بقلم: جوكهان باجيك
يتقدم تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في الأراضي العراقية بمرور الوقت، ويستولي على مدن وحقول نفط وخزانات مياه ونقاط إستراتيجية مهمة، ليضطر بذلك مئات الآلاف من السكان المحليين إلى مغادرة مدنهم.
وفي نهاية المطاف أصبح التنظيم على أبواب تركيا. وتدّعي بعض المصادر أن صفوف التنظيم تضم عددًا كبيرًا من المقاتلين الأتراك.
ربما ليس من السهل أن نجيب عن هذا السؤال بشكل يقيني، لكن نسأل “كيف ستتأثر تركيا إذا ما بقي تنظيم داعش على حدودها لمدة طويلة؟”
وبالرغم من التهديد الذي تمثله منظمة داعش التي وصلت إلى حدود تركيا وبدأت تتسلل إلى داخلها ولو على نطاق ضيق، إلا أن تركيا في حالة استهتار. والرأي السائد في السياسة والمجتمع هو أنه ما من خطر يهدد البلاد.[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] بالرغم من التهديد الذي تمثله منظمة داعش التي وصلت إلى حدود تركيا وبدأت تتسلل إلى داخلها ولو على نطاق ضيق، إلا أن تركيا في حالة استهتار. والرأي السائد في السياسة والمجتمع هو أنه ما من خطر يهدد البلاد. ونجد أن وجهة النظر نفسها التي ازدرت مَنْ حذّر من طول أمد الأزمة السورية إبّان بدايتها، تقول اليوم “لا تبالغوا!” فيما يتعلق بخطر تنظيم داعش. [/box][/one_third]
ونجد أن وجهة النظر نفسها التي ازدرت مَنْ حذّر من طول أمد الأزمة السورية إبّان بدايتها، تقول اليوم “لا تبالغوا!” فيما يتعلق بخطر تنظيم داعش.
قد يصبح داعش هو التهديد الأخطر
إذا سارت بعض الأمور في الاتجاه المعاكس بشكل أكبر و”نجح داعش في تنفيذ حساباته الإستراتيجية في المنطقة”؛ فاحتمال كبير أن تسفر هذه الوتيرة عن أكبر تهديد واجهته الجمهورية التركية طوال تاريخها.
لقد مرّت تركيا على مدار تاريخها الحديث بالعديد من الأحداث الخطيرة، مثل النزاع الداخلي في السبعينيات من القرن العشرين، وسنوات الصراع المسلح العنيف مع حزب العمال الكردستاني، والجرائم مجهولة الجاني… ولقد أكسبت كل هذه الأحداث تركيا ذاكرة من الأزمات والتهديدات.
لكن التنظيمات المسلحة مثل داعش لا تشبه أيًّا من هذه الأحداث التي شهدتها تركيا في الماضي. وعندما ننظر إلى الأوضاع التي تسببت بها هذه التنظيمات في أفغانستان والعراق وباكستان، نجد أن المشاكل التي عاشتها تركيا قبل ذلك ضئيلة جدًا ولا أهمية لها مقارنة بهذا الخطر الكبير.
البعد الاقتصادي
سنحت لي، قبل بضعة أيام، فرصة التحدّث إلى بعض رجال الأعمال العاملين في مدينة غازي عنتاب، وقالوا لي “إن باب التجارة مع العراق يكاد يكون قد أُغلق تمامًا”. ويستقبل العراق تقريبًا نحو 40% من صادرات مدينة غازي عنتاب.
وأضاف رجال الأعمال بقولهم “لا نستطيع حتى السؤال عن مستحقاتنا في المناطق التي سيطر عليها داعش”.
والآن لنفكر قليلًا: من سيذهب ليتاجر في المناطق التي يسيطر عليها داعش؟ والأسوأ من ذلك هو أنه إذا بقي التنظيم في هذه المنطقة بشكل دائم، هل سنقول لرجال أعمالنا “اذهبوا وتاجروا مع داعش”؟
وماذا يمكننا أن نفعل مع تنظيمٍ تجرّأ حتى على خطف مواطنين أتراك، بينهم أطفال رضّع، من أجل تنفيذ حساباته السياسية؟
ينبغي لنا أن نقف قليلًا لنتدبّر الأوضاع التي صارت عليها البلدان المحيطة بنا. تفكروا؛ إذ قد لا يستطيع أي مواطن تركي لعشرات السنين أن يذهب للسياحة مرة ثانية إلى سوريا والعراق.
[one_third][box type=”shadow” align=”alignleft” ] يمكن للمؤسسات التركية أن توجد في كل المجالات لأسباب أمنية. فالجيش وجهاز الاستخبارات وما ماثلهما من المؤسسات والهيئات يمكن أن تقوم بأعمال تذهل المرء. ولكل دولة علاقات كهذه، وهي أمر طبيعي. لكن ارتكاب خطأ في هذه الحسابات الحسّاسة يكبّد الدولة “خسائر مميتة”. [/box][/one_third]إن تركيا تُحاط حاليًا بـ”سور الصين الدبلوماسي” بشكل فعلي. أوليس يجب علينا الخروج من أجواء الاحتفالات التي في الداخل والتفكير فيما يحدث حولنا؟
الحسابات الخاطئة تسفر عن نتائج مميتة
يمكن للمؤسسات التركية أن توجد في كل المجالات لأسباب أمنية. فالجيش وجهاز الاستخبارات وما ماثلهما من المؤسسات والهيئات يمكن أن تقوم بأعمال تذهل المرء. ولكل دولة علاقات كهذه، وهي أمر طبيعي. لكن ارتكاب خطأ في هذه الحسابات الحسّاسة يكبّد الدولة “خسائر مميتة”.
وأما هذا الخطأ الحسابي فهو “الاعتقاد بأن التعامل مع داعش قد ينفعنا على المدى الطويل”، انطلاقاً من الحسابات الإستراتيجية والسياسية، وليس جرّاء ضغوط الأسباب الاضطرارية.
إذا اعتبرت الإدارة السياسية التركية تنظيم داعش “جزءًا من مخطط سياسي”، بالشكل الذي يخرج عن إطار سياسة الاستخبارات الاضطرارية، فاحتمال كبير أن تتلقّى تركيا ضربات مميتة من هذه الجهة.
وإذا نجح داعش في الوصول إلى القوة التي وصلت إليها التنظيمات المختلفة في بلدان كأفغانستان وغيرها، فيمكن حينها أن نُعد عناصر حزب العمال الكردستاني المنتشرين في الجبال، الذين نفكِّر في إصدار عفو عام عنهم، رفاق دربنا للنجاة من هذا البلاء الكبير الذي نواجهه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة بوجون 6/8/2014