاث الأخيرة فسوف تطلعون على مدى التقلبات التي تكتنفها، فما كان يصفه بالأمس بأنه أبيض يصفه اليوم بأنه أسود وهكذا.. وسياسته في الملف الكردي والتعامل مع عناصر حزب العمال الكردستاني لا تختلف عن هذا، فبذريعة عملية السلام التي كان يجريها معهم كبَّل أيدي الشرطة والجيش، ولم يأذن لهم في التعامل مع الإرهابيين المستقرين في الجبال، وقد استغل هؤلاء الإرهابيون هذه الفرصة وحولوا المناطق والمدن التي كانوا يتحركون فيها بكل أمن إلى مستودعات للسلاح، لقد كانوا يُخوّنون كل من ينبههم إلى هذا الخطر ويُسكتون كل صوت يحذر أو يتحدث في هذا الأمر، واليوم بدؤوا هم أنفسهم يتحدثون عن هذه الأمور، يخوِّنون أفراد الشرطة والجيش ويلقون باللائمة عليهم، ويتهمونهم بالتقصير والإهمال. وفي هذا السياق فإن أكبر المتضررين هم أبناء الشعب من الأكراد الذين قُتل منهم كثير من الأبرياء، ودُمرت بيوتهم، وأزهقت كثير من أرواح المدنيين، بل وحتى أخليت قرى وبلدات كاملة من ساكنيها فرارا من الحروب والدمار.
– العلاقات الخارجية التركية هي أيضا متأزمة، وهناك كثير من الدول لديها قناعات بأن تركيا تدعم المنظمات الإرهابية من أمثال داعش والقاعدة وغيرها؟
حينما نما إلى مسامعى هذا الحديث شعرت بقلق بالغ، وتمنيت ألا يكون صادقا. ولكن كما تتابعون، أصبحت هذه الأخبار من الأمور العاديَّة، حتى إن بعض الدول الكبرى بدأت تتحرك في هذا الاتجاه، وتجهز ملفات حول إثبات هذه الموضوعات التي يدور الحديث حولها.
ومع الأسف نحن أمام شخصية لم تستطع أن تتفهم مسئولية المنصب الذي تشغله، ويبدو أن أحلام الخلافة وإمارة المؤمنين التي تراود خياله لها تأثير على شخصيته. فهو يظن أن العالم الإسلامي سينقاد خلفه ومن ثم تراه يتحدث عن الدعاء في قبر صلاح الدين الأيوبي، والصلاة في الجامع الأموي، وكأنه يرى التدخل في الشأن الداخلي للدول الأخرى حقا طبيعيا له. وكما هو معلوم فإن سياسته كانت تميل إلى تأجيج الأحداث وصب الزيت على النار، خاصة فيما يتعلق بالأحداث في مصر وسوريا. ومن المرير اعتقاده بأنه يحرز مكانة عالية من خلال استغلال مظلومية الملايين من الناس.
-كيف تقيمون علاقة أردوغان مع دول العالم وبالأخص دول الجوار؟
ولتحقيق الهيمنة وأحلام السلطنة، صارت الرغبة في دخول الأراضي السورية هاجسا ملحا وعقدة تضغط عليه، فقام بدعم المنظمات الإرهابية من أمثال داعش بشكل علني، وتخيَّل أنه إذا دعم معارضي النظام السوري فسيطيح به، بل إن طموحه هذا لم يقتصر على سوريا بل تعداها إلى دعم كل حركة إرهابية تستخدم في ظاهرها خطابا إسلاميا. ومؤخرا تناولت وسائل إعلام عالمية نوع الأسلحة التي أُرسلت والجهات التي تلقتها. ولما تم القبض على الشاحنات التي تحمل هذه الأسلحة أصيب بنوع من الهذيان، وبدلا من توضيح الحقائق لشعبه بدأ بتشريد القضاة والمدعين العموم والجنود وأفراد الشرطة الذين نفذوا هذه العملية وزجَّ بهم في السجون. والواقع أن الإنسان لا يمكنه تحقيق أي إنجاز عن طريق التدمير، التدمير سهل لكن التعمير ليس بنفس هذه السهولة، فالسلاح الذي تُمِدّ به غيرك قد يأتي يوم ويُصوَّب إلى صدرك.
منذ زمن بعيد وأنا لا أزال أردد القول بأنه لا يمكن حل أي مشكلة عن طريق العمليات الإرهابية. بل وصل بي الأمر إلى التعرض للاستهداف بسبب تصريحاتي المناهضة للإرهاب، فقد كنت أردد دائما أن المسلم لا يمكن أن يكون إرهابيا، ولن يكون الإرهابي مسلما حقيقيا. فالإرهاب إرهاب مهما كان مرتكبه مسلما أو غير مسلم، وليس هذا مسلكا ناجعا، ولو كان كذلك لسار عليه الأنبياء وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، نعم، لقد خاض حروبا في زمانه لكنها كانت حروبا دفاعية، لم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم هو البادئ بها، لقد وضع كل الإستراتيجيات الدفاعية ضد هجمات الجيوش التي جاءت، محاولا تقليل الخسارة بأقل درجة ممكنة.
إنه واقع مرير. ولكنه حقيقة يشهدها العالم، فمن جانبٍ هناك مسئولون يستخدمون الشعارات الدينية لتحقيق مكاسب سياسية، ولا يكترثون بنزيف الدماء ما دام يخدم أجندتهم، ومن جانب آخر، هناك معماريو السلام الذين يُنشئون المحاضن التربوية لخدمة الإنسانية.. لقد وضع هؤلاء المسئولون نصب أعينهم إغلاق هذه المؤسسات التي تصنع خميرة القضاء على العداوات مستقبلا. وبالفعل أغلقوها في تركيا بمنتهى الوقاحة والصلف، وهم الآن يواصلون سعيهم الحثيث لإغلاقها في شتى أنحاء العالم.. وليس لنا إلا أن نسأل الله تعالى أن يعيدهم إلى صوابهم.
كولن للأهرام العربي: الخدمة مشروع تطوعي بالمنطق القرآني (1)
كولن للأهرام العربي: أردوغان يتهم الخدمة دون أي دليل (2)
كولن للأهرام العربي: إذا قدر الله لتركيا أن يزول عنها الطغيان سأعود إليها (3)
كولن للأهرام العربي: نحتاج إلى الأزهر كحاجتنا إلى الخبز والماء (4)