سيخضع الشعب التركي غداً الأحد لامتحان صعب يُعدّ تاريخياً من حيث مستقبل الديمقراطية في البلاد، إذ تنطلق عملية إدلاء المواطنين بأصواتهم لاختيار مرشحهم المفضَّل من بين ثلاثة مرشَّحين هم: رئيس الوزراء الحالي وزعيم حزب العدالة والتنمية رجب طيب أردوغان، والأمين العام السابق لمنظمة التعاون الإسلامي ومرشَّح الأحزاب المعارضةأكمل الدين إحسان أوغلو، ومرشَّح حزب الشعوب الديمقراطية المعروف بقربه من حزب العمال الكردستاني صلاح الدين دميرطاش.
في الحقيقة إن معظم المواطنين محتارون في المرشَّح الذي يجب تأييده ليتولى منصب الرئاسة في قصر جانكايا ليحمل البلاد نحو آفاق المستقبل، بعد أن نشرت وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة والمدعومة من قبلها أخباراً شوَّهت وجه الحقائق وغيرت صورة الوقائع في العام الأخير بحيث اختلط الحابل بالنابل ولم يعد بالإمكان التأكّد من مَن هو الشخص الأصلح والأفضل لهذا المنصب. ولذلك يركِّز بعضهم على الأسباب التي تستوجب عدم التصويت لصالح أردوغان أكثر من التركيز على الأسباب التي تدعو لتأييده.
وانطلاقاً من ذلك، نريد تلخيص الأسباب التي تستدعي عدم دعم أردوغان في هذه الانتخابات:
1- لأنه أخذ يردد خلال ثمانية الأشهر الماضية، كلمتي “دولة موزاية” و”تنظيم”، “ثمانية آلاف” مرة، إلا أنه لم يجد متهمًا واحدًا حتى الآن، الأمر الذي دفعه للهجوم علنًا على المحاكم التي لم تتمكن من إثبات أي تهمة عليهم، ثم أسس محاكم الصلح الجزائية مؤخراً لتعمل تحت طوعه وإمرته وليتخذ القرارات بنفسه كما يحلو له.
2- لأنه أطلق حملة تصفية وتشريد طالت 20 ألف من رجال الأمن والمدعين العامين والقضاة والبيروقراطيين بشكل غير قانوني حتى لا يتم الكشف عن أعمال الفساد والرشوة والاختلاس. بيد أن أبناء الوزراء ورجل الأعمال الإيراني رضا ضراب الذين قاموا بأعمال الفساد يقضون أجواء ممتعة في قصورهم ويخوتهم على البحر.
3- لأنه أعلن حالة استنفار وحشد العشرات من أجل إخفاء مليارات الدولارات التي حصل عليها هو وأولاده وأقاربه. ولأنه أعلن الحرب على أبناء الوطن الذين يخدمون وطنهم وشعبهم بشرفٍ ولم يدبروا شؤونهم الشخصية باستغلال مناصبهم في الدولة، ولم يدخل جوفهم لقمة حرام، ولا يجلسون في القصور بل في منازل مستأجرة.
4- لأنه نعت هؤلاء الأبرياء بـ”الجواسيس” من أجل مستقبله السياسي وانطلاقاً من مشاعر الحرص والانتقام والكراهية دون أن يستند إلى أي أدلة ملموسة. ولأنه اعتقلهم بذريعة أنهم قاموا بالتزوير في مستندات رسمية، وذلك بعدما لم يستطع إثبات أي دليل ضدهم.
5- لأنه أمر بعمليةٍ اعتُقل فيها عشرات من مسؤولي الأمن نحو الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل من أيام رمضان المبارك. إذ كُبلت أيادي رجال الشرطة الذين عقدوا العزم على تولي تحقيقات هدفها الكشف عن الفساد. ولأنه نشر دون خجل كذبة أنهم أرادوا تكبيل أياديهم برغبتهم الشخصية، وذلك بعدما وقع في موقف محرج ومهين.
6- لأنه طلب تنظيم مؤامرة ضد رجال الأمن والقضاة الذين كشفوا عن العملاء الإيرانيين الذين تغلغلوا في أرفع مناصب الدولة وأمر بإيداعهم السجن.
7- لأنه لا يريد أن يطرح على الرأي العام شيئًا عن آخر التطورات حول وضع اختطاف الدبلوماسيّين الأتراك (49 دبلوماسي) الذين كانوا يعملون في القنصلية التركية العامة بمدينة الموصل؛ وهؤلاء الدبلوماسيون محتجزون لدى داعش منذ شهرين، بعدما أمر بفرض حظر على نشر أيّ مواد إعلامية مكتوبة أو مقروءة أو مسموعة أو مرئية عن الموضوع.
8- لأنه وضع مدرعات أمام أهالي رجال الأمن المحتجزين لترهيبهم، عندما كان هؤلاء الأهالي يتلون القرآن الكريم والأدعية والأذكار أمام القصر العدلي.
9- لأنه دافع عن أجَمان باغيش، وزير شؤون الاتحاد الأوروبي السابق، الذي استهزأ باسم سورة البقرة عندما ذكرها بعبارة “بقرة مقرة” – على غرار إعادة قول الكلمة في التركية مرة ثانية لكنها لا تتفق واحترام السورة الكريمة -، ولأنه تسامح وأيد وزير داخليته “آفكان علاء” الذي أساء الأدب في حق سيدنا النبي محمد (ص)، عندما زعم بأنه عليه السلام أصابه الغرور عند فتح مكة المكرمة.
10- لأنه زعم بأن حركة الخدمة تعمل مع إسرائيل، وواصل نفس أكاذيبه دون خجل بالرغم من أنه تبين أن نجله بُراق يقوم بنقل شحنات كبيرة ويورّد النفط إلى إسرائيل.
11- لأنه سخر من قول مسؤول الأمن المعتقل في الأيام الأخيرة من الشهر المبارك “لتكمل أمهات الشهداء أجزاء القرآن الخمسة الأخيرة التي لم أستطع الانتهاء من قراءتها بدلاً مني”، ورد عليه أردوغان “لديه متسع من الوقت في السجن، ليقرأ ما يشاء من القرآن”. ولأنه نسب إلى ذات الله عز وجل صفتي “الغرور” و”الكِبْر”، عندما قال: “إن الجميع سيفنى ولا يجوز لأحد أن يصاب بالكبر أو الغرور؛ لأن هاتين الصفتين من الصفات الخاصة بالله عز وجل؛ لأنه هو الباقي وحده”، الأمر الذي لفت العديد من علماء الشريعة في تركيا إلى خطورته ووخامته من الناحية الدينية.
12- لأنه يمد الإرهابيين في سوريا بالذخيرة والأسلحة جوًّا وبرًّا، وعرّض سوريا لحرب أهلية، وأصدر قرارا باعتقال رجال الأمن والمدعين العامين الذين قبضوا على الشاحنات التي كانت تنقل الأسلحة إلى الإرهابيين.
13- لأنه قال إن من من يجري مفاوضات مع عبد الله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي عديمُ شرف، ولكنه هو من أجرى المفاوضات معه عبر جهاز المخابرات الوطنية.
14- لأنه أسهم في تقديم وعرض مقاطع فاضحة لزعيم حزب الشعب الجمهوري الأسبق دنيز بايكال، لأنه كان يعتبره منافسًا سياسيًا له، وينزعج من خطاباته المؤثرة ومستقبله السياسي.
15- لأنه يهاجم بكل صفاقة ودون خجل صحيفة “زمان” التركية قائلًا “انظروا هل تكتب جريدة زمان أي أخبار عن أحداث غزة؟”، على الرغم من أنها تفرد مساحة واسعة على صدر صفحاتها لعناوين غزة وتقدم عشرات الأخبار التي تدين اعتداءات إسرائيل على غزة، في حين أن الصحف المحسوبة على حكومته لا تقدم هذه الأخبار على صدر صفحاتها. فضلاً عن أن أردوغان وكذلك الجمعيات الخيرية المقربة منه لا يستطيعون الدخول إلى غزة، إلا أن جمعية “هل من مغيث” تواصل إرسال مساعداتها إلى غزة منذ سنوات وبعد بدء الهجوم الإسرائيلي الأخير.
16- لأنه يغدق الأموال والمناصب على أصحاب رؤوس أموال الذين نشؤوا وازدهروا في عهده وبفضله، ويجعلهم يهاجمون المسلمين أصحاب الشرف بعناوين شتى في صفحات وشاشات وسائل الإعلام التي يسيطرون عليها.
17- لأنه يسعى من خلال بث الفتن بين المؤمنين لاستقطاب المجتمع دون هوادة لتعزيز قاعدته الشعبية وتأمين فوزه بأعلى النتائج في الانتخابات.
18- لأنه جعل الإعلام الموالي له يبث خبراً مفاده أن أحداً من أفراد الشرطة الذي مات طفله البالغ سنةً ونصف السنة من العمر جراء سرطان الدم هرب من القوات الأمنية، زوراً وبهتاناً، وأصدر قرارًا بالقبض على الشرطي والد الطفل المتوفى الذي يتألم لفراق ابنه في أثناء صلاة الجنازة.