
بقلم: جوست لاجنديجك
أقول بصدق، لم أعد أتحمل المزيد من رؤية المراجع المزينة والمضخمَة حول “تركيا الجديدة” التي يروج لها الرئيس التركي الجديد رجب طيب أردوغان، وخليفته في رئاسة الوزراء أحمد داود أوغلو، وأذرعهما في وسائل الإعلام المؤيدة للحكومة.
لو كان الخطاب الحالي عبارة عن حل المشاكل المعروفة التي اقترنت بمصطلح “تركيا القديمة” الشهير، لما كنت جلست على مكتبي لكتابة هذا المقال، فمشكلتي هنا هي النبرة والمحتوى اللذان يبقيان في ذاكرة من يسمع عبارة “تركيا الجديدة” التي يرددها المسؤولون الأتراك مؤخرًا بكثرة.
عليّ الاعتراف بأنني أحمل مخاوف عميقة إزاء حملات العلاقات العامة التي تُدار استنادًا إلى الادعاء الذي يقول إننا على أعتاب مرحلة جديدة بالكامل نشهدها عقب انفصال شامل عن الماضي، لا سيما إذا وضعنا هذا الادعاء جنبًا إلى جنب مع رمزية الزعيم الكبير الذي سيقود شعبه نحو مستقبل مجيد في طريقه نحو تركيا الجديدة التي “ستولد من رمادها”، يكون هدف هذه الوعود كافة، عادةً، إخفاء حقيقة معظم الأشياء التي ستبقى كما هي وضمان بقاء من هم في السلطة في مناصبهم.
عندما ترون أن هناك فارقًا كبيرًا ومذهلًا بين الكلمات التي يقولها الممثلون على مسرح الأحلام، وبين تركيا اليوم، التي يحكمها الأشخاص ذاتهم أصحاب العبارات والتصريحات الرنانة، يتحول الشك لديكم إلى قلق وخوف كبيرين، فعلى سبيل المثال كيف يمكنني أن آخذ على محمل الجد شعارات “تركيا الجديدة” ذات الصلة بالديمقراطية المعزّزَة والرغبة في الانضمام للاتحاد الأوروبي في حين أن الحقيقة مضادة تمامًا لهذه الأهداف المذكورة؟ وإذا نظرنا إلى المؤشرات الرئيسية لديمقراطية ناضجة (حرية الإعلام والفصل بين السلطات)، نجد أن تركيا تراجعت، على أكثر تقدير، إلى الوراء في السنوات الخمس الأخيرة، فعقب السنوات الماضية التي تراجعت فيها تركيا عن الإصلاحات المنتظرة وتطبيق معايير الاتحاد الأوروبي، لم أعُد أثق بالتصريحات والبيانات العامة، العشوائية دائمًا.
يرى كثير من الأتراك ومعظم المراقبين الأجانب أن “تركيا الجديدة” التي يطمح حزب العدالة والتنمية لتأسيسها تسير في طريقها بسرعة كبيرة لأن تشبه “تركيا القديمة”، ذلك أن إدارة الدولة تستخدم كل الطرق والأساليب لقمع المعارضة واحتكار بيروقراطية الدولة، مثل الأساليب القديمة المستخدمة في إعادة ترتيب المجتمع بالضبط، والفارق الوحيد بينهما هو استبدال الأغلبية المحافظة المتدينة بالأقلية الكمالية العلمانية، بصفتها الطبقة الاجتماعية المسيطرة على تركيا منذ عام 2002.
إن إعطاء الأولوية للقضية الكردية على حساب سائر النواقص الحساسة الأخرى للديمقراطية التركية، لن يحسّن الأوضاع. وبينما يشاهد العالم أردوغان، أرى أن على هذا الأخير الإصغاء إلى الانتقادات الموجهة إليه من الغرب بدلًا من الاستماع إلى المتملقين في الإعلام المؤيد لحكومته في الداخل”.
إن العبارة الأخيرة التي استخدمها الكاتب طاشبينار تشير إلى السبب الثالث الذي يكمن وراء عدم رضائي عن عبارة “تركيا الجديدة” الرنانة، ويتوهّم من يعتقد أن من ينظرون إلى تركيا من الخارج يتأثرون بالمشاهد المبهرة التي ترسمها القيادة التركية الجديدة، نعم، ربما يتأثر رئيسا دولتي تركمانستان وكازاخستان، ولا شك أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي لم يحضر مراسم تنصيب أردوغان رئيسًا للجمهورية لانشغاله الزائد باحتلال أوكرانيا، سعيد بمقابلة حليف جديد له في إستراتيجية تأسيس أنظمة ديمقراطية معادية للغرب وغير ليبرالية، غير أن البلدان التي تعتبر مهمة جدًا بالنسبة لنمو تركيا وتطورها الاقتصادي والديمقراطي في المستقبل، في أوروبا وعلى الطرف الآخر من المحيط الأطلسي، سواء أعجبت هذه البلدان بأردوغان وداود أوغلو أم لم تعجب بهما، فلا أحد هناك ينخدع بالمخططات والوعود البرّاقة التي ظهرت جميعًا تحت راية “تركيا الجديدة”، ذلك أن هذه الوعود والشعارات تشكّل تضادًا واضحًا مع التطورات المقلقة التي تشهدها تركيا على أرض الواقع اليوم.
إن هذه الوضعية تحوّل عملية “تركيا الجديدة” بالكامل، بطريقة تراجيدية، إلى مهمة لخداع النفس تشغل تركيا عما يجب أن تفعله بشكل فوري من أجل أن تصبح دولة مزدهرة ومحترمة.
صحيفة” زمان” التركية
30/8/2014