أثارت حملة الاعتقالات التي جرت في أثناء السحور من ليلة يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، واستهدفت مجموعة من قيادات ورجال الأمن، تولت التحقيق في ملفات الفساد ومنظمة السلام والتوحيد الإرهابية الإيرانية، استياءًا كبيرًا لدى جميعات حقوق الإنسان ورجال القانون ومنظمات المجتمع المدني.
فقد شوهدت العديد من الانتهاكات القانونية التي جرت سواء في أثناء عمليات القبض على 115 من رجال الأمن، بتهمة مشاركتهم في عمليات التنصت غير الشرعيو والتجسس، أو أثناء أخذ إفاداتهم في النيابة العامة، أو أثناء إصدار القاضي إسلام تشيتشاك القرار بحقهم، حيث حكم بالإفراج عن 84 أمنياً، واعتقال 31 قائد ورجل أمن في غياب أدلة مادية. وانعكست هذه الفضائح القانونية على مذكِّرة الاتهام التي ذكر فيها القاضي الأسباب الداعية لقرار الاعتقال.
لا يوجد دليل على إقدام الضباط على عمليات التجسس
فعلى الرغم من محاولات أجهزة الإعلام والصحافة الموالية للحكومة التركية لخلق إدراك خاطئ لدى الرأي العام بأن رجال الشرطة المعتقلين في حملة اعتقالات السحور تم إلقاء القبض عليهم بسبب ضلوعهم في عمليات التنصُّت على ما يقرب من 7 آلاف شخص بشكل غير قانوني، إلا أنه لم يتم توجيه تهمة التنصت لأي من الضباط المعتقلين. كما أن السلطات لم تستطع حتى الآن تقديم أي دليل مادي لاتهامات التجسُّس، وعجزت عن الإجابة على كثير من التساؤلات حول الوثائق التي تثبت وقوع عملية التجسس، من مثل “ما هي المستندات التي سرَّبناها إلى الجهة أو الدولة التي تزعم بأننا نعمل لصالحها”.
إلى جانب ذلك، فإن القاضي تشيتشاك أعلن أنه لم يتمكَّن من إنهاء عملية التحقيق مع المتهمين من الشرطة خلال المدة المنصوص عليها في القانون، واضطر لتمديد مدة احتجازهم لأربعة أيام إضافية، بصورة مخالفة للقانون. على الرغم من ذلك، إى أنه لم يستطع إكمال عملية أخذ الإفادات، إلا أنه قرَّر الحكم على 17 ضابط شرطة دون الاستماع إلى دفاعات المتهمين. وإن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على عجز وعدم كفاية نظام “قضاءات الصلح الجزائية” الذي وصفه رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بأنه “مشروع”.
من جانبهم، أوضح محامو رجال الشرطة المعتقلين، أنه وفقًا لقرار محكمة حقوق الإنسان الأوروبية، التي تشكِّل تركيا إحدى الأطراف الموقِّعة عليها، فإن قضاة قضاءات الصلح الجزائية، الذين عيَّنهم رئيس الوزراء أردوغان مؤخرًا، لا يمكنهم النظر إلا في القضايا والوقائع التي تتم بعد تاريخ تأسيس هذه القضاءات.
أردوغان حول أكاذيب التنصت غير المشروع على 7 آلاف شخص إلى حملة لتجسيد ما يُطلق عليه “الكيان الموازي”
فقد كشف قرار القاضي إسلام تشيتشك باعتقال رجال الشرطة المكلفين بالتحقيق حول نشاطات منظمة السلام والتوحيد الإرهابية ذات الأصول الإيرانية بتهمة “التجسُّس” عن مدى عدم استناد عمليات اعتقال قيادات ورجال الأمن إلى أية أدلة قانونية تدين ضباط الشرطة المعتقلين. وكانت صحيفتا “ستار” و”يني شفق” المواليتان لحكومة أردوغان هما اللتان زعمتا لأول مرة أنه تم التنصت على ما يقرب من 7 آلاف شخص تحت غطاء متابعة منظمة السلام والتوحيد الإرهابية، كان من بينهم سياسيون وفنانون ووزراء وعدد من رجال الدولة البيروقراطيين، سعياً منهما لتحويل اهتمام الرأي العام من قضية الفساد والرشوة إلى خرافة “الدولة الموازية”.
وقد حاول رئيس الوزراء أردوغان والوزراء التابعون له خلق صورة ذهنية لإثارة جنون الارتياب “البارانويا” لدى الشعب حول وجود التنصت التعسفي في البلاد، تمهيداً لإلصاق هذه التهمة بما يسمونه “الكيان الموازي”، لأنه الكلمة الأسهل لمحاربة كل معارضيه. وعلى الرغم من كل محاولات تضليل الرأي العام، إلا أن القاضي لم يصدر قراراً باعتقال أي ضابط من ضباط الشرطة بتهمة التنصت غير القانوني. ذلك لأن كل عمليات التنصت المذكورة تمت بقرار صادر من القضاة والمحاكم.
عمليات التنصت تمت بشكل قانوني
وعند النظر إلى البنود الواردة في قرار القاضي إسلام تشيتشك، فإن قوله: “إن المشتبه بهم قاموا بتزوير أوراق، وأن هذه الأوراق تحمل صفة أوراق رسمية” تأتي ضمن الأسباب التي دعته لفتح التحقيق. أي أن القاضي لا يستطيع توجيه الاتهام بالتنصت غير الشرعي، ولكنه بدلاً عن ذلك يزعم بأن المتهمين زوَّروا أوراقاً رسمية لإجراء عمليات التنصت.
كما ظهر أن التنصت على مكالمات كل من مستشاري رئيس الوزراء “مصطفى ورنق” و”سفر توران” في إطار تحقيقات منظمة السلام والتوحيد الإرهابية، كان من بين ما قدَّمه القاضي تشيتشاك كسند قانوني لفتح هذا التحقيق. ولكن الجدير بالذكر هنا أن التنصت على الاسميْن المذكورين تم بقرار من المحكمة للاشتباه بهما في قضية منظمة السلام والتوحيد.
وبناءًا عليه، فإنه لا يوجد أي مسوِّغ قانوني يستدعي توجيه تهمة التجسس للضباط المكلفين بالتنصت على مكالمات المستشارين المذكورين. فلا يوجد أي عائق أو مانع قانوني يحول دون إصدار المحكمة قرار التنصت على مكالماتهما. إلا أن رجال الشرطة الأحد عشر المكلفين بالتحقيق في ملف منظمة السلام والتوحيد، تم إلقاء القبض عليهم وترحيلهم إلى السجن دون الاستناد إلى دليل واحد يدينهم في الادعاءات المتعلقة بعمليات التجسس. ومع مرور ما يقرب من عشرة أيام على اعتقال قيادات ورجال الأمن، لم تُقدَّم أي مستندات أو أدلة تكشف عن عملية التجسس، وتسريب أوراق ومعلومات، وتحديد أي الجهات أو الدول الأجنبية التي يعملون لصالحها.
فشل قضاءات الصلح الجزائية التي شكلها أردوغان قبل أيام من عملية “السحور”
ومن بين الحقائق التي انعكست على مذكِّرة الاتهام التي أعدَّها القاضي تشيتشاك، هو عجز وفشل نظام قضاءات الصلح الجزائية، الذي أتت به حكومة أردوغان قبل أيام قليلة من بدء عملية السحور. إذ أعلن القاضي أنه لم يستطع استكمال عملية استجواب 49 أمنيا خلال مدة الاحتجاز المشروعة وهي أربعة أيام، وأرجع سبب ذلك إلى طلب الضباط المعتقلين الاطلاع على أدلة الإدانة المتعلقة بالتهم الموجهة إليهم، بموجب حقهم القانوني، الأمر الذي يظهر انزعاج القاضي من طلب الأمنيين تسجيل إفاداتهم في المحضر بصورة صحيحة. فلم يتم تسجيل إفادات المتهمين ومحاميهم في السجلات والمحاضر الرسمية، حتى إن القاضي تشيتشاك قال قولاً يُعدّ فضيحة “أنا أقرِّر، كما يحلو لي، ماذا سأجِّل وماذا سأترك”، بالإضافة إلى ذلك، لم يقدِّم المحضر الذي أعدَّه إلى محامي المتهمين من الشرطة.

















