ظهر أن عمليات الاعتقال التي شنتها السلطات التركية في وقت السحور من شهر رمضان الماضي ضد رجال الأمن والشرطة الذين كانوا قد تولوا مهامهم في عمليات التحقيق في أحداث مكافحة الفساد والرشوة، التي جرت في 17-25 كانون الأول/ديسمبر الماضي، هي مخالفة لتسع مواد مختلفة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، حيث تم انتهاك تلك الاتفاقية 11 مرة في عمليات الاعتقال.
وأفادت التقارير أن قضاءات الصلح الجزائية “ذات مهمة خاصة”، التي بات يُعرف لدى الرأي العام بمحاكم وقضاة رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان، تشكِّل العنصر الرئيس الذي ارتكب تلك الانتهاكات القانونية ضد قيادات ورجال الأمن.
يُشار إلى لأن الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تنصُّ على ضرورة أن يمثل المتهمون أمام القاضي أو السلطة القضائية المخول إليها النظر في القضية المعنية في أقصر وقت ممكن، وتعترف للمتهمين بحقِّ المحاكمة خلال مدة معقولة، أو إطلاق سراحهم عقب انتهاء مدة الاحتجاز المشروعة.
وفي هذا الإطار، ينصُّ القانون الجزائي التركي على عدم تجاوز مدة احتجاز المتهم أكثر من 4 أيام دون عرضه أمام المحكمة المختصة، ولكن تم تمديد مدة احتجاز رجال الأمن دون أي مستند قانوني، لأربعة أيام إضافية في قصر “تشاغلايان” العدل بمدينة إسطنبولي، وهو ما يوصف بأنه خرق لقانون ينظِّم مدة وشروط الاحتجاز للمتهمين المذكورة في الفقرة الـ3 من المادة الـ5 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التركية.
إلى جانب ذلك، فإن 9 معتقلين تعرَّضوا لعمليات تعذيب ممنهج ولمعاملة مهينة، وهو ما يعاقب عليه بموجب قواعد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والقوانين الجارية في تركيا، وخاصة المادة الـ3 من القانون الجزائي. وقد ثبت، على نحو لا يدع مجالاً للشكّ، سوء المعاملة التي تعرض لها المعتقلون في زنزانة تحت الأرض بسبع طوابق في القصر العدلي، دون وجود أسرَّةِ نوم أو السماح لهم بالاستحمام خلال 8 أيام من اعتقالهم.
وكذلك لم يتمَّ أخذ إفادات بعض المتهمين الأمنيين، إضافة إلى أن البعض الآخر أدلوا بإفاداتهم دون حضور محاميهم، وعدم تسجيل كل أقواهم في محضر الإفادة، ودون الإفصاح للمعتقلين عن سبب اعتقالهم أو ذكر التهم المنسوبة إليهم، ومثل هذه الأمور كانت سبباً داعياً للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان إلى إصدارها المئات من قرارات الإدانة ضد تركيا.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن عدم تمكُّن محامي المعتقلين من إيصال مذكرات الدعوة والطلبات إلى القضاة أو المدعين العامين، هو انتهاك للمواد الرابعة والخامسة والسادسة من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان. ومهما كانت نتيجة هذه الدعوى فإن المحكمة الأوروبية لها اجتهادات قانونية تدين انتهاك هذه المواد.
وتعطي الفقرة الفرعية (ج) من الفقرة الـ3 في المادة الـ6 من قانون أصول المحاكمات التركي، الحق للمدعى عليه بالدفاع عن نفسه بنفسه، أو عبر المحامي الذي سيحدِّده، غير أنه في هذه الدعوى، حاول القاضي إخراج المحامين من قاعة المحكمة، واشترط بعد ذلك تعيين محامين للمشتبه بهم من قبل اتحاد نقابات المحامين.
وألمح محامو المعتقلين إلى عدم حيادية القاضي وشكَّكوا في نزاهته، لافتين إلى أن هذا الموضوع من المواضيع التي تعتبرها المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان مخالفة لقواعدها ومبادئها، بالإضافة إلى أن “مبدأ القاضي الطبيعي” يتطلَّب أن تكون المحكمة قائمة بأعمالها والقضاة معيَّنين قبل وقوع فعل الجريمة، مما يمنع إنشاء محكمة خاصة وتعيين قضاة جدد للنظر في القضية. أما في هذه القضية، فإن قضاءات الصلح الجزائية المكلفة بالنظر فيها، أنشئت بعد إسناد التهم إلى ضباط الشرطة، والقضاة تم تعيينهم من قبل أردوغان خصيصا للتحقيق فيها، مما يشكل انتهاكاً لهذا المبدأ.
وأوضحت المصادر أن “مبدأ القاضي الطبيعي” أمر مقرَّر عبر اجتهاد المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، في قرارها الصادر بقضية (Coeme) البلجيكية في عام 2000.
ووفقاً لاجتهادات المحكمة الأوروبية، فإن الاعتراض على قرار المحكمة يتمُّ عبر محكمة أخرى أعلى درجة منها، في حين أن قضاءات الصلح الجزائية والتي شكلت حديثاً، أغلقت طرق تقديم الاعتراض إلى محاكم أخرى، فإن قضاتها هم من سيتولون النظر في طلبات الاعتراض أيضاً.
وأضافت المصادر بأن عمليات الاعتقال ضد رجال الأمن التي تمت في وقت السحور، واحتجازهم لمدة أطول من التي حددتها القوانين، وعدم تقديم وجبات الطعام لهم في مواعيد الإفطار والسحور، وعدم السماح لهم بإقامة صلاة العيد في المسجد، يعد بحسب المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان انتهاكاً لحرية الفكر والدين.