
أكرم دومانلي
لا بد للقانون أن يعامل الجميع بالتساوي، كأسنان المشط، بغض النظر عن النسب والعائلة والانتماء السياسي وعلاقات القرابة وما إلى ذلك، فإذا اعتُبر أحدهم “أكثر خصوصية وامتيازًا”، سيستشري الظلم وتتزلزل مشاعر الثقة بالعدل من جذورها.
إن الذين صفّروا الأموال والفيلات واليخوت والسفن والشقق الفاخرة وسائر الممتلكات الأخرى (أي جعلوها صفرا) ،يسعون لتصفير العدالة كذلك، وبطبيعة الحال، فإن الضمير الجمعي للرأي العام يشاهد هذه المساعي التي يقومون بها كأنهم ينقذون ما يمكن إنقاذه من الحريق بهلع ودهاء ومكر، ولاريب في أن هذا الضمير سيقف في وجه الظلم ويصرخ بأعلى صوته وسيقول للظالمين “لقد حصلتم على صفر في الامتحان!”.
وقْع أقدام الفاشية
خرجت الحكومة التركية أمام الرأي العام بـ”حزمة قضائية” جديدة في منتصف الليل، وكان واضحًا جدًا أن مشروع القانون الذي يتحجج بالأحداث التي شهدها الشارع التركي عقب عيد الأضحى، لم يعدّ بين ليلة وضحاها، ولهذا السبب، لم يقتنع الرأي العام بالحجج التي ساقتها الحكومة، وراودته فكرة أن الأحداث ما هي إلا ذريعة، وأن ما يريده الحزب الحاكم هو العودة إلى القبضة الحديدية التي كانت تحكم تركيا، وهذه الواقعة تعتبر، بصفة رسمية، تراجع تركيا عن السير في طريق الديمقراطية، هذا فضلًا عن كونها أولى خطوات عملية ستسوء أكثر من خلال “الحزمة الأمنية” الجديدة، وكان المتحدث باسم الحزب قد أدلى ببيان مضحك جدًا ردًا على الانتقادات الموجهة للحكومة؛ إذ قال: “هذه ليست خطوة إلى الوراء، إنما هي عودة للتعديل الذي أدخلناه عام 2004”.
من الواضح والجليّ أن حقوق الإنسان العالمية تم تعليق العمل بها بسبب هذا القانون، وليس الدستور التركي فقط.
وهذه فاشية واضحة وجلية للغاية. وإن التدخل في اللوائح والتشريعات من خلال الصلاحيات الخارقة وأعضاء المحاكم المنتخبين بشكل خاص، ليعتبر رفعًا لراية الفاشية على حصن العدالة، لا سيما وأن مشروع القانون يتضمن مادة تنص على أن يستحق المحامون من أصحاب الخبرة لعامين حق التعيين في منصب القاضي.
هذا فضلًا عن أننا شهدنا واقعة غريبة للغاية حتى قبل أن يناقش البرلمان مشروع القانون هذا، تسبب بعض الأشخاص البراجماتيين في اعتقال الصحفي آيتكين جيزيجي في أضنة بسبب “شبهة معقولة”، وهو أمر ليس معقولًا! فإذا كانت قرارات كهذه تصدر حتى قبل إقرار هذا القانون، فمن يدري ما الذي سيحدث إذا ما صدر هذا القانون الذي ينتهك الحريات الأساسية المنصوص عليها في الدستور، ويتعارض مع بنود الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، التي وقعت تركيا عليها، وكيف سيكون الوضع في تركيا؟!
لم يعد أي شخص أو فئة في أمان في تركيا بعد اليوم، ذلك أن دولة القانون نُحيت جانبًا، وفتح الباب أمام جميع أنواع ضغوط النظام الفاشي، فهل تصبر تركيا على تبعات هذه الوتيرة؟ لا على الإطلاق! لا يمكن التضحية بالمتكسبات الديمقراطية الكثيرة من أجل تستر البعض على جرائمهم. ولن يحدث شيء كهذا.