أطلقت السلطات الأمنية التركية، مساء أمس السبت، سراح محمد بارانصو، أحد أشهر الكتات الصحفيين الذين تخلّوا عن دعم رجب طيب أردوغان لنهجه الجديد في حكم البلاد، بعد اعتقاله في منتصف ليلة يوم الجمعة عندما أتى إلى قصر العدل في إسطنبول لدعم أهالي رجال الأمن المعتقلين بشكل غير قانوني.
وكانت عملية اعتقال الكاتب الصحفي في جريدة “طرف” التركية المعروفة بميولها الليبرالية ومواقفها الجريئة في التعبير عن الحقائق ونشرها محمد بارانصو جاءت على خليفة نشر مواقع التواصل الاجتماعي المقرب من حكومة حزب العدالة والتنمية، الأسبوع الماضي، قائمة تطوي أسماء الصحفيين المعارضين، المقرر اعتقالهم خلال الفترة القادمة ضمن حملة اعتقالات جديدة تجهز لها السلطات.
وقد أصدر القاضي في محكمة الصلح الجزائية في إسطنبول “هادي صالح أوغلو” بياناً خطياً حول الموضع وذكر فيه مبررات “لافتة” لاعتقال الصحفي بارانصو، إذ بيَّن “أن بارانصو قد حضر قصر العدل الذي يُؤخذ فيه إفادات المتهمين الأمنيين أكثر من مرة، وشارك في المؤتمر الصحفي الذي عقده أهالي الأمنيين، ثم تبيَّن لهم نتيجة البحث أن هناك ثلاث قرارات صادرة عن محكمة أضنة باعتقال وقبض بارانصو أين ما وُجد بتهمة إهانة واستهداف المسؤولين بمكافحة الإرهاب، على زعمه، الاتهامات التي رفضها الصحفي تماماً.
والغريب أن النائب العام أخلى سبيل الكاتب الصحفي بارانصو بعد أخذ إفادته نحو الساعة الخامسة من عصر أمس السبت، الأمر الذي أعاد إلى الأذهان ما نشره بارانصو على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” من أنهم يحاولون إذاعة الخوف والرعب بين الصحفيين، إذ قال: “تم اعتقالي. وقام رجال الشرطة بضربي. وأنا الآن في قصر “تشاغلايان” العدلي. جرحوا ذراعي. يحاولون الترهيب والتخويف، واعتقالي غير قانوني. انهال عليّ أربعة من رجال الشرطة بالضرب أمام تشاغلايان”.
وكانت وسائل الإعلام التي يسطير عليها ويوجِّهها رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان ردَّدت طيلة أشهر، أن بارانصو كان على رأس قائمة تطوي أسماء الصحفيين المعارضين للحكومة، المقرر اعتقالهم خلال الفترة القادمة التي ستطال العديد من الصحفيين المعارضين.
وكانت السلطات قد شنَّت عملية في الـ22 من تموز المنصرم في أثناء السحور من ليالي رمضان المبارك ضد 115 قائد ورجل أمن، أسفرت عن اعتقال 31 شخصاً، وإخلاء سبيل البقية، ثم تلا ذلك بعد نحو أسبوع حملة مشابهة للأولى في صفوف الأمن، أفضت إلى اعتقال 9 أمنيين، ولا تزال عملية أخذ إفادات بعضهم مستمرة، ثم أعقب ذلك أمس الجمعة بدء عملية اعتقال الصحفيين.
وكان تبيَّن أن مستند محاكم الصلح الجزائية في عمليات اعتقال رجال الشرطة المتهمين بالتنصت غير الشرعي يحمل توقيع المفتش “سليم قوتقان” المعروف بقربه من “دوغو برينتشاك”، زعيم حزب العمال اليساري المتطرف في تركيا، وأحد القياديين في شبكة أرجنيكون الإجرامية. وكان المفتش قوتقان نُقل من منصبه كمدير لوحدة قوات التدخل السريع التابعة لمديرية أمن إسطنبول بعد تسريبه معلومات عن عملياتٍ ستُجرى ضد حزب العمال اليساري لأحد أقربائه الذي يعمل بجريدة “آيدنليك” اليسارية المتطرفة العائدة لبرينتشاك المذكور.
الجدير بالذكر أن بارانصو من أحد الصحفيين والكتاب الجريئين في تركيا بحيث لعب دوراً مهماً في الكشف عن المخططات العسكرية الانقلابية التي استهدفت – وبشكل غريب – حكومة أردوغان في الفترة الماضية، مثل قضية باليوز الانقلابية، ولكن حكومة أردوغان عقدت تحالفات جديدة مع أعداءها السابقين وأخرجوا جميع الضباط والجنرالات الانقلابيين من السجن بفضل التعديلات التي أجرتها في القانون والقضاء والأمن، وألغت المحاكم التي حاكمت هؤلاء الانقلابيين لتأتي بمحاكم الصلح الجزائية بدلاً عنها، وتتولى مهمة تلفيق جرائم وأدلتها للزّجِّ بأولياءها القدماء من الأمنيين والصحفيين وأعضاء منظمات المجتمع المدني في السجن، الأمر الذي يُعد من المفارقات النادرة.